تفكك الدولة السعودية.. الأسرة الحاكمة الحلقة (1)
تقرير|| إسحاق المساوى
بعيداً عن الصورة المتخلية التي يرسمها الإعلام عن تمساك المملكة السعودية، ثمة تفكك تشهده على كافة الأصعدة وتتنامى مؤشراته على صعيد الجبهة الداخلية والخارجية.
داخلياً لا يبدو أن كل شيء على ما يرام، إذ أن أبرز مرتكزات النظام السعودي للبقاء، كالأسرة، والحليف الوهابي، والجيش، والاقتصاد، تشهد اضطرابات عميقة تنذر بتفكك الدولة السعودية الثالثة التي شارفت على اكتمال قرن من الزمن.
هذا ما تناوله على الأقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة الأمير الراحل طلال بن عبدالعزيز، الذي استقال من هيئة البيعة في 2011م. فقضية تفكك السعودية مطروحة قبل أن يتولى الملك سلمان الحكم ويظهر ولده محمد بن سلمان في منصب وزير للدفاع عام 2015م.
ما يحدث اليوم داخل الأسرة من تفكك كان قد توقعه الأمير الراحل بقوله: المملكة مقبلة على صراعات حادة داخل الأسرة الحاكمة”. وقد تتطور إلى “صراعات دموية من أجل الانفراد بالحكم” بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام خلال العام 2012م. ويسبب طلال حديثه بضرورة “أن تتغير الملكيات المطلقة” مشيراً إلى أن تفكك السعودية سيكون شبيهاً بـ “تفكك الاتحاد السوفيتي”.
وبشأن الجغرافيا السعودية فالأمير الراحل حذر من مخططين إسرائيلي أمريكي لـ “تقسيم السعودية” فالثنائي المعروف بتحالفه مع الأخيرة: “لن يبقيا على وحدة أراضي المملكة” حد تعبير الأمير الراحل. معتبراً أن أمريكا وإسرائيل “حولتا قطر إلى مخلب في الخليج، وأن الفوضى ستحل على دول مجلس التعاون، وليس فقط على السعودية”.
لقد كان (التفكك) أحد أهم الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولتين السعوديتين الأولى والثانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أما في عهد الدولة الثالثة فالتفكك بدأ مبكراً، وتحديداً بعد وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن في 1953م.
إذ أنه بعد عقد على وفات الملك المؤسس خُلع الملك سعود عام 1964م ونصب الملك فيصل محلَّه لعدة أسباب منها “الخوف من سعي لتأسيس الولاية تبعاً للأبناء وليس الأشقاء”. وهو الأمر الذي أدى إلى اغتيال الملك فيصل على يد ابن أخيه عام 1975م، ضمن أسباب لا تذهب بعيداً عن التفكك.
“وعلى ما يبدو فإن العهد الجديد الذي يديره محمد بن سلمان تحت إشراف والده، لم يحسن قراءة تاريخ تكوين المملكة السعودية” وفقاً لجريدة الأخبار اللبنانية.
وقد شهدت فترة ولي العهد بن سلمان تصدعات في كتلة الأٍسرة، ربما هي الأولى منذ تأسيس الدولة الثالثة، بإقالة أمراء من مناصبهم واعتقال وتحييد دور آخرين.
حيث تصدرت خلافات الأسرة نشرات وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، بعد الإطاحة بالأمير السجين (محمد بن نايف) من منصب ولي العهد عام 2017م، وبدا أن عهداً “مفككاً” تشهده المملكة من جديد على غرار سابقيه، وتحديداً عهد الدولة الثانية، وهو ما انعكس سلباً على تفكك هيئة البيعة أيضاً برفض عدد من الأمراء حينها مبايعة ولي العهد الجديد محمد بن سلمان.
في العام 2006م حاول الملك الراحل عبدالله بن العزيز، تأسيس نظام انتقال آلية الحكم، للحد من خطر تفكك الأسرة، لكنه وبالإضافة إلى التعديلات التي طرأت على الآلية نفسها من بعد وفاته، لم تُحل مشكلة التفكك الراهنة بل وُسعت دائرتها. فالمشكلة ليست في آلية وآلية معدلة بل في جوهر التفرد الاحتكاري بالسلطة بيد أسرة لا تملك أي من أسباب امتلاكها فضلاً عن إدارتها.
لقد بات تفكك الدولة السعودية الثالثة حديثاً يتردد ليست في أوساط الأسرة الحاكمة، بل حتى على لسان الأشقاء، فالمحامي الكويتي ناصر الدويلة قال في نوفمبر 2017: “تنبأت قبل أربع سنوات بتفكك السعودية في رسالة خاصة في قروب متخصص بالتنبؤ الاستراتيجي قام أحدهم بتسريبها لاحقا دون إذن مني وظهرت مؤشراتها اليوم”، ليعقّب عليه الكاتب السعودي الموالي للنظام تركي الحمد، بالقول: “تفكك السعودية يعني اندثار الكويت سيدي الكريم”.
ويمكننا اليوم اختصار تاريخ آل سعود عند عنوان عريض يقول إن نهاية دولتهم الأولى كانت بسبب تهديد استقرار محيطها الإقليمي، وإن نهاية دولتهم الثانية كانت بسبب اقتتال الأسرة الحاكمة، أما ما نشهده اليوم في الدولة الثالثة فهو اجتماع ذات السببين.