النهمي … سطور من نور
(في الذكرى الأولى لرحيله )
د || عبدالله القليصي
في صيف سنة 2018 إلى منتهاها مرت على مدينة الحديدة أحداث رهيبة؛ من حصار شديد ونزوح جماعي لأهلها إلا أقلهم ومن تطويقها للسيطرة عليها من قوى الارتزاق وتحالف العدوان … كانت معارك شديدة تدور على أطرافها ومداخلها .. كنا نسمع دوي الانفجارات وتبادل إطلاق الأسلحة الخفيفة والثقيلة …
كانت هناك مجاميع بشرية تتوافد على مدينة الحديدة من جنود وقوى وطنية لمساندة الجيش واللجان الشعبية وإعلاميين وثقافيين وأكاديميين من جامعات مختلفة وهيئات ومؤسسات ثقافية وقامات وطنية وقيادات سياسية
ومؤسسات الوعظ والإرشاد والتوجيه المعنوي والرفد الشعبي.
رمت المحافظات اليمنية بفلذات أكبادها من صنعاء وذمار وإب والبيضاء وساهمت بعض المحافظات بقافلات مالية وغذائية …
كان الوطن بكل فئاته يدافع عن مدينة الحديدة ..
فجأة وبينا كنت في أحد الجوامع الكبيرة بالحديدة وإذا بي أفاجأ بشخص يربت على كتفي وإذا بي ألتفت إلى ورائي وكانت فرحتي لا توصف عندما رأيت أخي وصديقي المجاهد د. النهمي. عانقته بحرارة، وجلسنا نستمع إلى خطبة الجمعة ألقاها آنذاك مشرف المحافظة النعمي.
ثم شاركنا سوية في بعض الوقفات الاحتجاجية؛ كانوا يأتون إلى الحديدة ليشاركوا أبناء الحديدة ألامهم وهمومهم وليشاركوا في معركة اليمن الكبرى على أرض تهامة ويشاركوا في معركة الوعي والنضال الوطني .. استمعت حينذاك إلى بعض الندوات والأمسيات التي شارك فيها ثقافيو صنعاء وذمار والبيضاء ومحافظات أخرى وسياسيوها وأكاديميوها ومرشدوها ووعاظها..
كم كنت أتمنى أن يشهد معنا أخي د. النهمي فصول معركة التحرر الوطني الأخيرة من الهيمنة الاجنبية والتدخل السعودي السافر في شؤونها.
وكم كنت أتمنى أن يشهد معنا انتصارات الجيش واللجان الشعبية الباهرة.
فقد كان مجاهدا من الطراز الأول بالفعل والقول وبالكلمة وبالمواقف العظيمة والنبيلة .. رحم الله المجاهد د. النهمي فقد قضى نحبه وكان من المؤمنين الصادقين الثابتين القلائل الذين اسهموا في معركة الوعي والفكر والنضال الوطني وسطروا أروع الصفحات.
أيها المجاهد أحمد:
لن ينسى قراؤك ومحبوك أنك كتبت للوطن وشاركت في معاركه المصيرية بقصائد من نور: كتبت عن الشهيد والشهداء؛ كتبت عن صنعاء وقد شكت حالها من قصف تحالف البغي والعدوان؛ كتبت تشيد بالشهداء الأحرار؛ كتبت عن عيد الفوارس الثوار:
وفوارسٍ يستمطرون الرِّيحَ أُغْنِيَةً بِلونِ الرَّاحِ
يُنْشِدُهَا المكَارِبَةُ العِّظَامْ
ركِبُوا عِتاقَ الخَيْلِ ، يَقتدحُونَ لِلْسَّارِيْنَ مِنْ دَمِهَا رُؤَىً خُضْرَاً
وَملحمة تُصانُ بِها المحارمُ والذِّمامْ.
كُتَلاً من الفولاذِ، يَسْتَسْقونَ حادي الرَّكْبِ من (هَمْدانَ) قافيةً مبشرةً
ومن (عَطَّانَ) فلسفةَ التَّحدي والصِّمودْ.
وَإلى الحدود تَسَابَقُوا كَالجنِّ
يجترحونَ في الصَّحْرَاءِ مَلْحَمَةَ مزلزلة تجاوزتْ الحدودْ
مَرُّوا كراما من شِقُوقِ الوقتِ ، والتَحَمُوا بأخْيِلَةِ الجِدُودْ.
آنَ الأَوَانُ الآن يا همدانُ
صَوْنُ العِرْضِ معقودٌ على رَأْسِ الأَسِنَّةِ والرِّماح.
آنَ الأَوَانُ الآن
حِلْفُ قُرَيْش قد أمضى مؤامرةً بِجُنْحِ الليلِ
أن يَغتالَ سَيِّدةَ المدائنِ قبلَ أنْ تَصْحُو مآذنُها
وتغرقَ في لياليها المليحةْ.
آنَ الأوانُ الآن
يا أرضُ ابْلَعِي نُوْقَ الخليجِ، ويا خيولَ الله في سبأ الجريحةْ
شدي يمين الريح ، واخْتَطِفِي على عينِ العيونِ الزُّرْقِ
أرواحَ الدَّوابِ الجُرْبِ والحُمُرِ الكَسِيْحةْ.
إنَّ الدمَ اليمنيِّ
ألسنةٌ من النيرانِ تَغْلِي في جَوَانِحِنَا كَنِيْرانِ القِيَامَةْ.
إنَّ الدَّمَ اليَمَنِيِّ جرحٌ في الكرامةِ
والكرامةُ لا تُضَمِّدُها حقولُ النَّفْطِ قاطبةً إذا جُرِحَت
وهلْ يرضَى بِغَيْرِ الثَّأْرِ بركانِ المروءة والشهامة والكَرَامة