وإذا اللقاءُ بِهم غدا قريبًا.
بقلم// منار الشامي
تمهلوا ..
انتظِروني ، ألا ترونني أنني بِكم من اللاحقين ، إني أرى نفسي مِمن أنتم بِهم تستبشرون ، يا ليتَ قومي يعلمون !
أن الشهادةَ رِفعةٌ في جنانِ الخُلدِ بين المُقربون ، يا ليتَ الغارقون في الدُنيا بمجاديفِ النجاةِ يمسكون ، وعلى سفينةِ آلِ بيت محمدٍ يركبون ، يا ليتهم معي يأتون حيثُ نأتي مع النبيين بِلا حسابٍ أو عقاب .
الشهيد المجاهِد / إسماعيل محمد علي الحمزي .
الاسم الجهادي / أبو حيدر .
المحافظة / صعدة _ الحمزات .
الحالة الاجتماعية / متزوج ولديه بنتٌ وولد .
المؤهل التعليمي / إعدادية عامة .
مكان الاستشهاد / جبهة المخاء .
الشهيد إسماعيل الحمزي من مواليدِ محافظةِ صعدة العز منطقة الحمزات للعامِ 1995 م ، نشأ وترعرع في كنفِ أسرةٍ مؤمنة مجاهدة ، ومِن أوائلِ المنطلقين مع المسيرةِ القرآنية ، واصل تعليمهُ إلى المرحلة الإعدادية وبعدها انطلق للجهاد .
إسماعيل الشاب العشريني ، السخيُّ في الكرمِ المُحسنُ في التصرّف ، نبيهًا متواضعًا ، وبِما أن لكلِّ شهيدٍ قدوة فقدوةُ إسماعيل كان أخاهُ الأكبر الذي استشهد قبله ، فلكم أخذ من ملامحهِ وهيئتهِ ودماثةِ أخلاقه ، كان يغلبُ على طبعهِ في التصرف الروح الفُكاهية المحدودة وهذا ما جعلهُ مصدر سرورٍ وفرح لجميعِ من حوله ، كيف لا وهو ذاك رحيمُ القلبِ مع الناسِ أجمعين ، ودودُ المعاملة مع الفقراءِ والجيرانِ والمحتاجين .
في التاسعةِ من عمرهِ تحديدًا وفي ذلك الوقت الذي يرى فيه الأطفال محطةً للفرحِ واللعبِ والسرور ، أخذ النظام السابِق منه أجواء الفرحِ هذه كغيرهِ من أطفالِ صعدة الّذين تربوا على أزيزِ الرصاصِ وأصواتِ المدافع ، كان إسماعيل يرى والدهُ وأخاهُ الأكبر يذهبون إلى الجبهات فيزدادُ بصيرةً ووعيًا أمام أحداثِ الحياة ، في الحربِ الثانية عزم على الذهابِ إلى هناك حيثُ المجاهدين فتحرك إلى أحدِ الجبال ومكث عشرة أيام ، إلا أن أحدَ المجاهدين أرجعهُ إلى أسرتهِ قائلًا لهُ بإنهُ لا زال صغيرًا ولا يحتملُ ويلات الحروب .
لم يكن هذا الكلامُ ليُجدي نفعهُ في روحٍ تعلّقت بالجهادِ منذُ نعومةِ أظافِرها فلم يكد يبلغ سِن الثانية عشر حتى غدا في صفوفِ المقاتلين ، فقي جبهةِ دماج كان من أولِ المجاهدين الحاضرين ، حتى جُرِح في فمهِ تحديدًا في الفكِ مما أدى إلى ضررٍ فيه وتهشّم وتكسرٍ في الأسنان ، فظل أكثر من شهرٍ وهو لا يتناول أيًّا من الأطعمة غير السوائل .
تماثل للشفاءِ ولم يخِف عزمه بل اتقد إيمانهُ أكثر فأصبح قبل العدوانِ على اليمن مسؤول تدريبٍ عسكري لتأهيلِ العشراتِ من الشباب برغمِ صغر سِنه ، فتخرج الكثيرُ على يديه ، أما عندما أُعلِنت الحرب فقد قرر أن يصبح في عدادِ المجاهدين المدافعين على الأوطان ، فتنقل ما بين جبهاتِ نهم وأرحب والجوف ومأرب وأخيرًا جبهةُ المخاء بمحافظةِ تعز .
كان يملكُ من الحس الأمني أعلاه ، ومن التفكيرِ الحكيم أدهاه ، وبرغمِ صغر سنهِ عندما أُلقيت على عاتقهِ مسؤولية التدريب والتأهيل فلقد قال لأحدِ أفراد أسرته “كنتُ أستحي من المجاهدين الذين كنتُ أعمل على تدريبهم في الدورات العسكرية ، إذ أن بعضهم كانوا بعمرِ والدي ” ، وعن جانبهِ في الإحسان فصولاتٌ وجولات فعندما كان يستلم رعايتهُ الشخصية لعملهِ الجهادي فلقد كان يقومُ بتوزيعهِ لمن أوجعتهم الحاجة فكان يقولُ لأسرتهِ عندما يُسأل “الله كريم وهو الرزاق سيُهيئُ لنا ويرزقنا” ، وما حظي بهِ من تكريمٍ إلهي فهو لكثرةِ الالتجاءِ إلى الله والإلحاحِ بالدعاء والتي لاحظها الجميع .
في أحدِ الأيام اشتاق إسماعيل لصغيرتهِ بنيان وطِفلهِ كيان فشدّ الرِحال من تعز إلى صعدة ، انتهت أيام الزيارةِ بسرعة فما مِن مْن نبأهُ الله بقربِ الشهادة غير أن يودع أهلهُ وداع الفراق ، تقدّم نحو والدتهِ مُقبلًا رأسها قائلًا : “أمي سامحيني” !
أردفت : على ماذا سأُسامحك يا نور عيني فأنت قط لم توجِع لي قلبًا ولم ترد عليّ بكلمةٍ واحدة مُطلقًا .
ابتسم : أنا ذاهبٌ إلى أبي وأخي الشهيدين .
اندهشت أما هو فتابع : نعم يا أمي هذا صحيح ..
كان في يمينهِ جِهازهُ اللاسلكي أكمل وهو يلوّح لها به : هذا سوف يوصِلني إليهم يا أمي .
تحرّك إلى زوجتهِ بعد ذلك الوداع الحار ، أوصاها بذكرِ الله وأن تخذ حيطتها على نفسِها وأن تحافِظ على أطفالهِ الصغار بالتربيةِ الحسنة والأخلاقِ الحميدة ، ذهب مع صغيرتهِ بُنيان إليها ثم أمرها أن تلتقط لهم صورةً أخيرة ، طلبت منهُ أن تُغيّر ثياب طفلتها لكنهُ عارضها قائلًا : إنها ذكرى ..
قاطعتهُ بتأثر : لا تقُل لي بأنها آخر صورة !
لم يرُد ، صورتهم وقبل أن يخرج التفت إليها “متى ما نهض كيان ودعيهِ منّي ، سأذهبُ الآن وأنا مرتاح ، الصفحُ والمسامحة منكم جميعًا” كانت زوجتهُ تُراقبهُ وهو يخطو فما كان مِنهُ إلى أن يلتفِت ما بين مسافةٍ وأخرى وكأنها المرّة الأخرى وإذا اللقاء غدا بأبيهِ وأخيهِ قريبًا !
انطلق إلى الجبهة ورابط هناك إلى أن أتت ذِكرى المولدِ النبوي الشريف ، ذهب لإحيائها في الفعالية ومن ثم عاود الذهاب إلى الجبهة .
لم يطِب المسير فالمرتزقةُ والغزاة كانوا قد نصبوا كمينًا مَحكمًا لهُ ومن معه مما حدا إلى استشهادِ البعض وجرحِ الآخر ، لم يستسلم أبا حيدر ، شقّ الطريق إلى آخرِ شخصٍ وهو سائق المدرعة وفور ما أخرجهُ بعد استشهادهِ كان بغيّتهِ أن يواصِل المسير لكن الشهادة لاقتهُ هو الآخر .
بقيت أسرتهُ مدة ثلاث سنوات وما لامسها يقينٌ عن مصيرِ إسماعيل أهو أسيرٌ أم شهيد ، وكان دُعاءُ والدتهِ ألّا يكون في الأسرِ لقسوةِ ما يُلاقيهِ الأسرى ، وبعد تحريرِ تِلك المناطِق قام أحدُ أبناءِ المنطقة بإخبارِ المجاهدين بأماكن الجثث المدفونة ، فقاموا بإخراجِ ما تبقى من رُفاتهِ ودفنهِ في روضةِ الشهداءِ في الحمزات بتاريخ2020/2/26م الخامس عشرة من ربيعٍ الثاني الموافق 1439 هـ .
فالسلامُ عليهِ ومن معه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعثُ حيا .