الخبر وما وراء الخبر

السعودية مُربكة وتتخبط في اليمن.. هل تنقذ نفسها؟

9

6 سنوات والسعودية تتخبط في رمال اليمن، لا هي قادرة على حسم المعركة عسكرياً لصالحها، وتحقيق أهدافها المعلنة والخفية من وراء الحرب، ولا رضخت لإرادة الشعب اليمني، وللقوى التي تدافع عنه، على وقع الهزائم والانتكاسات التي تمنى بها يومياً، بل زادت تعنتاً وصلفاً، وذهبت للتنفيس عن فشلها في محاولة إيلام الشعب اليمني من خلال المجازر اليومية والغارات المكثفة.

مأرب.. العقم السعودي
منذ شهور والجيش اليمني واللجان الشعبية يتحدثون عن تحرير مأرب، وهم يومياً يحرزون تقدماً جديداً دون أي قدرة، من قبل السعودية وحلفائها، على وقف هذا التقدم. حيث تمكنت قوات حكومة صنعاء من تحرير 12 مديرية في المحافظة من أصل 14، واعتباراً من أوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر تقدمت باتجاه المدينة على 3 محاور واقتربت من إحكام الطوق حولها والسيطرة على آبار النفط الاستراتيجية فيها.

التقدم الاستراتيجي لقوات حكومة صنعاء تبدى من خلال السيطرة على نقاط استراتيجية على أطراف مأرب، أهمها مديريتي جبل مراد والجوبة، ما سمح لقوات صنعاء امتلاك خطوط تواصل مع مشايخ القبائل في المحافظة ووجهائها وزعاماتها العسكرية، وامتلاك حاضنة شعبية كبيرة مؤيّدة لاستراتيجية التحرير الشامل، ومنخرطة بقوة في صفوف القوات المسلحة واللجان الشعبية.

أيضاً أصبحت القوات المسلحة اليمنية قادرة على السيطرة نارياً على الأقل على الطريق الواحد الواصل بين مأرب وحضرموت، وهو خط الإمداد الوحيد للمدينة والطريق الذي يؤمن انسحاب القوات قبل تحرير المدينة بالكامل.

كل ذلك ولم تتمكن قوات هادي ومن خلفها التحالف السعودي من وقف التقدم العسكري، حيث تتحدث وسائل إعلامها يومياً عن تقدم وصد تحركات، وقتل العشرات والمئات من عناصر الجيش اليمني، ولكن الحقائق على الأرض ومسار التقدم العسكري توحي ببطلان كل ذلك.

فضلاً عن ذلك تستمر العمليات اليومية والانتصارات التي تعلن عنها القوات المسلحة اليمنية، وخصوصاً في العمق السعودي، كان آخرها عملية توازن الردع الثامنة التي ضربت مطار الملك عبدالله و4 مصافٍ لشركة “أرامكو” في مدينة جدة السعودية، بالإضافة إلى قاعدة الملك خالد في العاصمة الرياض، ومطار أبها الدولي.

السعودية وحلفاؤها.. تخبّط وعدم تنسيق
تكافح السعودية للدفاع عن مدينة مأرب، كونها تعلم قيمة المحافظة الاستراتيجية، وتأثير سيطرة قوات صنعاء عليها، وسط جهود الولايات المتحدة للضغط من أجل وقف التقدم اليمني من جهة، ومساعدة الرياض بصفقات الأسلحة المتعددة، من جهة ثانية.

في هذه الأثناء كان لافتاً انسحاب القوات المدعومة إماراتياً من المناطق الجنوبية للحُديدة، التي يقودها هيثم طاهر، بشكل مفاجئ وغير مبرر بالنسبة إلى القوات المتمركزة في مدينة المخا، بقيادة طارق صالح، المدعوم من الإمارات أيضاً.

عقبت الانسحابات المفاجئة من مناطق الحُديدة، حكي عن خلافات حادة غير معلنة بين فصائل القوات المدعومة إماراتياً في الساحل الغربي اليمني، علماً أن هذه الخلافات ليست وليدة اللحظة، وخصوصاً تلك التي تظهر كرسائل بين الرياض وأبو ظبي، وبحسب مراقبين فقد بدأت هذه الخلافات تظهر إلى العلن حين أدركت الإمارات أن السعودية غرقت في المستنقع اليمني، وأعلنت رسمياً في تموز/يوليو من العام 2019 انسحابها، مدعيةً أن أسباب هذا القرار “استراتيجية وتكتيكية”، فيما كانت سيطرت على مناطق تعتبرها حيوية بالنسبة إليها في جنوب اليمن وجزيرة سقطرى ومحافظة المهرة، إضافة إلى السيطرة على المطارات والموانئ اليمنية الاستراتيجية المطلة على بحر العرب وخليج عدن، فضلاً عن حقول غاز ونفط في المحافظات الشرقية، وهو بالطبع ما لا يناسب السعودية.

الفشل في مأرب والانسحابات في الساحل الغربي، وقبلهما الاشتباكات المتنقلة بين قوات هادي وقوات المجلس الانتقالي، وعدم تمكن السعودية من السيطرة على حلفائها في اليمن يبدو فشلاً سعودياً في إدارة الملف اليمني، تزداد أشكاله وعواقبه طالما تمتد الحرب ويزداد في عمرها.

الرياض والإنفاق التسليحي الأعلى
مع تغير معادلات الحرب التي اعتقدت السعودية منذ بدايتها أنها بحاجة لأسابيع لكسبها، سعت الرياض إلى إبرام عدد كبير من صفقات الأسلحة في محاولة لتحقيق التفوق التقني والتسليحي، وهو ما كان متوفراً أصلاً، ولكن ربما للتعويض عن الإخفاقات، فأبرمت صفقات مع عدد كبير من الدول من ضمنهم أميركا (74% من الإنفاق التسليحي للسعودية) بريطانيا (12%) فرنسا (4%)، وفق ما كشفه مؤخراً تحقيق استقصائي أميركي.

أرقام كبيرة تظهر عند الغوص في تفاصيل الصفقات وقيمتها، وخصوصاً تلك التي تأتي من واشنطن، حيث بلغت قيمة صفقات الأسلحة السعودية مع أميركا 28.4 مليار دولار منذ شهر آذار/مارس 2015، ضمنها نحو 20 عقداً صادقت عليه إدارة الرئيس جو بايدن العام الجاري، بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار.

كما أنفقت السعودية، غالباً مع دول أخرى، أكثر من 34 مليار دولار على أسلحة أميركية لذات الفترة الزمنية. وعليه، تقدر المشتريات العسكرية السعودية بنحو 63 مليار دولار منذ عدوانها على اليمن ولغاية الآن.

الاعتماد السعودي على التسليح الأميركي ليس وليد السنوات الأخيرة، فقد بدأ مع الملك عبد العزيز آل سعود، لكن الأرقام التي شهدتها ميزانية التسليح السعودية منذ بدء العدوان على اليمن ارتفعت بشكل مضطرد، وجعلت السعودية في مقدمة البلدان المستوردة للسلاح في العالم، حيث أصبحت ضمن أكثر 3 بلدان إنفاقاً على التسليح في العالم، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

العميد فرحات: الإدارة السعودية لا تزال تعتقد أن بإمكانها كسب الحرب
العدوان السعودي على اليمن وحجم الغارات الدمار الذي أحدثته يظهر أنه “تطلب إنفاقاً كبيراً على القوات الجوية والصواريخ والقنابل الذكية وكل وسائل الدمار التي تطلق من الجو بالإضافة إلى أجهزة الرصد والإنذار”، بحسب الخبير العسكري العميد المتقاعد الياس فرحات، الذي أوضح أن هذه الأسلحة رغم أنها باهظة الثمن إلا أنها “لم تحقق النتيجة المرجوة منها، نظراً لغياب التخطيط السليم للمعركة وخصوصاً ترافق الحرب البرية مع الهجمات الجوية”.

أما عن المطالبات الدولية لوقف التسليح السعودي، قال فرحات “لم تكن جميع المطالبات الدولية جدية، إنما كانت إعلامية سياسية لاستيعاب غضب الجماهير والشعوب ولذلك وجدنا الولايات المتحدة تستمر في بيع الأسلحة رغم مناشدات الكونغرس التي لم ترق إلى مستوى قرار حظر توريد الأسلحة، والأمر نفسه ينطبق على دول الاتحاد الاوروبي لا سيما فرنسا وبريطانيا، أما إسبانيا فقد ألغت صفقة قنابل ثم تراجعت عن الإلغاء مقابل مليار ونصف المليار يورو، كما أن كندا البعيدة عن سوق السلاح باعت مركبات بقيمة 10 مليارات دولار “.

وعلى حد تعبير العميد فرحات “يبدو أن السعودية حتى الآن، ورغم طول أمد الحرب والخسائر الكبيرة التي تكبدتها وظهور حركة أنصار الله كقوة كبيرة مجهزة بالصواريخ البالستية والدرونز، يبدو أنها ما تزال تعتقد أن بإمكانها كسب الحرب وهي تستمر في هجماتها الجوية بوتيرة عالية ولم تتخذ قراراً جدياً بالدخول بمفاوضات جدية لإنهاء الحرب”.