الخبر وما وراء الخبر

الزكاة والتكافل الاجتماعي

37

الزكاة هي ركن من أركان الإسلام لا تقدم طوعاً بل إلزامية بهدف تحقيق التكافل الاجتماعي بين الناس القادرين الأغنياء الموسرين والعاجزين من الفقراء والمساكين، وفريضة الزكاة تحقق التكافل والتراحم في المجتمع، الذي يعتبره الإسلام حق أساسي من حقوق الإنسان التي كفلها الله تعالى لعباده، إذ يعد التكافل الاجتماعي تعبير عملي عن الأخوة الإيمانية، وتآزر العلاقات الروحية التي تربط أفراد المجتمع المسلم ببعضهم البعض، وأصل من الأصول التي تنظم العلاقات في المجتمع الإسلامي.
ولا تتحقق معاني الأخوة والتكافل في المجتمع الإسلامي إلَّا بفريضة الزكاة، فالزكاة تشعر الفرد المسلم الميسور دائماً بأّن ثمّة من ينتظر عونه ووقوفه بجانبه من إخوانه المسلمين المحتاجين والفقراء، وحيث لا تتهذب النفوس إلا بمنهجٍ رباني يرتقي بها لتشعر بمن حولها، ويبعد عنها الشّح والأنانية.

وتزرع الزكاة روح المودة والألفة بين الناس، فالفقير والمسكين عندما يدرك وجود فئةٍ من المسلمين تشعر بحاجته وعوزه، فإن ذلك يحدث في نفسه أثراً عجيباً يجعله يحب أخاه المسلم، ويحب مجتمعه الإسلامي الذي يعيش فيه، وهذا يؤدي إلى القضاء على مظاهر البغضاء والأحقاد والضغائن والمشاعر السلبية التي تكون موجودة في صدور الفئات الضعيفة والفقيرة والمحتاجة في المجتمع الإسلامي.

وبذلك فالتكافل الاجتماعي يعني أن يكون أفراد المجتمع المسلم في كفاية جماعتهم، وأن يكون كل غني قادر أن يمد أبناء مجتمعه بالخير وذلك للمحافظة على تمتين البناء الاجتماعي كلاً بمسؤولياته وواجباته في هذا المضمار، وأن تقاعسه قد يؤدي إلى انهيار البناء عليه وعلى غيره.
ولإن الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام، فإنها اليوم باتت تطبق في اليمن على أكمل وجه، بعد إن كانت تنهب منذ أكثر من نصف قرن، وأصبحت الزكاة اليوم توظف في مصارفها الشرعية الصحيحة، حيث ادخل القائمين على الزكاة الفرحة إلى البيوت الألاف من الفقراء والمساكين والغارمين…الخ في معظم المحافظات الحرة.

وفي هذا الصدد، يؤكد السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي في خطابة بمناسبة اليوم الوطني للصمود، 2020م:
من المهم أيضاً في المرحلة الراهنة وللمستقبل: العناية أكثر بالتكافل الاجتماعي، وبعيداً عن الرهان على المنظمات، هناك اهتمام لا بأس به، وهناك تكافل اجتماعي في واقعنا الداخلي، وتعاون من الميسورين والأغنياء مع الفقراء، ولكن مستوى هذا التكافل وهذا التعاون لا يصل إلى مستوى المعاناة، وإلى ما يتطلبه الواقع، إلى مستوى الظروف التي يعانيها الفقراء من أبناء هذا البلد، هناك نوعٌ من الاتكال إلى ما تقدِّمه المنظَّمات، وما تقدِّمه المنظَّمات شيءٌ محدود لا يصل إلى مستوى الحاجة، وفي نفس الوقت محكوم بسياسات، ومعرَّض في أي مرحلة من المراحل للتوقف، فلذلك لا ينبغي الاعتماد عليه، من المهم جدًّا العناية بتطوير آليات التكافل، والعناية بمستوى العطاء، والاهتمام في المقدمة بإخراج الزكاة بشكلٍ كامل، أنا على يقين وعلى ثقة أنَّ الزكاة لوحدها إذا أخرجت بشكلٍ كاملٍ وتام من كل من عليهم هذا الحق، ستفي بالغرض، مع أنه لا بدَّ أيضاً من الاهتمام مع الزكاة بالإنفاق، بالعطاء، بالصدقة، ولكني على يقين وثقة بأنَّ الزكاة إذا أخرجت بشكلٍ تام ستعالج هذه المشكلة، وستسد هذه الحاجة، وستغطي هذه الحاجة بالشكل الملائم والمطلوب، ستعالج هذا البؤس الذي يعاني منه الفقراء، والذي أدَّى بالكثير إلى حالات التسول منهم، ستعالج هذه المشكلة وبشكلٍ بنَّاء؛ لأن هيئة الزكاة لها أيضاً مشاريع عملية للتمكين الاقتصادي، وتسعى أيضاً ليس فقط إلى سد الحاجة، ليس فقط إلى توفير الطعام، أو الغذاء، أو الملبس، أو بعضٍ من الاحتياجات التي تساعد على توفير مأوى مؤقت للمحتاجين والمعوزين والفقراء؛ وإنما لديها برامج للتمكين الاقتصادي، ومعالجة مشكلة الفقر لدى هؤلاء، ومساعدتهم للعودة إلى الإنتاج، للعودة إلى العمل، للعودة إلى ما يساعدهم على توفير احتياجاتهم، لينالوا الحياة الكريمة والعيش الكريم، وهذا من أهم ما يركِّز عليه الإسلام في برامجه، في توجيهاته، في إرشاداته، المسؤولية بالدرجة الأولى على كبار المكلفين، تبلغ نسبة زكاتهم إلى نسبة جيدة، يمكن أن تساهم بشكل كبير في معالجة مشكلة الفقراء والمعوزين والنازحين، ولكن مع ذلك أيضاً البركة في كل ما يجمع من كل من عليهم هذا الحق، سيساهم بكل يقين وبكل تأكيد على معالجة هذه المشكلة، إلى الدرجة التي يمكن أن نستغني فيها بشكلٍ تام عمَّا تقدِّمه المنظَّمات، والذي- كما قلت- هو معرَّض للخطر، كما أنَّ طريقة المنظَّمات طريقة سلبية؛ لأنها تعوِّد من تقدِّم لهم هذه المعونات على القعود، قليلٌ جدًّا من مشاريعها التي هي مشاريع تبني الفقراء، تساعد الفقراء على الإنتاج، تساعدهم على العمل، تساعدهم على توفير احتياجاتهم بطريقة عملية وإنتاجية، وأكثر شيء تكتفي بتقديم غذاء يساعد الفقير على أن يأكل وأن يبقى مجمداً في مكانه، فإذا أوقفوا ما يقدِّمونه؛ يمثِّل هذا مشكلةً كبيرةً عليه.

الزكاة ركنٌ من أركان الإسلام، هي فريضة من أعظم فرائض الله، وهي التزامٌ إيمانيٌ ودينيٌ، الإخلال به يهدم إيمان الإنسان، إذا الإنسان يفرِّط في إخراج الزكاة، إمَّا لا يخرجها، أو يخرج جزءاً منها ويأكل الجزء الآخر، لا تقبل منه صلاة، لا يقبل منه أي عمل صالح، هذا ما أكَّد عليه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وما أكَّدت عليه النصوص القرآنية، القرآن الكريم كم فيه من أوامر (وَآتُوا الزَّكَاةَ)، (وَآتُوا الزَّكَاةَ)، بل إنه يقرنها مع الأمر بإقامة الصلاة:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، كما يهدد {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[فصلت: 6-7]، (لا تقبل صلاةٌ إلَّا بزكاة) هذا ما روي عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- فالذي يخل بهذا الركن وهذا الفرض، إمَّا بأن يأكل جزءاً منه، أو أن لا يخرجه بكله، أو أن يصرفه في غير مستحقه، فهو يخل بإيمانه، يضرب عمله الصالح ضربةً قاضية، تسبب له مشكلةً مع الله -سبحانه وتعالى- يأكل ما جعله الله حقاً للفقراء والمساكين والمحتاجين، وما حدد له مصارف معينة، هو حقٌ لهم أنت تأكله عليهم، فالعناية بإخراج الزكاة والاهتمام بصرفها في مصارفها سيمثل حلاً مهماً في عملية التكافل الاجتماعي بكلما يترتب عليه من نتائج إيجابية، مساعدة الفقراء هؤلاء على الصمود والثبات، دفع الكثير من المفاسد: مفاسد السرقة، النهب، المفاسد على المستوى الأخلاقي… مفاسد كبيرة، من النتائج الإيجابية: تعزيز حالة الإخاء والتماسك الاجتماعي، والترابط الاجتماعي، والأخوّة بين أبناء هذا البلد (بين الفقير وبين الغني).

لا يجوز أبداً أن تتحول النظرة الإيجابية من فقراء هذا البلد نحو المنظَّمات، فيرون فيهم فقط الأمل، ويرون فيهم فقط المعيل والمغيث والمعين، ويرون أبناء هذا الشعب من الأغنياء والميسورين يتنكَّرون لهم، ويتجاهلون لهم، بالتأكيد سيكون لهذا آثار سلبية على مستوى حالة الأخوة والتعاون. أيضاً هناك أشكال أخرى من التعاون مع الفقراء: العناية باليد العاملة، بالتشغيل، بالمساعدة في العملية الإنتاجية، التعاون أيضاً مع الجمعيات الخيرية المحلية التي تصب اهتماماتها في الداخل لصالح الفقراء، العناية بشكل مباشر ضمن مشاريع عمل تساعد هؤلاء على العناية بأمورهم وظروفهم، هذا من الأمور المهمة التي تحتاج إلى التفاتة أكبر في المرحلة القادمة وفي الوقت الراهن”.