استسلمت إدارة ترامب للفشل فتذكرتُ اليمن.. عبد الملك الحوثي والذين معه (35)
ذمار نيوز || مقالات ||
[12 يناير2021مـ -28جماد اول 1442هـ ]
بقلم / إبراهيم سنجاب
لماذا لا يهتم الرأي العام العربي بقضية اليمن؟ هل لأنه فقير؟ أم لأن إيران كما وضعها الساسة والإعلام العربي والأمريكي تقف على مسافة قريبة من هذا الملف الخطير أو حتى متداخلة فيه؟ لكن هل فعلا لا يهتم الرأي العام العربي باليمن أم أنه يتهرب من إبداء الإتمام؟ وما الذي يهتم به الرأي العام العربي أساسا؟ وهل يحظى اهتمامه باهتمام؟
مبدئيا وبدون تقعر، الرأي العام هو بأبسط تعريف حديث الناس، والذي ربما يجد صدى لدى المسئولين وغالبا لا يجد بالنسبة لنا.
أما لماذا اليمن؟ فلأنه بأبسط تعريف، قطر عربي يتموضع على حدود جغرافية مهمة للعرب كأمة وللكرة الأرضية كممر ملاحي وجوى استراتيجي، وهذا ما لا يُختلف عليه مطلقا.
وهو البلد التي منها رحم العروبة وأنصار الدعوة الإسلامية الأوائل، وجنود الفتح على مدى تاريخ الانتصارات العربية بعد الإسلام، وليس في هذا، لا شك ولا اختلاف بين المؤرخين.
ولماذا أيضا
لأن لديه قضية يسمونها أزمة، ملخصها خلاف بين مكونات الشعب عقب ثورة 2011 يشبه الخلافات التي ظهرت في بلدان الربيع العربي في كثير أو قليل، ولكنه في النهاية خلاف صنع قضية.
في العراق بعد 2003 وسوريا وليبيا 2001 وبأيدي شيطانية محلية وبدعم أمريكي إسرائيلي، عرفت هذه البلاد النزوح واللجوء والقتال من تحالفات وجماعات مسلحة من الخارج، والاقتتال من جماعات في الداخل، ولعبت أجهزة مخابرات الشياطين ووسائل إعلامهم دورها في شيطنة الخلافات وإطالة أمد الخلاف.
في تونس ومصر ثم الجزائر والسودان في مرحلة لاحقة، تمكنت الجيوش هنا والنقابات العمالية ومكونات حزبية ناضجة هناك، من التعامل مع الآثار السلبية للخروج الجماهيري الغاضب بحيث قللت إلى أقصى حد خسائره، رغم أنها لم تحقق طموحات الغاضبين، ولكنها في النهاية حافظت على وحدة التراب الوطني وحققت حالة من الأمن العام، كبح جماح الرغبة الشيطانية في التدخل المباشر في أزماتها.
نعود لبومبيو وزير خارجية ترامب، رئيس أقوى دولة على وجه الأرض المعرض للعزل أو المحاكة، والذي قبل أن تغادر إدارته البيت الأبيض خرج بتصريحات بالفعل مفاجئة، في لغتها وفى مستواها السياسي ومدى تعبيرها عن رصيد الخارجية الأمريكية في المنطقة العربية، التي راحت فيها وجاءت قوافل الأمريكيين الناهبين لثرواتها المادية والمعنوية والتراثية على مدى السنوات الأخيرة.
بومبيو المخلوع، الذي سيرحل خلال أيام، قال إن وزارته ستتقدم للكونجرس خلال أيام بنيتها تقديم مشروع قانون يصنف جماعة الحوثي جماعة إرهابية ويفرض عقوبات على ثلاثة من قياداتها، ثم يضع على تصريحه – أحمر أظافر – ويضيف أنه أعد خطة للتغلب على التأثير السلبي لمقترحه على الأوضاع الإنسانية السلبية المتوقعة بسبب تطبيق القانون.
على مدى الأسابيع الأخيرة من ديسمبر ومع دخول العام الجديد، شغلت أخبار مواجهة عسكرية محتملة بين أمريكا وإيران الإعلام العالمي، واستعد لها بالموقف أو بالسلاح العديد من الدول في العالم، مدمرة أمريكية توجهت لسواحل الخليج ثم انسحبت ثم عادت، حالة من التخبط، غواصة إسرائيلية عبرت متوجهة إلى باب المندب أو الخليج دون تعليق من جانب مصر أو إيران، بينما يمنيون منشوراتهم المتضادة على صفحات التواصل لا تتوقف ليلا أو نهارا يؤكدون متابعة البحرية اليمنية لها منذ خروجها من قناة السويس.
تجهيزات ومواجهات صغيرة في الساحل الغربي بين جماعة حراس الجمهورية -المخا – والعمالقة والجيش واللجان، ترتيبات في عدن لاستقبال وزراء حكومة الرياض اليمنية، وترتيبات أخرى في مينائها لا تنشر تفاصيلها، بالضبط كما لا تنشر تفاصيل ما يجرى فى جزيرة سوقطرة ونيوم وبقية الجزر الإستراتيجية ومحافظات المنطقة المتوقعة الشرقية من اليمن الموحد.
وسط حالة التخبط الأمريكي التي يكافح الديموقراطيون فيها لإعادة تصدير وجه آخر لها بعد سنوات ترامب المجنونة، لم يجد وزير خارجيتها الذى سيوصف -بالسابق – بعد عدة أيام من خلع رئيسه إلا اليمن الجريح المحاصر ليستأسد عليه، وقد يعلم أو لا يعلم بأنه سيقدم للعالم فريقا من (الذين معه) قادر على مواصلة الصمود في الميادين والصبر على الحصار والتفاوض بلسان عربي مبين.
في اليمن الذي بدأ مشواره في الصمود بشعار قائد ثورته الذي قد يتناساه البعض، بالعشر ما نبالي وكان المقصود به الدول العشرة التي رتبت مؤامرة احتلال اليمن والتلاعب بحدوده وبشعبه منذ عام 2014 وحتى اليوم. واستمر في مشواره بشعار، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، وواصل بحرق الابرامز بالولاعات، وصامدون حتى يوم القيامة، ونحن أهل الوفاء، وهي كما ترى شعارات تتخطف قلوب وعقول العدو قبل الصديق.
إما أن بومبيو يهذى أو أنه يهذى عندما يختتم وجوده في خارجية أمريكا الدولة العظمى بهذا التصريح، وإما أن مرتزقة العدوان على دولتهم اليمن حمقى أو أنهم حمقى، عندما يصدقون أن من يقتلهم كان يزرع الورود والرياحين في بلادهم على مدى السنوات الست الماضية من العدوان.
شرف للزعيم الشاب أن تصنفه أمريكا ترامب إرهابيا، وشرف للذين معه أنهم كانوا على موعد مع أكبر انتصار يحققه اليمن على مدى تاريخه، وشرف لهذا الجيل من شباب اليمن أن يراد لهم أن يكونوا حركة أو حزبا على حدود السعودية ولكنهم يأبون إلا أن تكون ثورتهم كأمة تامة على كافة جغرافيا بلادهم، وشرف لعشرين مليون يمنى أن يصبروا ويصمدوا تت شعار كتب عليكم القتال وهو كره لكم.
لماذا تذكر بومبيو الحوثي؟
سؤال من إجابته سيتحدد كيف يتعامل مقاتلو وساسة وحكماء اليمن مع نتائجه..
هل فعلا لإرضاء السعودية التي تكافح على مدى السنوات الماضية لهذا التصنيف من راعى البقر الأمريكي؟ والإجابة نعم ولا، كيف؟ قبل يومين أطلق ولى العهد السعودي خطته لإنشاء مدينة – the line- – والمعنى أنه يفكر في مستقبل آخر لبلاده ومن الطبيعي أن يتجه فكره نحو الخروج من المستنقع اليمنى دون مزيد الخسائر.
وربما يرى أن هذا التصنيف سيفيده، ولكن لا، ليست هذه كل الحقيقة في ضوء زيادة وتنامي القدرة العسكرية اليمنية يوما بعد يوم.
فهل جاءت رغبة بومبيو كورقة تفاوض بيد السعودية تستبق جهود أمريكية مفترضة مستقبلا لإنهاء قضية اليمن، بحيث تحتفظ كل الوجوه بمائها؟
والشاهد والمؤكد أنه عندما صنفت واشنطن حزب الله اللبنانى كمنظمة إرهابية، تنامت قدرات الحزب وبسط نفوذه ليس داخل لبنان فقط ولكن على امتداد المسافة من حدود إيران شرقا حتى حدود سوريا وداخل لبنان نفسه، فهل تريد واشنطن تكرار الفشل؟
أما القول بأن إدارة ترامب تضع العراقيل أمام بايدن المنتخب قبل الرحيل، ففيه من الحقيقة ما فيه من الخيال، وكأن أمريكا قبيلة يتناوب على رئاستها شيخ وليس رئيسا لقوة عظمى تبدو وحيدة في هذا الكون.
فما الذي ستفعله إدارة بايدن أكثر أو أقل مما فعلته إدارة ترامب لجماعة شعارها الموت لأمريكا.
نسى بومبيو فضيحة وصول الغاضبين إلى مكتب رئيسة الكونجرس الأمريكي ونسى مشاكل دولته مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وكوريا الشمالية وتذكر الحوثي، يا لها من ملهاة مأساوية على جبين تمثال الحرية.
هل هي إسرائيل التي تقف وراء تصريح بومبيو؟ ولم لا؟ تل أبيب ألقت نفسها في مستنقعات البحر الأحمر والخليج العربي ويهمها أن تمتلك ورقة تفاوض أو صك تهديد يتيح لها الفرصة لتتعمق أكثر وأكثر، بعد رحلة تطبيع يسيرة مع دول خليجية، ومسيرة سلام بارد مع دول أخرى.
أم أنها ورقة تفاوض ضد إيران كزعيمة لمحور المقاومة؟ وكنت قد ذكرت في مقال سابق أن أمريكا إيران لا حرب ولا سلام، بينما كان العالم يحبس أنفاسه استعدادا لإعلان الحرب التي لن تبقي ولا تذر، وفى مقال آخر قلت أن مشاكل المنطقة العربية شرق البحر الأحمر ستنحل دفعة واحدة عندما تتفق كل من طهران وواشنطن على صيغة مقبولة للتعامل فيما بينهما سقفها لا حرب ولا سلام.
كثيرة هي الافتراضات وأكثر منها فرص إيجاد مخرج للقضية اليمنية. ولكن نادرة تلك الروح التي يعليها عبد الملك والذين معه في ظروف هي الأصعب من الصعب.
وكثيرة هي الأعباء والمظالم بسبب الحصار، ولكنه نادر ذلك الصمود الأسطورى لشعب كامل محروم من السفر للخارج للعلاج على مدى سنوات. قتلى بالآلاف ومصابين بعشرات الآلاف عميت عيون الإنسانية عن مجرد النظر إليهم لمواساتهم، ولكن مجتمع من الآباء والأمهات والزوجات والأطفال يبقى نادرا أسطوريا رغم عمق الألم ومرارة الجراح بدون غذاء أو دواء. فليطرح بومبيو رغبته أمام الكونجرس، وليقف خلفها من يقف، ولكن المستضعفين في الأرض موثوق بهم بحيث لن يستسلموا له ولا لدولته ولا لمن يقف في الجانب اللا إنساني من هذه الحياة، وليفرح أهل الوفاء بوفائهم، مهما أصابهم من تضحيات في المال والولد والاستقرار، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.