ثورةُ الحرية والمولدُ الشريف
بقلم / عبد الرحمن مراد
قد يكونُ التزامُنُ هذا العام بين المولد النبوي الشريف وبين ثورة 14 أُكتوبر محضَ صدفة زمنية، لكنها صدفةٌ جاءت وفق مقادير الله وتقديراته للبشر، فالعنايةُ الإلهية ما تزال تحوطُ البشرَ منذ هبط آدم إلى الأرض.
اليوم نحتفلُ في اليمن بعيد الحرية الاستقلال وتحتفل البشرية جمعاء بمولد رسول الحرية والاستقلال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وربما شهد العالم من حولنا تظاهراتٍ احتفاليةً بالمولد، لكنها في ربوع اليمن تتمايزُ عن غيرها من البلدان؛ لأَنَّ اليمن تحتفلُ بالحرية والاستقلال وَرفض العبودية والخضوع والظلم والاستبداد والطغيان، فقد انتصرت لمفرداتِ الحرية والاستقلال والحق والعدل والسلام قديمًا، وما زالت تبذل الدماء راضيةً دون كلل أَو ملل حديثًا.
لا تكاد تجد في كتب الأخبار والتاريخ القديمة شيئاً يومئ ولو من بعيد عن رضا أهل اليمن للعبودية، بل تحدث في صفحاته وفي السير عن قوم يعشقون الحقَّ والعدل والحرية، وتحدث عن أول شهيدَين في الإسلام بذلا نفسَيهما في سبيل الدعوة الإسلامية؛ لما تحمله من عدل وَمساواة وَحرية، فالقضية عند أهل اليمن قضية مبدأ، ولذلك رفضوا الظلم الذي وقع على الرسول الأكرم وأصحابه بمكة فذهبوا إليه وبايعوه على السمع والطاعة، وحملت سيوفُهم الرايةَ الإسلامية إلى كُـلّ أصقاع الأرض.
وليس بمستغرَبٍ أن ينتفض اليوم أهلنا أهل الغيرة والشهامة في الجنوب بعد أن تبين لهم أن الذي يجري في الجنوب ليس إلَّا احتلالًا جاء إليهم بعباءة عربية، وقد استبانوا الرُّشدَ بعد أن أعلنت بريطانيا عن وجودها في المهرة، وها هي أمريكا تعلن عن وجودها في حضرموت وانتشرت وحداتُها العسكرية في شوارع المدن تحسبًا -كما يقولون- لأية عمليات إرهابية تخل بالأمن، اتضحت الصورة اليوم لكل أهلنا في الجنوب؛ ولذلك رأينا مبدأ الحرية والاستقلال استيقظ في شبوة، وانتفض الشارع الجنوبي رفضًا للذل والجوع والاستعمار والعبودية وبحثاً عن الحرية والاستقلال ولقمة العبش الكريمة.
وربما كان التزامُنُ بين المولد وبين عيد الاستقلال في الجنوب رابطًا عضويًّا؛ كي يعيدَ الأشياءَ إلى نسقها، فالحرية ترتبط ارتباطًا عضويًّا بالرسول الأكرم، فهو أولُ مَن نادى برفض العبودية وقال بالحق والعدل والسلام، ولذلك فهو يشكّل لنا عنصرَ توحد وَحالة جامعة تقودنا إلى أن نستعيدَ كرامتنا المهدورة وحقنا المستلب.
ارتبط أهلُ اليمن والعرب بالإسلام ارتباطًا وثيقًا، من حَيثُ العزة والكرامة والحرية والاستقلال، فالاحتلال القديم للعرب من قبل الحضارتين القديمتين للرومان والفرس تحول إلى نقيض له، شعورًا بالقيمة والإيمَان الذي ملأ النفوس يقينًا، ولذلك قال قائلهم: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بدونه أذلنا الله”، والعبر في التاريخ العربي تؤيد هذا المبدأ من القول، إذ حين ارتبطنا بهذا الدين وبرسوله الأكرم رفرفت رايةُ الإسلام على بلدان الحضارات الفارسية والرومانية، وبمُجَـرّد أن تخلينا عن الإسلام وعن رسوله رفرفت راياتُ الرومان على بلداننا، وما زال يعملُ على تمزيقنا وفصلنا عن الرسول، من خلال ما يقوم من حركة تشويه للإسلام ولرسوله الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
اليوم أصبح الواقع مقروءًا بعد تضحيات جسام بذلها أهلُ اليمن، ولم يستطع العدوُّ أن يخفيَ مطامعَه بعد أن كشف الصمودُ الأُسطوري لليمن قناعَ المستعمِر، وها هي الأرض تضطربُ من تحت قدمه، وفي المولد حالة توحُّد تعيدُنا إلى نسقنا الطبيعي إذَا ابتغينا العزة والكرامة والحرية والاستقلال.