الخبر وما وراء الخبر

مشاعر الرياء… التشخيص والمعالجة

22

من دروس من هدي القرآن الكريم، يبين الشهيد القائد/ السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” في درس (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الأول) أن ما يفرق بين الناس إلا مشاعر الرياء، حيث يقول:

“…فما يفرق بين الناس إلا هذه المشاعر مشاعر الرياء.

[أنا تحركت فلم يقدروا جهودي، هؤلاء لا يصلحوا]. فتذهب من عندهم, والآخر يذهب, والآخرون يذهبون من عندك، وهكذا”.

ويضيف بالقول:

“إنما أحيانا لا تسير مجموعة مكونة من عشرة أشخاص إذا كان داخلها من له رؤى أخرى يعمل على بناء شخصيته ـ كما يقولون ـ أن يكون هو مفكراً، أن يكون له حق التفكير، وحق إبداء الرأي، أن يكون هو الذي له حق أن يجتهد، وله حق أن ينظر، وله حق … وله حق … إلى آخره.

يملأ رأسه بالحقوق الشخصية له، وحينئذ فأي جانب من التوجيهات هي من داخل القرآن الكريم سيعمل على أن يدفعها.

فإذا كان زميله هذا أو ذلك ممن يمكن أن يقبل ذلك التوجيه من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ليس لهم هناك قائمة للحقوق الشخصية داخل نفوسهم فإنه وهم لن ينسجموا … بل ستكون حركته في الساحة مختلفة عن حركتهم، وسيعمل على أن يصنع في الساحة نسخا من نوعيته في الناس، وهذا هو نفسه من أهم بواعث التفرق، ذلك التفرق الذي يصبغ كل طرف فيه ما هو عليه بصبغته الدينية فيضفي على تفرقه وخلافه صبغة دينية”.

خطورة الرياء:

وفيما يتعلق بخطورة الرياء، يؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في المحاضرة الرمضانية الثالثة عشره أن من أكبر مخاطر الرياء هو خسران العمل، إذ يقول:

“من أكبر مخاطر الرياء هو خسران العمل، خسران الجهود، فالله لن يقبل منك أي عمل: لا جهاد، ولا إنفاق، ولا صلاة، ولا أي عمل ترائي فيه.

أيضاً لن تحظى بالنتائج والآثار الإيجابية للعمل، ستخسر كل ذلك الذي كان الله سيعطيك في مقابل عملك في الدنيا والآخرة، وهي خسارة رهيبة جداً، وإذا حصلت على شيءٍ من الناس، فهو شيءٌ وهميٌ وزائلٌ وبسيط، ليس له أي قدر في مقابل ما خسرته من الله سبحانه وتعالى”.

ومن السلبيات الكبيرة للرياء هو الاداء السلبي في العمل، كما أن المقاصد الشخصية التي تنحرف بالعمل لوجه لله هي من أكبر وأخطر عمل الرياء، حيث يبين السيد القائد أن من السلبيات الكبيرة للرياء:

“هي السلبية في الأداء العملي، الذي أصبحت له مقاصد شخصية، سواءً في جهاده، أو في أعماله الأخرى، في الأعمال الدينية، فأداؤه يكون أداءً سلبياً، لا فاعلية فيه، لا جد فيه، مليء بالعقد، مليء بالسلبيات، مليء بالإشكاليات، كثير التذمر، كثير الاستياء، كثير العقد، ويحد من فاعليته، لن يعمل بجدية، وبراحة، وبتفاعل، وبجد، كثير التململ، ضعيف الجدية، وقد يصل إلى التوقف، قد يتوقف لأي عائق، لأي استفزاز، لأي إشكالية، وكأن عمله كان من أجل الناس، بمجرد أن استفزه أحدٌ منهم، أو أساء إليه، أو واجه معه إشكالية، أو حصل له أي عقده، فوراً يتوقف، كأن عمله كان للناس، وليس لله سبحانه وتعالى، هذا دليل على الرياء”.

ويجدد التأكيد أن:

“من أخطر أسباب الفرقة، والأنانية، وعدم الانسجام، والتعقد، في الأداء العملي. فعلاً الرياء خطير”.

ويضيف بالقول:

“الرياء ثم الرياء والمقاصد الشخصية هي التي تجعل الإنسان يقطع ما أمر الله به أن يوصل، يتجمد في مرحلة معينة عن الاستمرارية في العمل في طاعة الله، في الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، والإنسان هو الخاسر، في مثل هذه الحالة أنت الخاسر، لو تقرأ في القرآن الكريم ما وعد الله به من الأجر العظيم والفضل العظيم، وما توعد به، ستدرك خسارتك، ما توعد به المفرطين، المقصرين، العصاة، ستدرك خسارتك أنت”.

ومن أهم صفات المنافقين الرياء، يقول السيد القائد:

“يقول أيضاً عن واحدةٍ من صفات المنافقين البارزة، فيما يتظاهرون به من أعمال الخير: {يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء: من الآية142]، فمن أهم صفات المنافقين الرياء والعياذ بالله، ومن أكثر آفاتهم، وأخطر آفاتهم التي يعانون منها في دينهم: الرياء، فإن عملوا خيراً، فلهم مقاصد للرياء أمام الناس”.

الرياء والإخلاص:

الرياء والإخلاص قضايا متضادة كالداء والدواء، ويطرح الشهيد القائد التشخيص الناجع لهذه القضية، ويؤكد في درس (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الأول) أن الإخلاص لله هو صمام الأمان في ميادين العمل، حيث يقول:

“الإخلاص لله هو صمام الأمان في ميادين العمل أيضاً. إذا انطلق الناس وكلهم مخلصون لله سيخلصون في السر وفي العلن، وفي السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وسيخلص سواء هو أمام فلان أم ليس أمامه، سيخلص في أي عمل يقوم به سواء رآه أحد أم لم يره أحد، سيكونون هم مجموعة يحافظون على توحدهم على أرقى درجات ما يمكن أن يصل إليه الناس في توحدهم…”.

ويضيف بالقول:

“لكن إذا انطلق الناس من أجل الله فما الذي سيفرق بينهم حينئذ؟ سيكونون جميعاً نفسياً مهيئين لأن يقبلوا توجيها واحداً هو هدي الله؛ لأنه ليس في نفوسهم شيء آخر بديل، ليس لدينا مطامع شخصية, ولا مقاصد شخصية، لا مادية ولا معنوية, وبالتالي فما الذي يحول بيني وبين أن أقبل هديا واحدا من جانب الله، أسير عليه أنا والآلاف من زملائي؟”.

ويؤكد بالقول:

“الناس إذا ذابوا في الله سبحانه وتعالى قبلوا جميعا كلمته الواحدة، هديه الواحد.. ألم نقل أمس في المحاضرة أن هناك نموذج مهم لهذا الجانب هو أنبياء الله على اختلاف أزمنتهم ، وأمكنتهم ، تلمس فيهم روحية واحدة ، وصفا واحدا، بل يعطون الموثق والشهادة لله، والعهد لله: أنه إن بعث الله محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يقفوا جنودا معه أن ينصروه، أليس هذا هو قمة الذوبان في الله؟ وهم أنبياء مكانتهم عالية.

ما الذي جعلهم على هذا النحو؟ إلغاء تلك القائمة الطويلة العريضة في نفوسهم: لي حق أن أكون كذا, ولي حق كذا .. ولماذا لم يعتدوا برأيي، ولي حق إبداء نظري ولي حق … ولي … الخ”.

ثمرات الإخلاص:

إن من أهم ثمرات الإخلاص قبول العمل الصالح والجهاد والعبادة اخلاصاً لله وفي سبيله، هو وأن يكتب الله عزَّ وجلّ لك أثر عملك في كل جوانب ومناحي حياتك في الدنيا والآخرة، ويبارك عملك، وستجد أن ما تعمله أصبح مثمراً وفاعلاً، والفاعلية في العمل والجد في العمل هو من ثمرات الإخلاص، وكذلك فإن من ثمرات الإخلاص لله هو الحفاظ على التوحد بين الناس.

وفي هذا السياق، يؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بالقول:

“…فنجد من خلال هذه الآيات المباركة أن من أهم ثمرات الإخلاص لله هو: قبول العمل.

أن يقبل الله منك عملك، أن يتقبل منك عملك الصالح، يتقبل منك عبادتك، أن يتقبل منك جهادك، لا بدَّ من الإخلاص، وأن يكون لعملك قيمته في الأجر، والفضل، والقربة، وأثره في واقع هذه الحياة، وأن يكتب لك أثر عملك، الذي قد يبقى أحياناً على مدى أجيال، وكذلك في نتائج العمل وفي نموه، أن يبارك الله عملك وجهودك في أثرها في نفسك، وفي أثرها في الواقع، وأن يحقق لك النجاح الكبير، هذه قيمة مهمة للإخلاص، وعظيمة وأساسية.

ثانياً: الفاعلية في العمل: من أهم ثمرات ونتائج الإخلاص، أنك ستعمل بكل فاعلية، بكل جد، وفي كل الأحوال، في السر، والعلن، المرائي ينشط إذا كان أمام الناس، أو إذا كان يلحظ أن الناس يلهجون دائماً بالإشادة به، والحديث عنه؛ أما بمجرد أنه يلحظ أن الناس لم يتفاعلوا بالمديح والثناء والإشادة، أو لم يقدموا له ما يبتغيه منهم: منصب معين، مكانة معينة، رتبة معينة، عنوان معين، فهو سرعان ما يتحطم، ويتكاسل عن العمل، ويستاء من العمل، ويقول: هؤلاء لا يقدرون لي جهودي، ولا يهتمون بأعمالي، ولا يلحظون لي إنجازاتي؛ فيستاء.

لكن الذي مقصده الله، ومرضاة الله، وتوجهه نحو الله، وما يريده يريده من الله؛ سيكون نشيطاً في كل الأحوال، فاعلاً، ولو كان وحيداً في الصحراء، لا ينتظر من فلانٍ أن يراه، ولا من فلانٍ أن يقدر عمله، ولا من فلانٍ أن يشيد به، وإلا تكاسل وتخاذل، لا، هو ذلك الجاد والمهتم في كل الأحوال.

فمن أهم الثمرات العظيمة للإخلاص هو الفاعلية، والجد في العمل؛ لأنك تدرك أن الله يراك أينما كنت، ويقدر جهودك، ويعلم بأحوالك، وأنه لا أحد يقدر جهودك كالله سبحانه وتعالى، الذي يعلم حقيقة عنائك وجهدك، وقيمة عملك، هو جلَّ شأنه من يحيط بك، ويعلم بكل أحوالك، الناس لا يستطيعون حتى لو كان لديهم رغبة أن يهتموا بك، أن يشيدوا بك، أن يقدروا عملك، لن يحيطوا علما وخبراً بمقدار عنائك، بمقدار جدك، بمقدار اهتمامك، بمقدار إخلاصك، ثم مهما قدموا لك فهو لا شيء، في مقابل ما يقدمه الله سبحانه وتعالى، فالفاعلية في العمل، في السر والعلن، وفي كل الأحوال والظروف، والجد في العمل بشكلٍ مستمر هو من ثمرات الإخلاص.

من أهم أيضاً ثمرات الإخلاص هو: الحفاظ على التوحد، والإخاء، والتعاون، والألفة، فيما بين المؤمنين.

بإخلاصهم لله سبحانه وتعالى فهم لا يدخلون في إشكالية الأنانية، الأنانيات والمقاصد الشخصية مدمرة للأخوة؛ أما مع الإخلاص فلديهم القابلية أن يتحركوا جميعاً بكل تفاهم، بكل تآخٍ، بكل تعاون، بكل محبة، وكلٌ منهم ليس له مقصد شخصي من الآخر، ينتظره نحوه”.

نحتاج إلى الإخلاص الله:

يجدد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في المحاضرة الرمضانية الثالثة عشره التأكيد بالقول:

“في آخر المطاف يتضح لنا أننا من نحتاج إلى الإخلاص، الله سبحانه وتعالى عندما أمرنا بالإخلاص ليس من منطلق أنانية، هو الغني عنا وعن أعمالنا، لكن الإخلاص له قيمته، أثره، في أنفسنا، في أعمالنا، في حياتنا، في نجاحنا، ولذلك نعتبر هذا المقدار من هذه الآيات المباركة، والتذكير على ضوئها كافٍ في إدراك أهمية هذه المسألة.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم”.