الخبر وما وراء الخبر

خطة أمريكية قاصرة للسلام بلباس أممي .. ليندركينج يأكل الثوم بفم غريفث

19

تقرير ||إبراهيم الوادعي||

أزاحت الأمم المتحدة الستار عن مكنون خطة لبناء السلام في اليمن ووقف القتال، بعد عام ونصف من العمل عليها بين الأطراف وفق ما تحدث به المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفث والذي زار العاصمة صنعاء بعد ما يقرب من عام من القطيعة، دعته خلالها صنعاء إلى إثبات حسن نيته كوسيط جدي للسلام بدلا عن إضاعة الوقت لصالح أجندة التحالف وخاصة على الصعيد الإنساني، حيث يمنع التحالف منذ ما يزيد عن عام دخول سفن الوقت ويفرض مزيدا من القيود على دخول السلع الأساسية إلى ميناء الحديدة، في الوقت الذي دخل فيه مطار صنعاء عامه الخامس في ظل إغلاق تام.

غريفث التقى لدى وصوله صنعاء السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وقال خلال مؤتمر صحفي عقده لدى مغادرته العاصمة صنعاء الاثنين إنه سمع منه أفكارا حول وقف إطلاق النار سينقلها إلى الأطراف الأخرى دون أن يفصح عن محتوى هذه الأفكار.

الخطة الأممية تقوم على وقف شامل لإطلاق النار في عموم اليمن بما في ذلك مأرب وهي النقطة التي تشكل ضغطا على التحالف بعد اقتراب الجيش اللجان الشعبية من مدينة مأرب أخر معاقله وخطورة الوضع هناك.

البند الثاني: فتح مطار صنعاء وإعادة تشغيل الرحلات الجوية التجارية، مطار صنعاء مغلق منذ أغسطس 2016م بشكل كامل، وخلال العام الأول من العدوان أبقى التحالف على رحلات محدودة إلى القاهرة وعمان الأردن شريطة توقفها للتفتيش بمطار بيشه حيث كان المسافرون يتعرضون للإذلال والتوقف لسعات طويلة دون خدمات في المطار وجلهم مرضى وكبار سن، استدعى الوضع الصحي المنهار نتيجة العدوان والحصار وعقود سابقة من التهميش وضعف البنية التحتية سفرهم إلى الخارج رغم القيود.

البند الثالث: إلغاء القيود على وصول السلع الأساسية والوقود إلى ميناء الحديدة، تحالف العدوان يرفض منذ عام إدخال الوقود بشكل كامل، ما يتسبب بمضاعفة الأزمة الإنسانية رغم خضوع السفن المحملة بالوقود لإجراءات الأمم المتحدة التفتيشية في جيبوتي، بعض السفن مر عليها أكثر من عام في الحجز قبالة ميناء جيزان.

البند الرابع: ضمان حرية التنقل للأشخاص والبضائع والوقود وحق الوصول إلى جميع المناطق دون الخضوع للاعتبارات السياسية.

البنود أعلاه جميعها مطالب جرى رفعها من قبل صنعاء منذ بداية العدوان بالدعوة إلى تحييد القضايا الإنسانية عن الصراع، وهو مالم تكن تنصت له السعودية بتشجيع من الولايات المتحدة يوم كانت قواتها وقوات العملاء تهدد العاصمة صنعاء من مناطق سيطرتها في مديرية نهم المحاددة للعاصمة صنعاء من الجهة الشمالية الشرقية.

التحرك الأممي المحموم اخيرا له اسبابه وهو اتى بعد عملية عسكرية وسعه نفذتها صنعاء استطاعت من خلالها قلب معادلة الميدان في غضون ايام، تلاحقت بعدها الاحداث خلال عام 2020م والذي كان سيئا للغاية بالنسبة إلى التحالف خسر خلاله الجوف وخسرت القاعدة وداعش معاقلها في البيضاء، وانتقل التهديد إلى مدينة مأرب التي تقبع قاب قوسين او أدنى من السقوط، حيث يستميت طيران التحالف في الدفاع عن المدينة بشكل لم تعهده الحروب سابقا، ويخرج عن مهمات الطائرات الحربية المقاتلة إلى ملاحقة الافراد والدراجات النارية والمشاركة في الاشتباك القريب.

براي متابعين فإن الوضع الميداني الناشئ هو ما استدعى من واشنطن تعيين مبعوث امريكي إلى اليمن لمحاولة الكسب في ميدان السياسة بعد خسارة ميدان الحرب، ومنذ تعيين تيموثي ليندركينغ، اضحى الأمريكيون في الواجهة الدبلوماسية وجرى اقصاء الطرف البريطاني الذي كان يتولى غمار الميدان السياسي في الحرب على اليمن، وبشكل أكثر وضوحا في العامين الاخيرين.

الخطة الأممية في بنودها خطة أمريكية، وتقوم على الربط بين وقف إطلاق النار والقضايا الإنسانية الملحة للشعب اليمني وحقوقه الإنسانية المشروعة، وهذا الربط في جوهره ترفضه صنعاء انطلاقا من ثقتها بأن الولايات المتحدة مجبرة على الذهاب اليوم إلى وقف إطلاق نار شامل لمحاولة انقاذ حلفائها في الميدان، وتهدئة المنطقة في إطار سياسة أمريكية تهدف إلى التفرغ لمواجهة الخطر الصيني المتنامي، وعند زوال الضغوط الدولية والإقليمية يتعمد إلى نقض الاتفاق بكل سهولة – نقض الاتفاق النووي مع إيران شاهد حي على السياسة والطبيعة الأمريكية – ولذا لا يمكن لصنعاء أن تذهب إلى اتفاق هش يقول مسئولوها هدفه فقط رفع حبل المشنقة عن حلفائها السعوديين في مأرب.

ليندركينغ لا يكاد يغادر مسقط والدوائر الدبلوماسية الأمريكية لا تكف الحديث عن مأرب ويشمل ذلك اختلاق وقائع إنسانية لتضليل العالم وفرض مزيد من الضغوط على طرف أنصار الله والمجلس السياسي الأعلى للرضوخ ووقف إطلاق النار في مأرب، وبحسب مصادر مطلعة فإن الأمريكيين حاضرون لتقديم مزيد من التنازلات مقابل وقف صنعاء معركة مأرب.

وفي هذا السياق يقول متابعون للشأن اليمني أن معركة مأرب هي نقطة فاصلة في الحرب على اليمن منذ 6 سنوات، وتعني هزيمة الطرف الذي يخسرها، وواشنطن تسعى لمنع حدوث هذا الأمر بكل الطرق، بما في ذلك بقاء موفدها ليندركينغ بشكل شبه دائم في مسقط والمنطقة، ويتفاوضون بشكل غير مباشر مع موفد صنعاء محمد عبد السلام الذي يقيم في مسقط منذ سنوات ويعجز عن العودة إلى بلده بسبب الحصار.

ويضيف هؤلاء: الاتجاه العام هو لوقف إطلاق النار، الأمريكيون ومعهم السعوديون وصلوا إلى قناعة باستحالة كسب المعركة عسكرية، لكن الأمريكيون يسعون لتفادي قدر أكبر من الخسارة أمام أنصار الله، بعد أن ثبت طوال جولات التفاوض أنهم طرف لا يخدع بسهولة، ومن شأن هزيمة واضحة أن توثر ليس فقط على وضع السعودية الإقليمي واستقرار “إسرائيل” التي تجهد لجر واشنطن إلى مواجهة أكبر في المنقطة ضد إيران بغية خلط الأوراق وبقاء الحضور الأمريكي فاعلا وكبيرا في المنطقة.

بحسب معطيات الساعة لا يبدوا أن الحرب في اليمن ستشهد وقفا لإطلاق النار قريبا، أفكار جديدة حملها غريفث معه من صنعاء إلى الأمريكيين والسعوديين، وتنتظر صنعاء ردا في المقابل، في مجملها أن صنعاء وإن كانت أظهرت مرونة في التراجع عن اشتراطها وقف الحرب رسميا ورفع الحصار كلية إلى القبول بوقف إطلاق النار ورفع للقيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة ومن ثم الخوض في عملية سياسية للوصول إلى إعلان نهاية الحرب رسميا ورفع الحصار، فهي قد أظهرت مزيدا من التصلب في ضرورة فصل المسارين السياسي والعسكري عن الملف الإنساني، ولا يبدوا أنها في وارد إضاعة الفرصة والوصول إلى نقطة فاصلة في الحرب بالمضي إلى النهاية في معركة مأرب رغم الضغوط الكبيرة، والاستماتة الأمريكية والسعودية عسكريا هناك.

ما يبعث على التفاؤل بشأن مفاوضات مسقط وجود أطراف الحرب الحقيقين هناك وحاضرون على الطاولة، وتغييب جميع الكروت والأقنعة المستعارة من قبل واشنطن والرياض وأبوظبي، أمثال هادي وحكومته والانتقالي وأحزمته وطارق عفاش وخليطه.

وليس معلوما إن كان الوسيط العماني سيجد حلا للعقد التي لاتزال قائمة، كما نجح على مدى عام في تصغير الهوة بين الأطراف – صنعاء والأمريكيين والسعوديين – عبر المفاوضات غير المباشرة، أم أن كلمة الفصل ستبقى للميدان وتبقى الانظار شاخصة نحو نتائج معركة مأرب ليرضخ الطرف الأمريكي والسعودي ويقرون بالحقوق الإنسانية للشعب اليمني دون جعلها محلا للابتزاز السياسي كما يفعلون اليوم.

صنعاء في موقف أقوى تفاوضيا وعسكريا، يقر متابعون للشأن اليمني بما فيهم الأمريكيون أنفسهم، وما يفعله الأمريكيون في مسقط يطيل أمد معاناة الشعب اليمني ومعاناة حليفهم السعودي أيضا والذي يعاني سياسيا جراء الخلافات العاصفة بين الأسرة المالكة وفي مفاصل المجتمع السعودي نتيجة التحولات غير المدروسة، واقتصاديا جراء نفقات الحرب الباهظة، وجيواستراتيجي نتيجة خسارة اليمن كحديقة خلفية في السابق وحليف حالي عقب شن الحرب دون دراسة للمعطيات التاريخية والجغرافية والديموغرافية في اليمن، مؤملا عبر خطة قصف مكثف وحصار مطبق الوصول إلى صنعاء في غضون أسبوعين، لتنقضي ست سنوات ويفيق العالم على مشهد خسارته 150 كيلو مترا دفعة واحدة من الأراضي في حدوده الجنوبية إثر هجوم واسع للجيش واللجان الشعبية اليمنية في جيزان، وعزز ذلك الصورة لدى العالم، إلى أي مدى أضرت الحرب في اليمن بصورة المملكة السعودية الردعية ومكانتها الإقليمية، وصبت مزيدا من الغموض حول مستقبلها السياسي.

الأمريكيون متلهفون لوقف إطلاق النار على خلفية الوضع الخطير لعملائهم في مأرب لكنهم يلعبون في الوقت الحرج والوقت يضيق أمامهم فالضغط على مأرب يزداد ولا يمكن لعملائهم الصمود طويلا، ولذا طار المبعوث الأمريكي ليندركينغ من مسقط إلى عمان للقاء غريفث بٌعيد عودته من صنعاء للاستماع إلى رد القيادة السياسية في صنعاء والأفكار التي حملها من السيد عبد الملك لإنجاح جهود السلام، والوقوف على قراءة “غرفة الموكا ” غرفة استخبارات إقليمية أمريكية وغربية بمشاركة صهيونية وخليجية لإدارة الصراع في منطقة الشرق الأوسط – للوضع في صنعاء في ضوء زيارة غريفث.

لا يعلم أي أفكار جديدة يحملها الوفد السلطاني العماني إلى صنعاء أو ما يمكن أن يبتدعه الوسيط العمانيون لحلحلة التعقيدات لجعل خطة الأمم المتحدة قابلة للتطبيق والاستدامة، لكن دون تضمينها إعلانا واضحا ومزمنا عن إنهاء الحرب من قبل الدول التي باشرت القصف الجوي مساء 26 مارس 2015م فإن خطة غريفث آيلة للسقوط ولا تتوافر لها ضمانات تقول صنعاء، والشواهد في نقض الأمريكيين للاتفاقات والالتفاف عليها لا حصر لها متى وجدو مصلحة في استعادة القتال، واليمن ليس استثناء في القاموس الأخلاقي الأسود لأمريكا.