الخبر وما وراء الخبر

آلُ سعود.. بقيةُ الشيطان من المترفين

158

حمود عبدالله الأهنومي  

تمهيد

توقَّعَ عددٌ غيرُ قليلٍ من الأكاديميين والمحللين انهيارَ الممالك والمشيخات الخليجية في غضون السنوات المقبلة، ومن أولئك كريستوفر.م. ديفيدسون الذي غَاصَ في استنطاقِ الأسبابِ والعوامل المختلفة من نقاط الضعف الداخلية والضغوط الخارجية التي تشير إلى سير هذه الممالك نحو الانهيار في كتابه (ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية)، وهو الكتاب الذي شغل المحللين والكتاب في كبريات الصحف والمجلات العالمية تحليلاً ودعماً ومعارَضةً.

سأتحدث في هذه المقالة عن مفهوم قرآني للمترفين، وعن مآلاتهم، وهو ما ينطبق اليوم بصورة كبيرة على هذه الممالك التي عاثت في الأرض الفساد لا سيما بعد عدوانها على اليمن، وإكثارهم في أرضها الفساد.

نماذج تأريخية

سقطت دولةُ البطالمة خلفاء الإسكندر المقدوني على مصر والإسكندرية في يد الرومان؛ لأنهم لم يعودوا أهلاً للملك، حيث كان الترَفُ قد نخَرَ في عظام مملكتهم. وحين ماجت موجة التتار على العالم الإسلامي كان الخليفة العباسي مشغولا بملذاته وشهواته، تغنيه الجواري، وتضحكه القيان. ويعلل الدكتور شوقي أبو خليل سبب سقوط الأندلس بقوله: “والحقيقة تقول: إن الأندلسيين في أواخر أيامهم ألقوا بأنفسهم في أحضان النعيم، وناموا في ظل ظليل من الغنى والحياة العابثة، والمجون، وما يرضي الأهواء من ألوان الترف الفاجر، فذهبت أخلاقهم كما ماتت فيهم حمية آبائهم البواسل”.

ابن خلدون يعلل

ويعتبر ابن خلدون عالم الاجتماع في مقدمته الشهيرة أن “من أسباب ضياع الملك حصول الترف: وذلك أن الناس “إذا اتّخذوا الدّعة والرّاحة مألفاً وخلقاً صار لهم ذلك طبيعة وجبلّة شأن العوائد كلّها وإيلافها فتربى أجيالهم الحادثة في غضارة العيش ومهاد التّرف والدّعة، وينسون عوائد البداوة الّتي كان بها الملك من شدّة البأس. فتضعف حمايتهم، ويذهب بأسهم، وتنخضد شوكتهم ويعود وبالُ ذلك على الدّولة بما تلبّس من ثياب الهرم”.

ترف آل سعود

وإذا تأملنا في أحوال آل سعود ومملكتهم الشيطانية نجد أنها تسلك هذا السبيل، وأنها ممثلة في أمرائها الكثيرين وأحوالهم وعاداتهم وتقاليدهم يحفرون قبورهم بأيديهم ليس فقط من جهة تعديهم وعدوانهم على شعبنا وعلى شعوب العالم الإسلامي؛ بل أيضا من حيث انشغالهم بشهواتهم الشخصية ونزواتهم المشهودة، فقد بات العالم على علم بخستهم ودناءتهم وفسادهم الأخلاقي، وتفيد مذكرة دبلوماسية أميركية كشفها موقع ويكيليكس أن قصور الأمراء في جدة تخفي حياة ليل تعج بالكحول والمخدرات والجنس. وقالت برقية صادرة عن القنصلية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 أنه “وراء الواجهة الوهابية المحافظة في الشارع السعودي، يعيش شباب نخبة جدة حياة ليلية مليئة بالصخب والحياة”. وأضافت البرقية أن “مجموعة واسعة من المغريات والموبقات متوفرة من بينها الكحول والمخدرات والجنس، لكنها تجري حصرا وراء أبواب مغلقة”. وتابعت البرقية أن “هذه الحرية للانغماس في المتع ممكنة فقط؛ لأن الشرطة الدينية تبقى بعيدة عن الحفلات التي تجري بوجود او برعاية أحد أفراد العائلة المالكة أو أحد أفراد حاشيته الملكية”.

المترفون في القرآن وعلاقة (الخلايجة) بهم

وفي القرآن الكريم حديثٌ كبير عن (المترفين) وهم الذين أترفتهم النعمة وأبطرتهم الأحوال المادية التي وصلوا إليها، عن معرفة السبيل السوي، وعن اتباع منهج الله عز وجل المرضي، بما تلبّسوا به من كِبْرٍ وغباء وشهوانية مادية غليظة دمغت عقولهم بحجاب غليظ عن إدراك الحقائق الفطرية، وعن المقاصد والأهداف القيَمية، وأسكرهم ما بأيديهم من المال والنعمة فطغوا وتجبَّروا وأكثروا في الأرض الفساد؛ وهذا هو ما عليه حال المترفين من آل سعود وآل نهيان وآل خليفة وآل ثاني وغيرهم.

إن هؤلاء بلغ بهم الترف إلى الإجرام بما يجاوِز الوصف ويتعدَّى التصور؛ والله تعالى يقول عن المترفين: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ) (هود: 116).

وهم وأمثالهم الكثيرون معنيون بشكل واضح بقوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الإسراء 16) حيث الله عز وجل أمرهم بطاعته لكنهم فسقوا وتجاوزوا الحدود؛ فطغوا وتجبروا وأكثروا في الأرض الفساد، فصب عليهم الله سياط عذابه، ووبال نكاله.

المترف الحفيد

وفي دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: (وأعوذ بك من كُلّ مترف حفيد)، ويمكن تفسير الحفيد بالذي وصل إلى الترف عن طريق آبائه وأجداده، والذين تعبوا في تحصيل الترف بينما جاء الحفيد ليتقلّب في فراش النعيم من غير تعب، ولا نصب، وحفيدٌ بهذه الحال حريٌّ به أن يبعثر تلك النعمة ولا يرعى حرمتها، ولا يراعي موجبات بقائها، وربما كان معناه أيضا محفودا بالمال والحشم والخدم، فهو حفيد، على وزن قتيل؛ وكلا المعنيين ينطبقان تماماً على هؤلاء الذين وصلوا للسلطة اليوم في دول الخليج المعتدية على شعبنا.

يصدق هذا الوصف بكلا معنييه على المترف الحفيد (المهفوف) بن سلمان، والمتهور المتكبر (بن نايف) بشكل واضح.

مستكبرون

إنهم الآن في ترفهم وفي عدوانهم على الشعوب الأخرى وعلى رأسها شعبنا اليمني بوحي من ترفهم، وسكرة من كبريائهم يمثّلون حالة من حالات المترفين الذين توعدهم الله بالنهاية الأليمة، والعاقبة السيئة، لا سيما حين لا يتحرّك أحد في (قريتهم) أو (نظامهم) أو (شعبهم) ليوقف هذا الترف ومآلاته، وينكره، حين لا يوجد من يتصدّى لإنكار نتائج الترف والانبهار به، فعندئذ يؤذن الله بطي صفحتهم، وتغييب وجودهم.

يقول الله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ {64} لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ) (68) (المؤمنون).

تبيِّن الآيات أن المترفين أولئك رعاديد خوارون جبناء، حين يمسُّهم العذاب، فيجأرون ويبكون، بعد أن ظلوا عهداً من الزمان ناكصين عن الحق، مدبرين عنه، وإذا تُليت عليهم الآيات استكبروا، وإذا طُلِب منهم أن يكفوا شرَّهم عن المظلومين ازدادوا طغياناً وفساداً واستكباراً، وهزِئوا بالقيم الدينية والأخوّة الإنسانية.

يصوِّرُ دُعاةُ آل سعود وأخدانُهم من المترفين أن ما بيدهم من النعيم المادي إنما هو لأن الله راضٍ عنهم، ولأنهم أهلٌ له، لكن القرآن الكريم يبين أن المال والولد هو السبب في طغيان الطاغين، يقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) (37: سبأ).

إن “هذا يكشف أنهم طغمة جهولة، غبية، مستعلية، متغطرسة، تظن أن قوة (المال والرجال) التي مكنتها من الظلم والتحكم والاستعلاء في الدنيا، تنجيها من العذاب الأكبر المحقق في الآخرة”.

حصيداً خامدين

إن الترَفَ الذي يعيشُه هؤلاء اليوم، وسوء تقديراتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، واستئثارهم بالنعيم، وكبرهم، وجهالتهم وتغطرسهم، وتعديهم على الجيران، وعلى شعوبهم، وعلى شعوب العالم الإسلامي جمعاء، بإنتاجهم للتيارات التي أكثرت في الأرض الفساد، وآخرها هذا العدوان الذي شنوه ظلما وعدوانا على بلدنا بلد الإيمان والحكمة، كلها مؤشرات تشير إلى أن الله آذن بزوالهم، وأن سنته الإلهية، وناموسه الكوني قضيا بصيرورتهم مصير سلفهم من المترفين الذين أساؤوا استخدام النعمة، ونسوا مصدرها، ومالكها، ومبتدئها ومعيدها، فقصمهم الله، وطوى صفحتهم غير مأسوف عليهم.

إن الظلم الناتج عن الترف وسوء التقدير سببٌ يؤدي إلى الدمار والحصد والخمود، وتلك سنة الله التي لا تتخلف عن آل سعود وأشباههم، وناموسه الذي لا يتبدّل؛ يقول الله تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ) (15: الأنبياء).

لا مناص إذاً أن نرى في قادم الأيام هؤلاء المترفين الجبارين وقد أذلّهم الله، وأدال عليهم، ومكَّن المظلومين من الثأر فيهم، (وما الله يريد ظلما للعباد)، (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).