مــوسمُ التـــطبيع (العــــربي) مع الــكيان الصــهيوني
تحليل/ عبدالله علي صبري
يعيشُ الشارِعُ السودانيُّ والعربيُّ هذه الأيامَ صدمةً غيرَ مسبوقة، في ظل التعليقات المتوالية لحكومة الخرطوم بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وفاجأ وزيرُ الخارجية السوداني إبْرَاهيْم غندور، الرأيَ العامَّ العربي والإسْلَامي، حين صرّح قبل أيام بأن السودانَ يدرُسُ مسألة التطبيع مع إسرائيل. ولم تتمهل حكومةُ السودان، فقد سارعت لجنةُ العلاقات الخارجية بمؤتمر الحوار الوطني السوداني إلَـى عقد اجتماعٍ الاثنين الماضي ناقشت خلاله قضيةَ العلاقات مع تل أبيب، ونقلت وكالةُ الأَنْبَــاء السودانية عن إبْرَاهيْم سليمان عضو اللجنة أن غالبية أعضاء اللجنة يدعمون الرأي القائل بضرورة إقَامَة علاقات طبيعية مشروطة مع إسرائيل.
ويبدو أن السودانَ التي يتلهف رئيسُها عمر البشير لتطبيع علاقاته بالعالم عبرَ البوابة الإسرائيلية، لم تحصل على رضا الغرب، وقد انخرطت في العُـدْوَان على الـيَـمَـن، وأقدمت على قطع علاقتها بإيْـرَان، إذ لا يزال مطلوباً منها أن تتعرّى على نحوٍ كامل، فتنزع ورقة التوت وهي تنحدِرُ إلَـى هاوية التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب قضايا الأُمَّـــة العربية والإسْلَامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
السبْقُ المصري
بالعَودةِ إلَـى تأريخ الصراع العربي الإسرائيلي، يلحظ المرءُ انعطافةً خطيرةً بُعَيْدَ حرب 1973، التي انتصر فيها الجيشُ المصري على العدو الصهيوني، لكن بدلاً عن استثمار اللحظة التأريخية باتجاه انتزاع الحق العربي في فلسطين، عمل أنور السادات رئيس مصر آنذاك على الفصل بين الحقوق المصرية في سيناء وبين الحقوق العربية الأخيرة، وعمل بمساندة أَمريكية على نسْج خيوط التطبيع والسلام مع إسرائيل، وُصُولاً إلَـى توقيع اتفاقية كامب ديفيد وإقَامَة علاقات دبلوماسية، حيث أصبحت لمصر سفارة في تل أبيب وقنصلية في إيلات، ولإسرائيل سفارة في القاهرة وقنصلية في الإسكندرية.
وفي مجال العلاقات التجارية، وقّعت الحكومة المصرية في عام 2004 اتفاقية الكويز مع الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تمكن المنتجات المصرية من الدخول إلَـى السوق الأَمريكية دون تعريفة جمركية أَوْ حصص كمية بشرط استخدام نسبة 11.7% مكونات إسرائيلية.
وفي عام 2005 وقّعت الحكومة المصرية اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل تقضي بالتصدير إليها 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي لمدة 12 عاماً.
وبرغم ثورة 25 يناير 2011، إلَّا أن التطبيع استمر مع حكم الإخوان ومُرسي، ثم في ظل حكم السيسي الرئيس الحالي لمصر، الذي يحاول عبثاً تقمُّص دور الزعيم العروبي عبد الناصر، فيما سياساتُه تدُلُّ على ارتهان للخارج وبالذات للسعودية والإمارات.
وتشارك مصرُ في تحالف العُـدْوَان على الـيَـمَـن، بزعم حماية الأمن القومي العربي، ولكنها تتغافَلُ عن الخطر الإسرائيلي، الذي يعمَلُ على إنشاء قناة البحرين التي تشكل تحدياً وجودياً لقناة السويس وللأمن القومي المصري بشكل عام.
رأسُ الأفعى في الحُضن الصهيوني
تحتَ عناوينَ مضللةٍ تشكَّلَ ما يسمى بالتحالف العربي الذي أعلن عن “عاصفة الحزم”؛ بهدف استعادة ما يسمى بالشرعية، وحماية الأمن القومي العربي من التهديدات الإيْـرَانية. وقد بات معروفاً أن السعوديةَ التي تقود العُـدْوَان على الـيَـمَـن تعملُ وفق أجندة أَمريكية، ولولا الضوء الأخضر من واشنطن لما تجرّأت الرياض على التدخل العسكري في الـيَـمَـن.
بيد أن آلَ سعود ليسوا مطمئنين لأوباما والبيت الأبيض، وتساورهم المخاوفُ والشكوكُ من تغيُّرات السياسة الأَمريكية في المنطقة التي أفضت إلَـى تفاهُمات تأريخية بين أَمريكا وإيْـرَان، الأمرُ الذي قاد المملكةَ إلَـى مزيد الانبطاح، والكشف عن لقاءات مباشرة جمعت مسئولين سعوديين بأقرانهم في الكيان الصهيوني.
استراحت رأسُ الأفعى في الحُضن الصهيوني، ضاربةً عرْضَ الحائطِ بالمكانة الدينية للرياض في العالَم الإسْلَامي، وهي المكانة التي تعرضت لهزَّةٍ عنيفةٍ بفعل العُـدْوَان على الـيَـمَـن المتواصِل منذ عشر شهور، في جرائم بشعة فاقت الحماقات الصهيونية بحق العرب والفلسطينيين.
وإذا كان للعُـدْوَان على الـيَـمَـن من محاسنَ، فمنها أنه كشف عن علاقات وثيقة بين أَطْـرَاف ودول التحالف مع الكيان الصهيوني، بعضُها كان قد ظهر للعلن، وبعضُها انكشف في ظل هذا العُـدْوَان.
حتى الكويت التي لا زالت تُداري عن رغبتها في التلاقي مع الكيان الصهيوني، لم يُخفِ نُخبتُها رغبةً عارمةً في إطلاق علاقةٍ رسمية مع إسرائيل، بزعم أن الكويت لا ينبغي أن تكونَ ملكيةً أَكْثَر من الملك.
ففي مارس 2013 دعا المرشح البرلماني صالح بهمن إلَـى تطبيع العلاقات بين الكويت وإسرائيل، معتبراً أن الكويت تأخَّرت في اتخاذ قرار التطبيع مع إسرائيل؛ حيث أنه كان من المفترض أن يتمَّ ذلك بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، خَـاصَّــةً وأن إسرائيل لعبت دوراً إيجابياً في تلك المرحلة، حسب زعمه.
وفي إبريل 2014، دعا الكاتبُ الكويتي حسن كروم إلَـى إنجاز المهمة قائلاً بصراحة وقحة:
إذا كان المصريون والأردنيون والفلسطينيون الذين هم الأَطْـرَاف المباشرة بالقضية العربية الإسرائيلية رفعوا راية السلام وأبرموا الاتفاقيات ويتبادلون ليلَ نهارَ نخب الصداقة، وَإِذَا كانت البلدانُ الخليجيةُ الشقيقة قد فتحت ابوابها لزيارة المسؤولين الإسرائيليين وَإِذَا كانوا يقومون بالزيارات المتبادلة سرّاً وعلانية ويتبادلون الهدايا والأنواط، فهل نحن وحدنا متعهدون للقضية وباقي العرب خوَنة..؟!!
مضيفاً في تهكُّم بالغ: يبدو أن حكومتنا ووزارة خارجيتنا ما زالتا تعيشان في عهد بائد مضى عليه الزمن..!!
المغرب.. جسْــــرُ العبور
إذا كانت اتفاقيةُ كامب ديفيد قد أسقطت خطَّ الدفاع العربي الأول في مواجَهة إسرائيل، فإن اتفاقية أوسلو الموقَّعة بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1993، قد أدَّت إلَـى انهيار خطّ الدفاع الثاني، حين انخرطت الأردن في العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الغاصب للحُقُوق العربية برغم تحفُّظ لبنان وسوريا، ولذا لا عجَبَ أن تكونَ الأردنُ ضمن تحالف الشر على الـيَـمَـن.
المغربُ أَيْضاً تعيشُ ربيعاً مستداماً في علاقاتها بإسرائيل، ولإرضاء الرياض وتل أبيب تورَّطت الرباط فزجت بجيشِها في الحرب على الـيَـمَـن، التي لا يمكنُ أن تشكل تهديداً من أَي نوع للمغرب ولأيَّةِ دولة عربية كانت.
ويكشف أحد الباحثين المغربين عن خفايا مشاركة بلاده فيما يسمى بعاصفة الحزم، مُشيْراً إلَـى أن الدولةَ المغربيةَ دولة صديقة للكيان الصهيوني، ولعلها تكونُ جسرَ تواصُل لتقريب وجهات النظر بين دولة الكيان وقوات التحالف، حتى يضمنوا مساعَدة الإعلام الصهيوني المسيطر على أوروبا وأَمريكا في دعم العاصفة، خَـاصَّــةً وأن إسرائيل تظهرُ كعدو لإيْـرَان، وأن ما تقوم به العاصفة يصُبُّ في صالحها.
موضحاً أن الملك السعودي سلمان يرغَبُ في أن يكونَ لديه وسيطٌ آخر غير مصر ليوصل رسائلَه للكيان الصهيوني، ويضمن بصورة أكبر ولاءَه، وقريبٌ بشكل قاطع من إسرائيل، ويملك لوبي داخلها يكسبُ من ورائه تحييداً كاملاً وقبولاً تاماً بتحرُّكات السعودية في منطقة الشرق الأوسط، وربما قبولها زعيماً أوحَدَ للعالم العربي، وصديقاً جديداً لإسرائيل في المرحلة القادمة.
السنغال مصابةٌ بمرض التطبيع
اللافتُ أن السنغالَ التي التحقت بتحالف العُـدْوَان على الـيَـمَـن تتمتعُ هي الأُخْـرَى بعلاقة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وبرَّرَ وزيرُ خارجيتها ماديكي انيانغ في حوار صحفي 2011 موقف بلاده، بأن السنغال أقامت علاقاتٍ مع إسرائيل لظرف معين، وهذه العلاقة محدودة فقط بعلاقات دبلوماسية، حسب تعبيره.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأَمريكية أن إعلانَ السنغال انضمامَها إلَـى التحالف الذي تقودُه السعودية في الـيَـمَـن، يأتي بعد حصولها على أموالٍ مباشرة من المملكة، وذلك على النقيضِ من مزاعم السنغال التي ادَّعت أنها تقاتلُ في الـيَـمَـن بهدف حماية وتأمين الأماكن المقدَّسة الإسْلَامية في المدينة ومكة.
وما خفي كان أعظم
على الرغم من فداحة وخُطُورة العلاقات العلَنية بين الأنظمة المحسوبة زُوراً على العرب، إلَّا أن خفايا العلاقات تشي بما هو أسوأ، ففي الثامن عشر من الشهر الجاري كشفت القناةُ الثانية الإسرائيلية أن وزيرَ الاقتصاد الإسرائيلي زار مؤخراً بشكل سرّي أبو ظبي بالتزامن مع رفع العقوبات عن إيْـرَان. وبحسب القناة فإنَّ زيارة شتاينتس تزامنت مع رفع العقوبات عن إيْـرَان لافتة إلَـى أن “لدى إسرائيل مَن تتحدث معه في هذه المواضيع”.
وذكرت القناة الثانية أن الوزيرَ الإسرائيلي التقى مجموعةً من الجهات، مضيفة أن “أبو ظبي وعدداً من الدول العربية المعتدلة تجمعُهما مصالحُ مع إسرائيل مقابل إيْـرَان، وإسرائيل تريد الشراكة مع هذه الدول”، على حد تعبيرها.
كما أشارت إلَـى أن “وزارةَ الخارجية الإسرائيلية تحاول الدفع نحو فتح ممثلية بأبوظبي وعلاقات مع دول عربية معتدلة أُخْـرَى، في الخليج وأماكن أُخْـرَى”، قائلة “إن هذه الزيارة هي أَيْضاً جزء من هذا الأمر”.
وكان دبلوماسي إسرائيلي قد سلّط الضوء على العلاقات السريَّة بين قطر وَإسرائيل وجهود اختراق الخليج العربي في كتابٍ حَفِلَ بالفضائح التي كان بطلها أمير قطر الشاب، فقد طالب الأميرُ الجديدُ بإلغاء الحصار الاقتصادي العربي على إسرائيل بعد 3 أشهر من توليه الحكم، كما استهدفت اتصالاتُ قطر مع إسرائيل تسويقَ “الحقل الشمالي” للغاز الطبيعي لجذْبِ الاستثمارات الأجنبية