وعينا سلاحنا.
بقلم || رويدا البعداني
هاهي آخر أوراق شهر نيسان تتساقط ؛ وأوراق شهر آيار تُزهر، هكذا يعلن تقويمنا الصامت في إحدى زوايا الغرفة لمنزلٍ شاخ وهو في عز صباه، لكنه يقف عاجزًا عن إخباري ما هو اللغز الفكري الذي لعثم المجتمعات وجعلها تعيش كمد عمرها في قارورة مغلقة؟!
تُرى هل يستطيع بيتي الروحي، تحديد موعد للُمناقشة أو الكشف عن الماهية السببية؛ ولو لهُنيهات؛ عن مدى العبث الذي وصل بجذوره إلى قريتنا الطيبة!!
وكم أخاف نبوءتي إن اكتفت بالمراقبة من بعيد، كقمر متوهج يرى الكون كبيرا، وهم يرونه مكتملا في نصف يوم فقط، بينما الحقيقة هي أن لي تفسيرا مطمورا بالواقع، وملتصقا بأحداث الحياة عن قرب فظيع؛ لكني سئمت عراكتنا النفسية، أطوارنا الفكرية الخارجة عن صور التعايش، بل صرت أجيدُ الصمت كعجوز تشبعت من الحياة ومن كل شيء؛ عدا من عكازتها الهشة.
بتنا نمضي ونتوق للعيش الهنيء، وعبثا كان حلمنا، عبثا كان ركضنا، إنه مازال هو في نفس المكان، شكله، لونه، عمره، وشحوبه لم يتغير، بيد أن تجاعيده من الجهة اليمنى تراكمت قليلا، استقوت عليه أحداث خفية كان لها حظا وافرا من روح العقيدة الضريرة .
إن مانراه اليوم في شوراعنا الإسلامية، وفي أرواحنا العبيرية، يزيدنا عزوفا عن الحياة، وإنه ليس بمحض الصدف، بل ينم عن وجود وحش كاسر، يتربص بجيل اليوم، غازيا لشبابنا القادمين باسم الحضارة والتحضر، فبات الأغلب يعيش على الفتات الغربي، أصبحنا غربيين من الطراز الأول بامتياز! لكننا في الحقيقة نعيش الخواء الفكري الثقافي. في مثل هذه الظواهر تبرز الحاجة للفكر والثقافة والهُوية؛ كونها تؤثر في صلب الحاضر والمستقبل.
حيث سهلت ثورة الإنترنت والهواتف الذكية، والقنوات الفضائية، ومثيلاتها على اكتمال هذا المفهوم وترسيخه في ذهن العالم العربي الإسلامي. نعم، هكذا تأسست الحرب الناعمة وتجذرت في كل أحوالنا المكانية والزمانية.
لقد اختلفت أدوات الحروب بين الشعوب ودخلت أسلحة جديدة على ساحات الوغى؛ منها ماهو مرئي والغالب منها خفي ناعم يتمثل بالمغريات الصادّة عن التعلم والتعليم ودس السم بالعسل.
لقد تسرب ذلك التلوث الفكري وغزا عالمنا ببطء وبذكاء وبدهاء. حتى أطفالنا أصبحت عقولهم أصناما لا حراك لها أمام الأفلام الكرتونية، التي تصور الدِّين عائقًا وحجر عثرةٍ أمام التطور والتقدم؛ وربط التطور والتقدم بالانحلال والتخلص من القيم والمبادئ وهذه نظرية تدحضها تجارب الشعوب وثقافاتها عبر التاريخ.
إن التركيز على تشويه الإسلام بصورٍ مبتكرة مدعومة من قوى خفيةٍ ناعمة تتمثل تارةً بتياراتٍ متشددةٍ تُقصي الآخر ولاتعترف بوجوده. وتارةً أخرى بتياراتٍ لينةٍ لاتثبت على مبدأ، مقابل الاحتفاظ بسلطتها ومركزيتها. هذا كله يصب في صالح من يريد لهذه الأمة الهلاك والاندثار والتبعية إلى الأبد. ورضي الله عن سيدنا علي بن أبي طالب حيث يقول: لاتكن قاسيًا فتُكسر ولاتكن ليّنًا فتُعصر.
نحن اليوم نمر بثورة فكرية عارمة، مثل السيل الذي يجرف كل الأوساخ ويقذف بها حيث لاقرار، وحيث تاهت تلك الحرب اللعينة التي غزت عقولنا لعقود.
ولكن، هيهات هيهات؛ سنقارع براثن هذه الحرب الضروس لآخر رمق صامد فينا؛ بالتناصح فيما بيننا، ونشر الوعي لكل أصقاعنا الزمانية والمكانية، سننتصر بثقافتنا القرآنية، وحجتنا الرشيدة، وذخيرتنا الإيمانية، فبسلاح الوعي سنتغلب على الغزو الفكري، ونستسيغ الحياة من جديد وكما قال محمود درويش (( ولكننا سنحيا؛ لأن الحياة حياة )) إذن وجب علينا أن نحيا رغمًا عنهم.