مقالٌ من دموعِ الحروف
بقلم// مرتضى الحسني
بينما أنا مُحتبٍ في محرابِ الإيمان والإخلاص والحروفُ من حولي تتجمعُ حرفاً حرفاً حتى شكلت-بكل إنصات-حلقةً متأملةً ما سأنثرُهُ على أسماعِها.. ما إنْ ألقيتُ عليها ما في فؤادي فلم تتمالك نفسها حتى خرّت باكيةً تسيلُ دموعُها وأنا أُكفكفها حبراً آملاً كتابةَ مقالٍ أُطيّبُ به نفسي وأرتفعُ به مكاناً عليا في سُلمِ الأجرِ عند الله.
أجل إنّ كلامي ينطوي في بساطِ الشهداء الذين قارب أسبوعهم السنوي على الدخول وها أنا ذا أجدُ جوارحي مُثخنةً بالعجزِ عن إيفائهم حقهم ولكنّي سأحاولُ أن أجتهد بكل طاقتي علّني أعطي اليسير.
شهداؤنا ليسوا أناساً من أولئك الذين قدموا أرواحهم مقابل دنيا أو مالٍ لا يسمن ولا يغني من جوع بل هم أناس اهدوا زاكي دمائهم فداءً لعظمةِ شيءٍ اسمه الإسلام وشموخِ شيء اسمه القرآن ورفعةِ شيء اسمه الأرض والعرض.. فمذ خلقت الأرض وهي تُدنسُ بالظلم والدناءة والقهر حتى عُصرت بها تلك الدماء الزكية فلم تلبث إلا أن عادت غضّةً طريةً خطورة.
وحدهم الشهداء من شدّ الرحال بدوافع قيمية إيمانية سامية ونبيلة لم يحدوها بريق الذهب والفضة وأشواق الكنز والإثراء خلف دمقس القماش والقينات وإنما حرثوا الأرض لنماء المجتمع المحمدي السوي، وأنهكوا جيادهم ضرباً في سبيل الله والرسول والمستضعفين، حتى استشهدوا رجالاً وعلى صهواتها في ملاحم مقارعة المستكبرين وتحرير الإرادة الإنسانية من أكبال الطواغيت وتمتاز الفطرة الآدمية المجبولة على الكرامة والحرية عن الخلقة الناكصة لدرك البهيمية.
تدفقوا أنهاراً محمدية وتفجروا حمما إيمانية جرفت وتجرف ترسانات الاستكبار العالمي العسكرية والاقتصادية ويصغر في عينها كل أمراء البترودولار حتى تبدّت أمامها حبة خردلٍ لا تكاد ترى.. أخذوا بزمام حياةٍ وحربٍ مرتكزها عدم التركيز على الإطار الجغرافي المحدود بتحرير التراب اليمني بل حرب وعيٍ وبصيرة والإطاحةُ بالطاغوت الناشب في عضد الأمة كلها المستحكم للنظام الإلهي السوي وجوهرها الاصطفاف المحوري المقاوم الممتد من صنعاء إلى دمشق وغزة والضاحية وبغداد وطهران.
قد يتكلف المرءُ الإطناب محاولة بلوغ مرام إعطاء الشهداء حقهم ولكنه سيجد نفسه مقيدا بشلل القصور فيمن وصفهم الله بأنهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون، لذلك كلنا غير قادرين على هذا وكل أمانينا أن نوفق في الاحتذاء بحذوهم والفوز بما فازوا به (مقعد صدق عند مليك مقتدر).