الخبر وما وراء الخبر

الشهادة في سبيل الله هي انتصارٌ أيضاً، وفي حالات الشدائد يضطرب ضعفاء الإيمان ومن يفقدون نسبةً كبيرةً من استشعار تنزيه الله سبحانه

973

–    المجاهد مستعد أن يتحمل كُلّ الشدائد في سبيل القضية التي من أجلها انطلق مجاهداً، وهي الانتصار لدين الله

–    المؤمن هدفه أن يحصل على رضا الله، وأن يكون في أعماله ما يحقق رضا الله، وأن ما يريده هو نصر القضية التي يتحرك من أجلها، ويبذل نفسه وماله

–    كم هو الفارق بين من يسيئون الظن عندما تحصل أحداث، وبين من يزدادون إيماناً!!. وهي في نفس الأحداث، أليس الفارق كبيراً جداً؟، ولماذا هذا ساء ظنه، وضعف إيمانه، وتزلزل وتردد وشك وارتاب؟ وذاك ازداد يقيناً وَبصيرة وَإيماناً؟! لأن علاقته بالله قوية، تصديقه بالله سبحانه وتعالى، وثقته بالله قوية

 

ذمار نيوز -صدى المسيرة 

التسبيحُ يمثِّل قاعدةً مهمةً، ومقياساً مهماً جداً؛ ولذلك كان من المهم أن يتكررَ في الصلاة التي تتكرر في اليوم خمس مرات، وأمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بتسبيحه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الأحزاب:41 – 42) {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الروم:17).

وأجاب السيد حسين بدرالدين الحوثي على سؤال لأحد الشباب حول معنى التسبيح في الصلاة: (سبحان الله العظيم وبحمده.. سبحان الله الأعلى وبحمده)، قائلاً بأن: التسبيح في الصلاة جاء في القيام، في الركعتين الأخيرتين، وفي الركوع، وفي السجود، وهو ما يدل ذلك على أهمية التسبيح، وعلى حاجتنا نحن، حاجتنا نحن البشر إلى تسبيح الله سبحانه وتعالى.

معنى التسبيح:

تسبيحُ الله معناه: تنزيهُه وتقديسُه.. تنزيهه عما لا يليق به، تنزيهه عن نسبة أي شيء إليه يتنافى مع عدله، وكماله المطلق سبحانه وتعالى، يتنافى مع حكمته، مع رحمته، مع عظمته وجلاله.

ووردت أخبار بأذكار معينة: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) روي عن الإمام زيد (عليه السلام) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) أنه قال في هذه التسبيحة: (أن من سبحها مائة مرة في اليوم دفع الله عنه سبعين نوعاً من البلاء أدناها أو أهونها القتل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
ويشير السيد حسين الحوثي في محاضرة له بمعنى التسبيح والتي ألقاها بتاريخ 9/ 2/2002م إلى أن: (التسبيح يعتبر قاعدة مهمة جداً، ولذلك: نكرر التسبيح في صلاتنا، وفي كُلّ أوقاتنا ليترسخ، وهو ما معناه، أن تكون نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى نظرة تقوم على أساس تنزيهه، وتقديسه سبحانه وتعالى؛ لأننا لما كانت إدراكاتنا محدودة، وما يمكن أن نتعقله من الأشياء أيضاً تكون إمكانية التعقل لدينا محدودة أيضاً، وأفعال الله سبحانه وتعالى قد يكون هناك أفعال من أفعال الله، شيء من مخلوقات الله سبحانه وتعالى لا نفهم نحن وجهَ الحكمة فيها، لا ندرك نحن الغاية من فعلها، أو من تشريعها، أو من خلقها، فإذا ما كنا نستشعر دائماً تنزيه الله سبحانه وتعالى في ذاته وفي أفعاله، وفي تشريعاته، فستكون هذه القاعدة هي التي تحافظ على سلامة إيماننا بالله، وحسن ظننا به، واستمرار إيماننا بنزاهته، وقدسيته سبحانه وتعالى.

وأوضح السيد حسين الحوثي أننا: نجهل وجهَ الحكمة في كثير من الأشياء في مخلوقات الله، وفي تشريعات الله، أو إدراك الغاية منها، ولكننا نقطع بأن اللهَ سبحانه وتعالى ما دام وقد ثبت أن هذا فعلُه فهو الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة، ونقطع فيما ثبت لنا من تشريعه وهدايته مما لا ندرك وجهَ الحكمة فيه: أن اللهَ لا يشرِّع إلا تشريعاً فيه حكمة، فليس هناك عبثٌ في أفعاله، ليس هناك تلاعب في أفعاله سبحانه وتعالى، هو الحكيم.

وأضاف السيد حسين الحوثي أن: التسبيح لله سبحانه وتعالى يبطل كُلّ تلك الأقوال التي نسمعها من هنا أو هناك تنسب إلى الله سبحانه أو تلك العقيدة لأنها تخالف ما نحكم به.

 

تسبيحُ الله في القرآن الكريم:

يتحدث السيد حسين الحوثي عن التسبيح في القرآن الكريم فيقول: جاء التسبيحُ لله سبحانه وتعالى واسعاً جداً {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الجمعة: من الآية1) {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الحشر1)، الملائكة كما حكى الله عنهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء:20)، ذكره القرآن الكريم بهذا الشكل من الاستنفار العام لكل المخلوقات أن تنطلق في تسبيح الله تعالى بلسان المقال، ولسان الحال.

معتبراً أن هذا: يدل على أهمية أن نتعقل التسبيح، ويدل على أهمية أن تملأ نفوسنا مشاعرُ التنزيه لله سبحانه وتعالى، وفي ذات السياق أشار إلى: (أن مَن يغفل عن هذه القاعدة سيقع في الضلال، تفسد عقائده، يؤمن بالباطل؛ فينسب إلى الله القبائح، ينسب إليه الفواحش، ينسب إليه الظلم! وهذا ما حصل عند كثير من البشر، يجعلون لله شركاءَ، يجعلون لله أنداداً، يجعلون معه آلهة! هذا ما حصل عند كثير من البشر، وهو حاصل عند كثير من المسلمين!).

وتطرق السيد حسين الحوثي إلى العقائد الباطلة التي انتشرت في أوساط المجتمع المسلم والتي تتنافى مع جلال الله وقدسيته وحكمته وعظمته، معتبراً أن سبب انحراف هؤلاء أن قلوبهم انعقدت على عقائد معينة استوحوها من أحاديث (مكذوبة) ولم يعودوا إلى القرآن الكريم بالمطلوب؛ لأن من عاد إلى كتاب الله سبحانه وتعالى فلن تفسدَ عقيدته ولن يضل.

ويحث السيد حسين الحوثي على التسبيح فيقول: (نحن نسبح الله في الصلاة أثناء القيام، نسبحه أثناء الركوع، نسبحه أثناء السجود، يعني ذلك: أنه يجب علينا أن نسبح الله سبحانه وتعالى في كُلّ أحوالنا، في كُلّ الأحوال التي تمر بنا نحن، عندما يحصل لك مرض شديد، عندما يحصل لك شدة من المصائب، أو من الفقر، أو من أية نكبة تحصل عليك، أو أية مشكلة تقع فيها يضيق بها صدرك)، معتبراً أن التسبيحَ يعطي الإنسان طمأنينة في نفسه، وفي المقابل يشير إلى أن (بعض الناس يسيء الظن بالله، وهذا حصل في يوم الأحزاب عند بعض المسلمين: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية10) عندما حاصرهم المشركون فحصل لديهم رعبٌ كما حكى الله عنهم في [سورة الأحزاب]: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} (الأحزاب:11) كما قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية10) بدأت الظنون السيئة، عندما يدخل الناس في أعمال، ونكون قد قرأنا قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج: من الآية40) فيمر الناس بشدائد إذا لم تكن أنت قد رسخت في قلبك عظمة الله سبحانه وتعالى، وتنزيه الله أنه لا يمكن أن يخلف وعده فابحث عن الخلل من جانبك: [أنه ربما نحن لم نوفر لدينا ما يجعلنا جديرين بأن يكون الله معنا، أو بأن ينصرنا وَيؤيدنا] أو أبحث عن وجه الحكمة إن كان باستطاعتك أن تفهم، ربما أن تلك الشدائد تعتبر مقدمات فتح، تعتبر مفيدة جداً في آثارها.

وفي ذات السياق قال السيد حسين الحوثي: (إذا كان الإنسان ضعيف الإيمان، ضعيف الثقة بالله، ضعيفاً في إدراكه لتنزيه الله سبحانه وتعالى قد يهتزُّ عند الشدائد، إما أن يسيء الظن في موقفه: [ربما موقفنا غير صحيح وإلا لكنا انتصرنا، لكنا نجحنا..] تحصل ربما، ربما.. إلى آخره، أو يسيء الظن بالله تعالى وكأنه تخلى عنا، وكأنه ما علم أننا نعملُ في سبيله، وأننا نبذل أنفسنا وأموالنا في سبيله: [لماذا لم ينصرنا؟. لماذا لم.. ؟].

مشيراً إلى أن: (الإنسان المؤمن يزداد إيماناً مع الشدائد: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران:173)؛ لأن الحياة كُلّ أحداثها دروس، كُلّ أحداثها آيات تزيدك إيماناً، كما تزداد إيماناً بآيات القرآن الكريم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} (الأنفال: من الآية2) كذلك المؤمن يزداد إيماناً من كُلّ الأحداث في الحياة، يزداد بصيرةً.

ومن خلال ما سبق يتساءل السيد حسين الحوثي كم هو الفارق بين من يسيئون الظن عندما تحصل أحداث، وبين من يزدادون إيماناً؟. وهي في نفس الأحداث، أليس الفارق كبيراً جداً؟، ولماذا هذا ساء ظنه، وضعف إيمانه، وتزلزل وتردد وشك وارتاب؟ وهذا ازداد يقيناً وازداد بصيرة وازداد إيماناً؟! هذا علاقته بالله قوية، تصديقه بالله سبحانه وتعالى، وثقته بالله قوية، تنزيهُه لله تنزيه مترسخ في أعماق نفسه، يسيطر على كامل مشاعره فلا يمكن أن يسيءَ الظنَّ بالله مهما كانت الأحوال، حتى ولو رأى نفسَه في يوم من الأيام وقد جثم على صدره [شمر بن ذي الجوشن] ليحتزَّ رأسه كالإمام الحسين (صلوات الله عليه).

وقال السيد حسين الحوثي: (حادثة كربلاء ألم تكن حادثة مؤلمة جداً؟ كانت كلماتُ الإمام الحسين فيها تدل على قوة إيمانه، كمال وعيه، كمال يقينه، بصيرته، كان همُّه من وراء كُلّ ذلك أن يكونَ لله فيه رضا، ما دام وفيه رضا لك فلا يهمني ما حصل. وهذه هي نفسية المؤمن، نفسية المؤمن هو أن ينطلقَ في أعماله يريد من ورائها كلها رضا الله، رضا الله هو الغاية، وإن وضع له أهدافاً مرحلية، وداخلية، هي ليست كُلّ شيء لديه، ليست كُلّ شيء لديه، فإذا لم يتحقق ذلك شك وارتاب، أن يجنّدوا أنفسَهم لمعركة ما مع أعداء الله ثم ينهزمون، أو يرون أنفسهم مضطرين إلى أن يتصالحوا صُلحاً مؤقتاً، فيرجعون بنفوس مرتابة لماذا؟. ألم نسمع أن الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: من الآية40).

 

المؤمنُ هدفُه الله وإعلاء كلمته وليس هدفاً شخصياً

ويؤكد السيد حسين الحوثي أن المؤمن هدفه هو أن يحصل على رضا الله، وأن يكسب رضا الله، وأن يكون في أعماله ما يحقق رضا الله، وأن النصر الذي يريده، النصر الذي ينشده هو نصر القضية التي يتحرك من أجلها، هي تلك القضية التي تتطلب منه أن يبذل نفسه وماله، فإذا كان مطلوباً منك أن تبذل نفسك ومالك فهل ذلك يعني بالنسبة لك نصراً مادياً شخصياً؟ الذي يبذل ماله ونفسه فيقتل في سبيل الله، هل حصل نصر مادي له شخصي؟ هو انتصر للقضية، هو حصل على الغاية التي ينشدها، حتى وإن كان صريعاً فوق الرمضاء، ألم يصبح شهيداً؟ حظي بتلك الكرامة العظيمة التي وعد الله بها الشهداء، دمه ودم أمثاله، روحه وروح أمثاله، أليست هي الوسيلة المهمة لتحقيق النصر للقضية؟.

وأوضح السيد حسين الحوثي أن (المؤمن لا ينظر إلى نفسه، النصر الشخصي، المقصد الشخصي، قضيته الخاصة، خِطته المعينة، موقفه الخاص، المسيرة هي المسيرة الطويلة: العمل على إعلاء كلمة الله، النصر لدين الله، في هذه المرة أو في المرة الثانية أو في المرة الثالثة، إن لم يكن على يديك أنت فقد يكون على يد آخرين ممن هيأتهم أنت، وهكذا.. حتى تنتصر، ولا بد أن يتحقق النصر.

ويعتبر السيد حسين الحوثي أن الشهادة في سبيل الله هي انتصارٌ أيضاً فقال: (وأنت منتصر أيضاً عندما تسقط شهيداً في سبيل الله، أنت منتصر أيضاً، أنت عملت ما عليك أن تعمله فبذلت نفسك ومالك في سبيل الله، فأن يرى المسلمون، أو يرى المؤمنون بعضَهم صرعى في ميادين الجهاد، كما حصل في يوم أحد، ألم يتألم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما رأى حمزة صريعاً؟ وصرع كثير من المجاهدين، ولكن هل توقف بعدها؟ لم يتوقف أبدأً، وإن كانت تلك خسارة أن يفقدَ أشخاصاً مهمّين كحمزة لكنه نصر للمسيرة، نصر لحركة الرسالة بكلها.. ولا بد في هذه المسيرة أن يسقط شهداء، وإن كانوا على أرفع مستوى، مثل هذا النوع كحمزة سيد الشهداء.

 

عواملُ النصر

وفي ذات السياق يقول السيد حسين الحوثي: في حالات الشدائد وهي الحالات التي يضطرب فيها ضعفاء الإيمان، يضطرب فيها من يفقدون نسبة كبيرة من استشعار تنزيه الله سبحانه وتعالى، الذي يعني تنزيهه عن أن يخلف وعده وهو القائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وفعلاً لو تتوفر عوامل النصر لدى فئة، تكون على المستوى المطلوب، ويوفرون أيضاً من الأسباب المادية ما يمكن أن يوفروه، لا شك أن هؤلاء سيحققون نصراً كبيراً، ولا يعني النصر: هو أن لا يتعبوا، أن لا يستشهد منهم البعض أو الكثير، ولا يعني النصر هو أن لا يحصل لهم من جانب العدو مضايقات كثيرة، ولا يعني النصر: هو أن لا يحصل منهم سجناء، إنهم مجاهدون، والمجاهد هو مستعد لماذا؟ أن يتحمل كُلّ الشدائد في سبيل الانتصار للقضية التي من أجلها انطلق مجاهداً، وهو دين الله.