الخبر وما وراء الخبر

دور الزكاة في معالجة مشكلة الفقر

37

يعتبر الإسلام أن الفقر من أكثر الأخطار التي تواجه المجتمع المسلم، وذلك ما للفقر من تأثير على حياة المسلم المادية المعنوية، حيث يؤدي الفقر إلى تدني المستوى المعيشي والصحي والتعليمي، كما يؤدي أحياناً إلى انتشار الانحرافات الأخلاقيّة في أوساط المجتمع، وما ينتج عن ذلك من آثار وتبعَّات اجتماعية سيئة ناتجة عن الفقر.

ومن هذا المنطلق عالجت الزكاة مشكلة الفقر من خلال المصارف الثمانية التي حددها القرآن الكريم، والتي وضعت معايير دقيقة، والإنسان عندما يخرج زكاته للفقراء والمحتاجين فإنه بذلك سيكون سبباً في المحافظة على تماسك المجتمع والحد من انتشار الانحرافات الأخلاقية فيه.

ويعمل إخراج الزكاة على منع الجرائم المالية من سرقة وسطو ونهب، أو على الأقل التقليل من نسبتها، فالإنسان الفقير عندما يريد أن يشبع حاجاته الأساسية في الحياة ولا يجد المال لذلك، يمكن أن يقوم بعدة ممارسات سلبية من شأنها أن تسد حاجته؛ كالسرقة، أو الاعتداء على شخص ما أو السلب، مع التأكيد أن الغاية لا تبرر الوسيلة إلا أن الحاجة قد تدفع الشخص بالقيام بتلك الأمور الخاطئة، فتأتي الزكاة حلاً لهذه المشاكل والحد منها، ممّا ينشر السلم في المجتمع.

والزكاة تعزز الروابط الاجتماعية فيما بين الناس، والعلاقات والروابط النفسية لتهيئهم ليكونوا مجتمعاً متوحداً، ولا يكون مجتمعاً يسوده القلق والمشاكل الكثيرة، وفي هذا السياق يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”:

“ألم يقل في الصلاة: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}(العنكبوت: من الآية45)؟ الزكاة كذلك، أليس جزءاً منها في سبيل الله، حتى أولئك الفقراء الذين يعطون من الزكاة، هو لتهيئة المجتمع في داخله، أن لا يكون هناك فئة تعيش مبتعدة نفسياً عن الفئات الأخرى، فالفقير يجد نفسه يأكل مع الغني من أمواله، فليس بينه وبينه بون في داخل أعماق نفسه فهو قريب منه إذاً قريب من أن يتوحد معه؛ ولهذا وجبت الزكاة في العين، في أعيان الأموال، لا تقبل نقداً إلا في حالات خاصة عندما يكون النقد هو الأصلح، وإلا فالواجب في الزكاة أن تكون من العين. لماذا؟.

لأجل الفقير الذي يرى المزارع، يرى الأموال، يرى بأنه سيحصل معك من هذا المال، وسيأكل معك من هذه المزرعة، [ويخزن معك من ذلك القات]، ويشرب قهوة معك من ذلك [البن]، ويحصل على [عَلَف] معك من ذلك [العَلَف] فيكون الناس في واقعهم كأنهم أسرة واحدة، يعمل على تعزيز الروابط فيما بينهم.

الفقير إذا ما أصبح يرى كل شيء، ويرى أنه لا أحد يعطيه شيئاً، فالزكاة لا يعطى له شيء منها، سيرى نفسه في وضعية بعيدة عن الآخرين جداً، فهو بعيد عنهم بنفسيته، بل قد ينطلق ليسرق أموالهم، ينطلق لينهب، يحسد إذا ما رآك في نعمة فوجبت الزكاة في العين.

فأي فقير يرى الأموال يرى وكأنها له، سيأتي له من هذا، ويأتي له من هذا، فالزكاة من عين ما رأى، فلا يحقد، ولا يحسد، ولا يعادي، ولا يتعدى.. كيف سيسرق وهو يرى بأن بإمكانه أن يأتي له حلالاً من ذلك [القات]، كيف سيتعدى على ثمارك من الحبوب ونحوها وهو يرى بأنك ستوصل إلى بيته زكاة من هذا المال.

فالزكاة نفسها تخدم أو تعزز الروابط الاجتماعية فيما بين الناس، والعلاقات والروابط النفسية لتهيئهم ليكونوا مجتمعاً متوحداً، ولا يكون مجتمعاً قلقاً في داخله مشاكل كثيرة تصرفه عن القضايا الكبيرة، فيكون مهيئاً لأن يكون أمة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتدعو إلى الخير”.

كما يشدد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في محاضراته الرمضانية بالقول: “الزكاة ركن عظيم من أركان الإسلام, وفريضة مهمة جدا من فرائض الله سبحانه وتعالى، الإخلال بها يدمر دينك بكله، ولا يقبل الله منك أي عمل من الأعمال أبدا إذا كنت مخلا بهذا الركن وقد لزمك، لديك من الأموال ما لزمت فيها الزكاة ثم لم تزك، أو أخرجتها في غير مصارفها، فعليك مسؤولية أمام الله وأعمالك بكلها غير مقبولة نهائيا، حتى الصلاة لا تقبل صلاة إلا بزكاة، هذا حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتوافق مع قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، فالمسألة خطيرة والمسألة مهمة جدا والمسألة حساسة للغاية، أيضا هناك تقصير كبير في مسألة الزكاة، كثير من الناس يأكلونها أو يأكلون قدرا منها، لا يخرجون الزكاة بكلها، والبعض أيضا يخرجها في غير مصارفها الشرعية، وكما لم يخرجها، عندما يخرجها إلى غير مصارفها الشرعية،

بل البعض يخرجها إلى حيث يأثم، إلى مثلا البعض يسلمها لجمعيات من التابعة للتكفيريين التي تعمل لصالح الاستقطاب لهم ودعم أنشطتهم الإجرامية، يصبح بسبب ما أخرجه باسم الزكاة شريكا في كل الدماء المسفوكة ظلما والجرائم الفظيعة التي يرتكبها التكفيريون،

مسألة خطيرة للغاية جدا يعني، وكل أنشطتهم التضليلية، يشارك في الدماء ويشارك في التضليل ويشارك في كوارث وجرائم كبيرة جدا يصبح شريكا بذلك فيها، فمسألة الزكاة مسألة مهمة جداً هي من فرائض الله الرئيسية والمهمة، والأركان الأساسية لهذا الإسلام، والله سبحانه وتعالى أكد على إخراجها كثيرا، {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وآتوا الزكاة، وقرنها بالصلاة في أكثر الآيات المباركة لتكون قرينة لها وفي مستواها من الأهمية.

وأكد أيضا على أن يكون إخراجها إيتاء، أن تبادر أنت، لا يليق بالإنسان وليس من علامة الإيمان أبدا أن لا يخرج الزكاة إلا إجبارا أو بملاحقة، أو بمتابعة حثيثة جدا، وعندما يخرجها يخرجها كرها وكأنها روحه ستزهق، كأنك ستنتزع منه روحه وحياته، بالكاد يخرجها، وهو مستاء جدا ومعقد جدا، هذه ليست حالة إيمانية وقد لا تكون مقبولة عند الله سبحانه وتعالى، قد تجزي لكن قد لا تكون مقبولة تجزي في الحكم الشرعي، لكن مسألة القبول عندما تخرجها كرها بغير رضا وبغير إرادة وإنما انتزعت منك وكأن روحك انتزعت من بين جنبيك هذه حالة سلبية أين ستكون آثارها في تطهرة النفس وفي تزكية النفس،

من أهم ما يستفاد من الزكاة في الجانب التربوي هذا الأثر المهم الذي نحتاج إليه كمسلمين لتطهرة النفوس ولتزكية النفوس، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، نحتاج إلى ما يطهر نفوسنا نحتاج إلى ما يزكي نفوسنا ويطهر قلوبنا ومشاعرنا، والزكاة تؤدي هذا الدور، تعالجك من الشح، تعالجك من الحرص والجشع والطمع والهلع، تروضك على العطاء والبذل والإحسان، تنمي فيك الشعور الإنساني تجاه الآخرين، والرحمة بالآخرين، تخلصك من الأنانية المفرطة التي لا تفكر فيها إلا بنفسك، لتفكر بالآخرين من حولك،

درس مهم وأثر تربوي عظيم ومهم للزكاة في النفوس في الوجدان في المشاعر، وكذلك على مستوى العلاقة الاجتماعية تحافظ على العلاقة الاجتماعية بين أبناء المجتمع المسلم، تحد من حالة الكراهية والبغضاء، الفقير عندما يعيش في وسط يرى فيه أنه لا أحد يبالي به ولا يكترث لحاله ولا يلتفت لبؤسه، يرى الأغنياء هنا وهناك ويرى الميسورين هنا وهناك يأكلون ويرتاحون ويتنعمون ويتقلبون في النعم ولا يلحظون وضعيته وظروفه ومعاناته وهو يحمل هم توفير لقمة العيش لأسرته،

كيف ستكون نظرتهم إليهم؟ وهو يراهم على ما هم عليه من القسوة والفضاضة والغلظة وكأنهم وحوش لا يمتلكون الرحمة تجاه معاناته، حينها سينظر إليهم بكراهية، باستياء، بل في ظروفنا كمجتمع مسلم نعاني من حروب، حروب عسكرية وحروب اقتصادية وتنتشر حالة البؤس والفقر والحرمان، نحتاج إلى هذه الرحمة فيما بيننا، إلى هذه الالتفاتة، وإلى أصبح أمامك سلبيات كبيرة جدا، إذا لم نبادر بالعطاء بالزكاة وبغير الزكاة ندخل في سلبيات خطيرة جدا، تتفكك مجتمعاتنا، تتنافر فيما بينها”.