الخبر وما وراء الخبر

المياه الإقليمية بأيادٍ أمريكية.. ماذا يعني؟

88

بقلم / حسن حمود شرف الدين


 

تنتشِرُ البوارجُ الأمريكية، وتنتشرُ السفنُ العملاقةُ الحاملة للطائرات الأمريكية في المياه الإقليمية العربية والإسلامية، في انتهاكٍ واضحٍ للسيادات الوطنية والقوانين الدولية التي تؤكّدُ أحقية جميع الدول التحكُّمَ بما في حدودها البرية والبحرية والجوية.

هذه القوانينُ والشرائعُ الدوليةُ تُطبَّقُ في مختلف دول العالم، ولا تُطبَّقُ على الدول العربية والإسلامية التي لا تستطيع حماية نفسها بنفسها والمرتهنة لقوى الاستكبار أمريكا وإسرائيل.. وَمن هذه الدول “اليمن” التي عاشت عقوداً من الزمن تحت الوصاية الأجنبية، ومسلوبة القرار السياسي، لا تستطيع أخذَ أي قرار مصيري إلا بالرجوع إلى القوى المسيطرة والمهيمنة على المنطقة عبر عملائها ومندوبيها في المنطقة كالسعودية.

كثيرٌ من الشواهد على أنه لم تستطع الجمهورية اليمنية أخذَ قراراتها بنفسها، وإذا ما فكرت في ذلك يتم قمعُها مباشرةً دون الرجوع إلى حلول سلمية أخرى.. وبالتالي تشكل ضغطاً نفسياً وعاطفياً لدى أوساط الشعب اليمني الذي شعر بأنه مسلوب الحرية والإرادة، وشعر أنه يواجه عمليةَ استعباد ممنهجة لصالح دول الاستكبار أمريكا وإسرائيل، استعباد عكس صورة سلبيةً عن عادات وتقاليد الشعب اليمني، وجعلتهم كأنهم لا يفقهون شيئاً في الحياة.

هذا الشعور الذي غرس في نفوس الشعب اليمني، وخصوصاً الشباب بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية، جعلتهم يخرجون إلى الساحات ويرفعون أصواتهم “الشعب يريد إسقاط النظام”.. كان هذا شعار الشباب الذين خرجوا إلى الساحات وفجّروا الثورة الشبابية الشعبية في 11 فبراير 2011م، لم تكن هذه الثورة ضد أشخاص بذواتهم.. كانت ولا زالت ثورة ضد نظام نخرته دودةُ الاستخبارات الأمريكية والصهيونية والسعودية، نظام عشعش فيه الفسادُ المالي والإداري.. فكان أولى نتائجها سقوط النظام.. إلا أنه سَرعانَ ما انتبهت الإدارة الأمريكية إلى خطر سقوط النظام الفاسد في اليمن، فدفعت بعملائها في الخليج بتقديم مبادرتها المشؤمة والمسماة بـ”المبادرة الخليجية”، التي حملت في طياتها إنقاذ المشهد اليمني من التدهور –كما تدّعي- وتقديم مشروع لتقسيم البلاد.

وبهذه المبادرة التي قدمها مجلس التعاون الخليجي ذابت في طياتها مطامع ومخططات وأطماع الإدارة الأمريكية والصهيونية اليهودية الهادفة إلى تقسيم المنطقة العربية وجعلها عبارة عن كنتونات مناطقية ومذهبية مختلفة فيما بينها البين ومتصارعة فكرياً وعقائدياً وجغرافياً.. فإذا ما تم ذلك تفرَّغت أمريكا والصهيونية اليهودية إلى ثروات البلاد لنهبها وسلبها أَوْ شرائها بثمن بخس على حساب دماء وأشلاء أبناء الشعب اليمني.

وفي الـ21 من سبتمبر 2014م تفاجأت الإدارة الأمريكية بخروجٍ بثورة شعبية أسقطت فلولَ العملاء والمرتزقة المتبقين، والذين كانوا مرتبطين بالنظام السابق تحت رعاية سعودية أمريكية.. فكانت بمثابة ضربة قاسمة وقاضية للمشروع الأمريكي الصهيوني في اليمن، ولأن الضربة كانت قاسية ومفاجئة، كان رد فعلها هستيرياً وغير مرتب وغير مدروس، ما جعلها تعجّل وتسرع في تنفيذ مخططتها في اقتحام اليمن واحتلاله عبر عميلتها في المنطقة السعودية، فأمرت الإدارة الأمريكية عميلتها في النظام السعودي بشن حرب شاملة لا تبقي ولا تذر، في محاولة منها لإجبار الشعب اليمني بأن يعودوا إلى الخضوع والذل لهم ولعملائهم.

ولأن أمريكا قائمةٌ على القتل والتنكيل فقد قررت أن تذلَّ الشعب اليمني وتجبرَه على الاستمرار فيما كان فيه من ذل وهوان، فقامت بمضاعَفة العقوبة إلى جانب فتح عدوان مفتوح وشامل، بفرض حصار خانق على الشعب اليمني، حصار على جميع المستويات البري والبحري والجوي.. ولأنها تمتلك الآلياتِ والإمكانياتِ التي تجعل من المياه الإقليمية في يدها، فقد أصدرت إلى قواتها وأساطيلها الحربية في المياه الإقليمية بإيقاف الملاحة البحرية، ومنع دخول السفن والبواخر المحمَّلة بالمواد الغذائية والاستهلاكية والدوائية والمشتقات النفطية إلى الموانئ اليمنية.. وكذلك أوقفت الملاحة الجوية ومنعت الطائرات المدنية والتجارية بالهبوط في اليمن، حتى تحقق أهداف ما أسمته بـ”عاصفة الحزم” في أقرب وقت ممكن.

والحقيقة فإن امتدادَ فترة العدوان لا يشكل أهميةً لدى الإدارة الأمريكية، بل العكس فإن العدوانَ الذي تقوده أمريكا عن طريق السعودية تكسَبُ من ورائه مليارات الدولارات التي ترفد الخزينة الأمريكية على حساب الشعوب العربية والشعب اليمني.. فكلما طالت فترة العدوان كلما تحرك سوق تجارة الأسلحة في أمريكا والدول المنتجة للأسلحة “محرّمة دولياً أَوْ غير محرمة”.. وإلى جانب تحمل السعودية تكاليف العدوان على اليمن فإن كُلَّ ما تقدمه أمريكا من توجيهات وخطط ومعلومات وأسلحة وأفراد مدفوعة الثمن، ويتم سحبها أولاً بأول من أرصدة النظام السعودي في البنوك الأمريكية والأوروبية.

لم يكن في حُسبان الإدارة الأمريكية والنظام السعودي أن تطولَ فترة تدخلهم في اليمن، وسيكون هذا التدخل سريعاً وعاجلاً، وسيحقق أهدافه خلال أسبوعين أَوْ ثلاثة بالكثير.. إلا أن الفترة طالت والجرائم كثرت، ووجدوا أنفسَهم يغرقون في دم الشعب اليمني.

طالت الفترةُ وكثرت العمليات الجوية التي استهدفت أطفال ونساء الشعب اليمني وبنيته التحتية.. إلا أن الإدارة الأمريكية مستمرة في سياستها الإرهابية والتنكيلية، رغم خسارتها وخسارة عملائه المشاركين في ما تسمى “قوات التحالف” المشاركة في العدوان على اليمن ووقوع الكثير من الأسرى من الأمريكيين والسعوديين وجنسيات أخرى مشاركة في العدوان بأيدي الجيش واللجان الشعبية الذين تصدوا للعدوان بكل شجاعة وبطولة.

ورغم هذا كله فإن أمريكا تحاول سحْبَ أيَّة ورقة تدينها في العدوان تحاول أن تبقى في الظل وتجعل نفسَها مظلةً شرعية للنظام السعودي وشركائها في العدوان.. فقد سعت إلى تحرير أسراها بكل وسيلة، ومنها ما تناقلته وسائل الإعلام عن مطالبة أمريكا بإطلاق بعض الرهائن من جنودها الذين دفعت بهم للمشاركة في السعودية في العدوان، مقابل السماح بإدخال كميات من النفط والشحنات التجارية التي تحتجزها البوارج الحربية للإدارة الأمريكية الموجودة في المياه الإقليمية اليمنية.

ويبقى انتصار الشعب اليمني على مخططات وأطماع الإدارة الأمريكية في اليمن –بإذن الله تعالى- يلوح في الأفق، فجميع الدلائل والشواهد تؤكد أن الأهدافَ التي أعلنت عنها بداية عدوان في مركز قرارها “واشنطن” لم تتحقق؛ لأنها أهدافٌ هُلامية لا تعتمد على قرائن ودلالات واقعية وموجودة.. فثورة 21 سبتمبر 2014م هي ثورة شعبية خالصة، تخلصت من جميع العملاء، وتسعى إلى إيجاد دولة يمنية حديثة تمتلك القرارَ السياسي وغير مرتهنة لأيَّة قوى داخلية أَوْ خارجية.

وما يفرض على الإدارة الأمريكية للتسريع في إيقاف العدوان وتوجيه النظام السعودي بإيقافه هي الحملةُ الشعبية التي أطلقها الشعب اليمني حملة #أمريكا_تقتل_الشعب_اليمني، هذه الحملة شكّلت ولا زالت تشكل ضغطاً على الإدارة الأمريكية التي تزعم بأنها راعية للديمقراطية والسلام في العالم، فرغم ما تمتلكه من ترسانة إعلامية هائلة إلا أنها ستكون عاجزةً عن إيقاف هذه الحملة التي بدأ يتفاعلُ معها الكثيرُ من المواطنين في مختلف بلدان العالم وخصوصاً الشعب الأمريكي.. وبدأوا يطالبون نظامهم الأمريكي بإيقاف الجرائم والمجازر والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب اليمني.