الخبر وما وراء الخبر

مظاهر نعم الله المادية والمعنوية

56

نعمة العلامات والأوقات، التي نضبط بها علاقتنا مع الزمن، واستفادتنا من الزمن، نعمة علامات الشهور والسنين، وكذلك حتى علامات الاتجاهات، الله جعل لنا في السماء حتى علامات للاتجاهات، وهكذا.

نعم عظيمة: نعمة العدل، نعمة الأرض، وما هيَّأ الله فيها، وما هيأها عليه من الاستقرار لصالح هذا الإنسان، وهكذا نعمة الفواكه، نعمة الحبوب، النعم التي أنعم الله بها أيضاً علينا فيما يتوفر لحيواناتنا، التي نستفيد منها في هذه الحياة، وأيضاً نعمة الريحان، أشجار الزينة، والأشجار ذات الرائحة الزكية، الرائحة الطيبة.

ونلحظ في كل هذه النعم: أنها مظاهر نعم، ومظاهر جمال، كلٌّ منها حتى عندما نأتي إلى نعمة الفواكه، والأشجار، والريحان، الأشجار الكثيرة التي هي ذات منظر بهيج، وخلَّاب، ومبهج، يستمتع الإنسان بالنظر إليه، عندما يشاهد الإنسان مشاهد من هذه الأشجار المتنوعة المثمرة، وأشجار الزينة والورود والأزهار، كم يبتهج، كم يشعر بالارتياح والسعادة.

هذه النعم العظيمة جداً نعمٌ مرئيةٌ، مشاهدةٌ، كبيرةٌ، عظيمةٌ، لا يمكن للإنسان أن يجحدها، أو يكذِّب بها، أن يقول: [لا يوجد شيءٌ من هذه]، ونعمٌ أكبر منا، أعظم منا، الإنسان كائن بسيط صغير خلق الله له كل هذه النعم، وأسبغ عليه بهذه النعم.

الأثر الطبيعي للنعم عندما نستذكرها، وعندما حتى نستذكرها في مقامات التذكر والتأمل على نحوٍ أوسع وأفضل وأكثر وأعمق، الأثر الطبيعي هو: الانشداد إلى الله “سبحانه وتعالى”، المحبة لله “جلَّ شأنه”، الذي هو ولي كل هذه النعم، والتي هي برحمته وفضله وكرمه، وأن نتوجه بالشكر له على هذه النعم، وألَّا نقابل إنعامه علينا بالإساءة إليه، أو باستخدامها فيما هو معصيةٌ له، هذا هو الأثر الطبيعي؛ وبالتالي أن نستجيب له، وأن نسير على هداه، وأن تكون استجابتنا له على المستوى العملي ونحن نتحرك فيما يرضيه عنا، ونسعى لما يرضيه، أن تكون استجابةً برغبة، بمحبة، بتفاعلٍ إيجابي؛ لأن نعمه عظيمةٌ جداً علينا، ونحن إنما نتقلب فيها، إنما نتحرك فيها، هذا هو الأثر الطبيعي، الأثر السليم، الأثر الصحيح، والذي يغيب عنا، وعن مشاعرنا ووجداننا، وعن أعمالنا واهتماماتنا إلى حدٍ كبير، بسبب غفلتنا عن التذكر كما ينبغي لهذه النعم العظيمة، والتأمل فيها، وإلَّا فالنتيجة هي هذا التوجه بكل رغبة، بكل محبة فيما يرضي الله “سبحانه وتعالى” عنا.

الحالة السلبية والخطيرة جداً على الإنسان تجاه هذه النعم مع غفلته عن الله “سبحانه وتعالى”، وعن عظيم هذه النعم التي أسبغها عليه: هي حالة التكبر، حالة التكبر، عندما لا يكون للنعم أي تقديرٍ لديك، وكأنه ليس لله أي فضلٍ عليك، وكأنك أنت شخصياً الجدير بهذه النعم، وأن نعطاها بدون فضلٍ ولا منَّة، هذه حالة خطيرة جداً، وهذه النعم التي وردت هي نماذج عامة، وإلَّا فموقف الإنسان حتى تجاه بقية النعم المعنوية والمادية.

نعمة أن يهيئ الله لك في هذه الدنيا جاهاً، أو دوراً، أو موقعاً محترماً، أو أن يكون لك دورٌ عمليٌ مهمٌ وبارز، النعم الأخرى: أن تكون صاحب ثروة، وصاحب إمكانيات مادية… وهكذا بقية النعم، أن تكون صاحب علمٍ وذكاءٍ وفهمٍ، وتمتلك في القدرة البيانية والإعلامية أكثر من الكثير من الناس، الكثير من الناس يغتر ويتكبر؛ لأن البديل عن استذكار النعمة، واستشعار فضل الله عليك: هو أن تغتر بما وهبك الله من النعم، وأن تتكبر بها، وأن تكبر نفسك وتعظم نفسك بدلاً من أن تكبر فيك المحبة لله “سبحانه وتعالى”، وهذا ما يحصل للكثير من الناس تجاه ما يعطيهم الله من النعم، وما يهبهم من نعمه، فبدلاً من أن يستشعروا عظيم فضل الله عليهم، وأن ينشدوا إليه “سبحانه وتعالى” ويحبوه، فالنتيجة الأخرى والبديل الآخر: هو أن تعظم أنفسهم، وأن تكبر أنفسهم لديهم، وكأنَّ ما أعطاهم الله هو جدارة شخصية لديهم، وليس هبةً من الله، وفضلاً من الله عليهم يقترن به مسؤولية عليهم، كأنه مجرد جدارة شخصية، هذه الحالة تؤثِّر على نفسية الإنسان إلى حدٍ كبير،
المحاضرة الرمضانية السادسة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 06 رمضان 1442هـ