الخبر وما وراء الخبر

التدمير الوهابي: الأماكن المقدسة للإسلام في خطر.(ترجمة)

384

بقلم : كورين اوتي روسل
2 فبراير 2016 (ليكريز.ف)


 

بكل حيادية وبعيدا عن أي مؤثرات ، فتدمير داعش للمواقع التاريخية العظيمة في سوريا والعراق يثير التساؤل عما اذا كان التخريب في التنظيم الإرهابي مجرد عدم الشعور بالمسؤولية أم انه على العكس مبنى على أسس أيديولوجية دقيقة؟ ولمعرفة الإجابة على هذا التساؤل يتوجب التأمل في المنهجية الوهابية المتخذة تجاه الأماكن التاريخية في المملكة العربية السعودية.

إذا كان تدمير الأماكن المقدسة له اتباعه من العباسيين الأوائل في القرن الثامن والصفويين الفارسين في القرن السادس عشر, فأن تدمير الأماكن المقدسة للمسلمين خاصتهم لم تكن إلا مع وصول الوهابية في القرن الثامن عشر تحت مسمى الإصلاحيين الإسلاميين الراديكاليين، وهي من أسست المملكة العربية السعودية.
ولد محمد بن عبد الوهاب في العيينة شمال واحة الرياض سنة 1703. وبروح فردية بروتستانتية تنفرد بتصوراتها الخاصة، يتحدى ابن عبد الوهاب أساتذته معتمدا على بعض المصادر المرتكزة على متطلبات المذهب الحنبلي (الأكثر صرامة من المذاهب الأربعة الأخرى في الإسلام) لتأسيس الخط العقائدي القادر على تطهير الإسلام من ما يراه شخصيا بدع وإعادته إلى نقائه الأصلي. لكن بعض المصادر وخصوصا الوهابية تنفي صلة حركة التجديد هذه بالمذهب الحنبلي وتعلن الأصالة المطلقة وبراءة الابتكار لأبن عبد الوهاب الذي استمدها من الإلهام والوحي الإلهي المباشر. وعلى أية حال فهناك اليوم حركة إسلامية أصولية أخرى تدعى السلفية ترتبط بالوهابية كما ترتبط أيضا بالمذهب الحنبلي الذي ترتكز عليه.

لقد وكل أبن عبد الوهاب نفسه بمعاقبة أولئك الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، وتدمير قبر احد رموز الإسلام بيديه والقيام مع مجموعة من المتعصبين برجم امرأة، مما أدى ذلك النشاط الديني وهذه البدع الى نفيه من مسقط رأسه الى الدرعية وهي قرية نائية تبعد بضعة ستين كليومتر، حيث وفر له امير الدرعية محمد بن سعود هناك الحماية. اذا فالوهابية كآلة الطرب أو كالفن ترفض تفاسير العلماء واجتهاداتهم التي تراكمت على مدى قرون لتحل محله الفحص الفردي الحر للكتاب والسنة فتستهجن عبادة الأولياء وترفض بعنف البدع التي استحدثتها الشيعة والصوفية حسب قوله. ولقي هذا المذهب ترحيب جيد واعتراف من آل سعود في الدرعية شريطة اتفاق مع ابن عبد الوهاب يقتضي: تبني الامارة الصغيرة مذهب ابن عبد الوهاب مقابل الدعم المخلص من جميع الوهابيين للأسرة الحاكمة. وحسب ذلك الاتفاق اصبحت الوهابية تمثل قاعدة السلطة السياسية لآل سعود منذ بداية القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا.

الوهابية أداة سياسة و حرب

عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تدير مكة المكرمة والمدينة المنورة، قامت الإمارة الوهابية السعودية بسلسلة من حملات الغزو العسكري والتوسع السريع. فابتداء من سنة 1790، هيمنت الوهابية على مناطق واسعة من شبه الجزيرة العربية وشنت غارات على قرى المدينة المنورة والعراق وسوريا. وأصبحت شماعة رفض “الوثنية” التي بين أيديهم أداة للسيطرة السياسية وممارسة الإرهاب: فتكفير الناس وإطلاق التهم بالبدع عليهم أصبح مبرر لجميع أشكال التمييز و الذبح. فبالإضافة إلى الغارات القاتلة والمتكررة ضد “المرتدين” في قرى نجد والحجاز ، قامت قوات عبد العزيز بن محمد بن سعود في سنة 1801 بنهب مدينة كربلاء المقدسة، ودنسو مسجد الإمام الحسين بن علي وهدم قبره وقتل الآلاف من الشيعة بينهم نساء وأطفال. وادى ذلك العنف الى رواج صيت الوحشية لآل سعود فأصاب سكان مكة المكرمة الذعر واستسلموا دون قتال – مما اعطى الوهابيين نصر حافل بالتهكمات وعربدة حقيقية في تدمير المواقع التاريخية والمساجد ومقابر الأولياء وشخصيات رموز الاسلام. وبالرغم من قتل الشيعة في نفس العام لعبد العزيز بن محمد بن سعود انتقاما لحادثة كربلاء الا ان ابنه واصل الفتح السعودي وقام بابتلاع أجزاء كبيرة من الإمبراطورية العثمانية بما فيها المدينة المنورة سنة 1804. وبالنظر إلى حالة الفوضى التي سادة المسلمون في سنة 1812، قرر السلطان العثماني محمود الثاني إرسال الجيش المصري المعزز من قبائل معادية للعرب الوهابية لاستعادة الأراضي المفقودة. وبعد عامين من القتال استعاد العثمانيين السيطرة على مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة مرة ثانية. وتدافع المصريون الى غنيمتهم وتم اهلاك الوهابية في نهاية المطاف على انقاض عاصمتها الدرعية والقبض على الأمير عبد الله بن سعود وقطع رأسه جراء تدنيسه للأماكن المقدسة.
الدولة السعودية الأولى لم تعد موجودة

في أوائل القرن العشرين تحت مسمى الاخوان والتي تعتبر ميليشية وهابية تم تجنيدها في أوساط القبائل البدوية المستقرة للتخلص من الاضطرابات وكسب الولاء والتي من خلالها استطاع بن سعود إحياء الحلم السعودي من جديد، وفتح شبه الجزيرة العربية واسترجاع الرياض سنة 1902 ومنطقة الأحساء سنة 1913. وكان لمشاركة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى الفضل لإتاحة الفرصة امام ال سعود لبسط نفوذهم والسيطرة على مكة المكرمة سنة 1924 ومن ثم المدينة المنورة سنة 1925. فالمناهج الدموية للجماعات الإرهابية الحالية مثل بوكو حرام وداعش ليست سوى استنساخ لمناهج الإخوان وأتباعهم المتوارثة للعنف والتعصب أصحاب ثقافة إما ان تتبعنا او الموت. فقد أدت مقاومة سكان مدينة الطائف، والتي تقع على مقربة من مكة المكرمة، إلى نهب المدينة وقتل ثلاث مئة رجل بالغ واستعباد النساء وأطفالهن عام 1924. وبعدئذ في 22 من سبتمبر 1932 وعلى أنقاض الإمبراطورية العثمانية أعلن ابن سعود قيام المملكة العربية السعودية. والتي تتكون أساسا من مساحات شاسعة صحراوية قاحلة يسودها البئس الذي لم يدوم طويلا بفضل اكتشاف حقولها النفطية الهائلة بعد عام واحد. بذلك وصلت المملكة العربية السعودية الى رتبة أهلتها لتكون احدى اهم الدول في العالم. ومن حينها اصحبت الوهابية بتلك الأموال الهائلة في مراكز النقاش حول الإسلام.

التعارض بين الوهابية والأماكن التاريخية التذكارية

وبحسب ما جاء به محمد بن عبد الوهاب، فإنه يجب تنقيت العالم الإسلامي من القبور والآثار والمقدسات والتي قد تؤدي على هذا النحو الى “تأليه البشر”، والمتمثلة بالشرك الأصغر. أما بالنسبة للحجاج الذين يفدون إلى الأماكن المقدسة في الإسلام، فهم في عينيه “كفار”. فالعقيدة المبنية على ثنائية التكفير وتدمير أماكن الحج تمثل محور التزمت الوهابي. كما ان القبر الأول الذي اختاره ابن عبد الوهاب نفسه لهدمه كان قبر زيد بن الخطاب، من صحابة محمد وهو شقيق الخليفة الثاني عمر. ارد ابن عبد الوهاب بهذا الخيار القصد بأن جميع أماكن الحج في الإسلام يجب ان تحطم، وليس فقط ما يخص الشيعة أو الصوفية من أماكن مقدسة.

بعد السيطرة الثانية على مكة المكرمة والمدينة المنورة، تقدم السعوديين في عمليات الهدم بصورة محدودة وذلك ربما بسبب وضعهم الجديد كحماة للأماكن المركزية في الإسلام, لكن العقدين الماضيين شهدا وتيرة هدم متسارعة.
المملكة العربية السعودية وتحول الأرض التاريخية إلى مجمع فنادق ميجا كومبليكس
التدمير المستمر للأروقة العثمانية، مكة المكرمة، 2014

منذ عام 1985 اختفت حوالي 98٪ من المواقع الدينية والمباني التي يبلغ عمرها لألاف السنين من المملكة العربية السعودية. ففي عام 2014، تم إزالة الأروقة العثمانية المحيطة بالكعبة المشرفة على مدى قرون، ظاهريا للسماح لتوسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة. اما سابقا فقد هدم منزل عم محمد، الحمزة، لتأمين الطريق الى فندق. اما بيت خديجة زوجت محمد الأولى فهدم لأنشاء المراحيض العامة مكانه ، اما منزل أبو بكر الخليفة الأول للأسلام بعد محمد فهدم ليحل محله فندق هيلتون المحاط ببرغر كينغ. أما قلعة آل أجياد العثمانية والتي بنيت في عام 1780 لحماية المدينة والمزارات المقدسة فقد هدمت ليحل محلها اليوم فندق برج ساعة مكة الملكي المطل على الكعبة الشرفة. وقد ادانت تركيا هذا الفعل ووصفته بـ “العمل الهمجي” و “المذبحة الثقافية”.