الخبر وما وراء الخبر

الإمارات لم تعد بلد الاستثمار.. وعلى رؤوس الأموال مغادرتها اليوم قبل الغد.

15

لم تكن عملية إعصار اليمن التي دكت العمق الإماراتي وبشكل غير مسبوق عملاً عسكرياً فحسب، بل تطوراً استراتيجياً ونوعياً في مسار مواجهة العدوان التحالفي الأمريكي الإماراتي البريطاني السعودي، وأتت العملية في توقيت بعد مرور سبعة أعوام من العدوان لتحمل الكثير من الرسائل الاستراتيجية والعسكرية، وجاءت في المضمون لتضيف دويلة الإمارات إلى دائرة التهديف والاستهداف، ولتكون فاتحة لمرحلة عنوانها «وإن ضربت فأوجع» أو ما يطلق عليها “مرحلة الوجع الكبير”.

لسنا بوارد استعراض الخسائر التي سببتها العملية لدويلة الإمارات، على الرغم من أهميتها ودورها في رسم المشهد القادم، الذي سيكون امتداداً لمشهد الاثنين وبمسار متصاعد، وفي المجمل، فقد عكست العملية النوعية الكبرى إلى حدّ بعيد مدى خطورة استمرار دويلة الإمارات في العدوان على اليمن، والآفاق التي تظهر أمام المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال في الإمارات في المدى المنظور على قاعدة أن القادم سيكون أكثر عمقاً وأشد وجعاً وأوسع استهدافاً.

لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم هو: ما مصير المستثمرين، وما مصير رؤوس الأموال في دويلة الإمارات بعد عملية «إعصار اليمن”؟

وهذا السؤال يجب أن يُطرح اليوم قبل الغد، وهل تستطيع الإمارات أن توفر الحماية للاستثمارات ولرؤوس الأموال والشركات، ما دامت تتورط في العدوان والحصار على اليمن؟ وهل تستطيع دويلة بيوتها من زجاج وهي تشعل الحرب وتشنها على الشعب اليمني أن تضمن لمستثمر واحد السلامة والأمن من المخاطر، بعد ما ثبت بالفعل أن الشعب اليمني يملك القدرة على ضرب عمق دويلة الإمارات بالصواريخ والطائرات، وأن القيادة اليمنية لديها الشجاعة في اتخاذ قرار استهداف أهداف حساسة وحيوية في عمق الدويلة ؟ وأن لديها حق قرار الاستهداف، وحرية اتخاذه بكل استقلال ودون أي تأثير من أحد؟

لا يجب على المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال أن يغفلوا عن تحذير القوات المسلحة الذي أصدرته ضمن بيان إعلان عملية «إعصار اليمن»، من أن الإمارات لم تعد بلداً آمناً للاستثمار، وهذا التحذير ليس من باب الحرب الدعائية التي تقال في الهواء، لكنه من باب التمهيد للفعل ومن باب إخلاء المسؤولية، وبصورة أوضح، لابد أن يعرف كل المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال في دبي وأبو ظبي وغيرهما، في اكسبو وفي عقارات دبي وأبو ظبي وموانئهما، وفي النفط الخام ، وفي الشحن والتصنيع وفي الطيران وفي مختلف الاستثمارات الموجودة جملة من الحقائق:

أولاً: إن تحذير قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في وقت سابق، من أن استمرار دويلة الإمارات في شن العدوان على اليمن يجعل منها بلداً غير آمن، قد دخل حيز الفعل العسكري بتنفيذ عملية إعصار اليمن، إذ لم يعد كلام قائد الثورة تحذيرا مرتبطا بأسبابه، فحين لم ترعوِ الإمارات عن غيها وعدوانها أتت عملية إعصار اليمن لتدشن مرحلة جديدة تضع “دويلة الإمارات” في دائرة الاستهداف المتصاعد.

ثانياً: ما دامت دويلة الإمارات مستمرة في شن العدوان على اليمن، فإن عمليات استهدافها ستستمر وستتصاعد، وعملية إعصار اليمن يمكن اعتبارها رسالة تحذير وليس ذروة الرد والعمل العسكري، الهدف منها أن تستوعب دويلة الإمارات حقائق ظلت تتجاهلها طويلاً، وتحاول الهروب من مواجهتها إلى حالة إنكار خاسرة.

ثالثاً: لا موانع عسكرية ولا سياسية ولا غيرها من استهداف دويلة الإمارات، طالما استمرت في شن العدوان والحرب على الشعب اليمني ستكون عرضة للضربات الصاروخية والجوية من اليمن، وبشكل متصاعد في الكم، وفي اختيار الأهداف صعوداً نحو أهداف حساسة وحيوية، وتوسعاً في شكل الضربات وعدد الصواريخ والطائرات المسيرة، وقد بات لدى القوات المسلحة في اليمن صواريخ وطائرات مسيرة متطورة وبمديات بعيدة قادرة على الوصول إلى كل إمارات الدويلة ومصالحها، ولديها أيضاً وفر كبير من هذه الأسلحة وخطوط إنتاج يومية قادرة على أن تستمر في قصف الإمارات وكل دول العدوان لأعوام عديدة بفضل الله.

رابعا: تملك قواتنا المسلحة بنك أهداف واسعاً وحساساً، وهي مستعدة لتوسيع بنك الأهداف لتشمل أهدافا حساسة ومصيرية، وضمن بنك الأهداف مصالح حيوية واقتصادية ومشاريع استثمارية وغيرها، وأمان هذه المصالح والاستثمارات مرهون بأن تبادر دويلة الإمارات للانسحاب من اليمن ووقف العدوان عليه، وفي ذلك ضمان لأمنها وأمن المستثمرين وغير ذلك.

خامساً: لا شيء يوحي حتى اليوم، إلا بأن دويلة الإمارات عازمة على الاستمرار في عدوانها على الشعب اليمني، والجريمة التي ارتكبتها أمس بقصف مباشر على أحياء في العاصمة صنعاء وقتل مدنيين منهم أطفال ونساء تؤكد هذا، ولا شيء يضمن أمنها وسلامتها وسلامة الاستثمار على أراضيها،وما دامت مستمرة في ارتكاب الجرائم وفي العدوان على اليمن فإن الوضع يزداد قتامة وخطورة، ومع تحذير القوات المسلحة في بيان عملية إعصار اليمن لرجال الأعمال

والمستثمرين والمقيمين على دويلة الإمارات من الاقتراب من المنشآت الحيوية والاقتصادية ومن إبقاء رؤوس أموالهم واستثماراتهم في الإمارات، فإنها قد أخلت مسؤوليتها عن أي أضرار ومخاطر ستلحق بالمقيمين أو بالمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال.

وما يبدو أيضاً، هو أن دويلة الإمارات عازفة عن استيعاب دروس عاصفة اليمن، واحتساب الخسارات التي لحقت بها، وإن كانت تخمن أن الوقت لا يزال متاحاً أمامها لتجريب وإعادة تجريب سيناريوهات فاشلة، من مثل شراء منظومات دفاعية ، أو أن ما حصل بالأمس كانت ضربة لا تتكرر، أو أن بإمكان أمريكا أو بريطانيا أو حتى إسرائيل أن تمنحها الأمان، أو أن البيانات والإدانات الصادرة عن حكومات وأنظمة وزعماء النفاق الدولي ستحميها، فإن التخمين شيء، والحقيقة شيء آخر، والاقتصاد والاستثمار لا يحتمل مجازفات التخمينات والأوهام، بل يجب أن يستقر على أساس آمن، بعيداً عن نار الحرب ورحاها.

كل الحسابات والمعادلات تغيرت اليوم، فلا اليمنيون عاجزون عن توجيه أقسى الضربات لدويلة الإمارات وفي عمقها، فقد باتوا بفضل الله يملكون من أسلحة الردع ما ليس في حسبان أحد، ولا دويلة الإمارات قادرة على الابتعاد من نيران وصواريخ وطائرات اليمنيين، وبين هذا وذاك، فإن في الاستثمار على أراضيها مخاطر كبيرة ما دام العدوان مستمراً على اليمن.

لقد ارتكبت دويلة الإمارات –إلى جانب تحالف العدوان- خطيئة تاريخية لا تغتفر بالتورط في العدوان على الشعب اليمني، لقد قتلت مئات الآلاف من إخواننا وأبنائنا وآبائنا وأطفالنا ونسائنا وأمهاتنا وبناتنا وأخواتنا ظلماً وتجبراً وتكبراً بالغارات وبالحصار، ودمرت البنى والمنشآت والخدمات والأسواق والمصالح والطرق والجسور والمشافي والمدارس بالصواريخ والقنابل الفتاكة والمدمرة وبالأسلحة المحرمة، لقد حاصرت الملايين من البشر ومارست بحقهم التجويع والإفقار وسلب لقمة العيش وسبل الحياة، لقد فعلت الأفاعيل في بلادنا وأرضنا وفي مياهنا وبحارنا وجزرنا، واستثمرت مع تحالف العدوان من مآسي اليمنيين ومن أوجاعهم ومن الحرب عليهم، إشاعة أنها تخوض حرب تحرير لليمن وتسويق كذبة أنها تفعل كل ذلك لأجل تحرير الشعب اليمني ولكن إلى المقابر وإلى المآسي .

لقد ساهمت في خلق المعاناة والمصاعب الاقتصادية لأبناء الجمهورية اليمنية كلها، ودون استثناء، شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، وفي تفشي الأمراض والأوبئة، وفي فرض الحصار الإجرامي المميت على الوقود والغذاء والدواء وحتى المساعدات الإنسانية، على أمل تشكيل بيئة مواتية لاحتلال اليمن ونهبه واستعباد شعبه.

لقد استغلت دويلة الإمارات اللحظة التي يعيشها الشعب اليمني جراء العدوان عليه من فقر ومعاناة لكي تكرس واقعاً من احتلال رخيص في سقطرى وميون وغيرهما وفي عدن وحضرموت ولحج وغيرها من المحافظات التي تحتلها.

لقد تجندت دويلة الإمارات وتطوعت للصهاينة والأمريكيين في شن عدوان اعتقدته مربحاً يلبي ويستجيب لمطالب الصهاينة والأمريكيين والبريطانيين المجرمين، واليوم عليها أن تدفع ثمن المغامرة وثمن الجريمة وأثمان التعدي وجرائم القتل والتدمير، وأقل الأثمان أنها صارت بلداً غير مثالي ولا آمن للاستثمار.

صواريخ اليمن وطائراته جاهزة لردع تحالف العدوان، واليوم تصويبها بشكل أساسي إلى عمق دويلة الإمارات، والاستمرار في العدوان على اليمن قد أصبح مكلفا وباهظ الثمن..ومع هذا كله أصبح الانسحاب من العدوان حتمياً..
ولله عاقبة الأمور.