الخبر وما وراء الخبر

على أطلال الألفية الثانية

24

ذمار نيوز || مقالات ||
[ 4 اكتوبر 2020مـ -17 صفر 1442هـ ]

د. فاطمة بخيت

في التاريخ البشري وعلى مدى تعاقب الأجيال جيلاً بعد جيل أحداث كثيرة ومتنوعة، تتشابه حيناً، وتختلف فيما بينها حيناً آخر وصولاً إلى عصرنا الحاضر الذي لو تأملنا ما يجري فيه من أحداث مأساوية ومعاناة، وقارناه مع غيره من العصور قد لا نجد شبيهاً له في أيّ عصر.
ومن أشد تلك الأحداث مأساوية العدوان الغاشم والحصار الظالم على بلدنا طيلة ستة أعوام، واستهدافها أرضاً وإنساناً.

ففي العصر الذي انعدمت فيه الإنسانية وبلغت أحط مستوياتها، وساد فيه الظلم وانتشر الفساد واستشرى في جسد الأمة، كان لهذا الشعب المستضعف النصيب الأكبر من ظلم الطغاة وجبروتهم، الطغاة الذين امتلكوا من العدة والعتاد والإمكانات ما كان يكفي لإبادة هذا الشعب وحسم عدوانهم في غضون أيام؛ لكن لأنّ العدالة الإلهية تقف دائماً في صف المستضعفين ضد المستكبرين فقد تغيرت الأوضاع، وأصبح المظلوم والمستضعف هو –بعون الله وتأييده- من يتحكم بسير المعركة ويمسك بزمام الأمور.

لقد ظن المعتدي كعادته أنّ امتلاكه للمال والسلاح والتكنولوجيا المتطورة هي الضمانة لحسم المعركة، وأن لا شيء قد يسلبه الفوز، ونسي قدرة الله على نصرة المستضعفين؛ لذا نراه يوماً بعد آخر يتمادى في ظلمه وغيّه، ويمعن أكثر في قتل الأبرياء، وخاصة كلما مني بهزيمة في ميدان ما من ميادين المعركة، ويحاول عبثاً صنع انتصارات هنا أو هناك.
وبقوة الله تحولت المعادلات وتبدلت الموازين، وأصبح ضعيفاً من يظن نفسه قوياً، وأصبح ذلك المستضعف قوياً يحقق الانتصارات على مختلف المستويات، ويصنع الأسلحة والصواريخ البالستية والطيران المسير، على رغم الحصار المطبق وشحة الإمكانات، إلا إنّها -وبقوة الله- أصبحت كالعصى في يد موسى تلقف ما يأفكون وتدمر ما يصنعون، حتى انقلب السحر على الساحر، وأصبح من كان يصيغ العنتريات بالأمس يستصرخ العالم اليوم عند كل هجمة جوية من قِبل الصواريخ البالستية والطيران المسير، بعدما كان كبرياؤه وغطرسته تمنعه من الاعتراف بها، ولكن تزايد الوجع كان فوق احتماله، وكتمان الصراخ فوق طاقته، فأصبحت صرخاته تُدوي على مستوى العالم، الذي يحاول عبثاً نجدته ومناصرته.

فكان لإيمان هذا الشعب بالله وتمسكه بهويته الإيمانية أثره الكبير في تحقيق الانتصارات وتحقيق التنمية على مختلف المستويات، ذلك الإيمان الذي أهله لأن يمنحه الله هذه القوة التي أصبح يهدد بها قوى الاستكبار الذين ظنوا بألا قوة على هذه الأرض فوق قوتهم. كما أصبح أمراء النفط الذين ظنوا بجهلهم وغبائهم أنّ نفطهم قادرٌ على شراء الانتصارات وحسم المعركة في أيام؛ يحصدون الهزائم والخيبات، وها هم اليوم يندبون خيباتهم على أطلال أكثر من ألفي يوم من العدوان.

ولا يبدو أنّهم سيأخذون العبرة مما حدث، بل سيدفعهم حمقهم للتمادي أكثر ليحصدوا المزيد من الهزائم والذل والخزي والهوان، والمزيد من الخسران الذي أصبح يلازمهم في شتى المجالات، والسقوط المدوي الذي جعلهم بلا قيمة أمام أعداء الأمة الذين لا يرون فيهم سوى بقراتهم الحلوب التي ستذبح بعد جفاف الحليب ليس أكثر.
وتلك هي النتيجة الطبيعية لمن تخلى عن دينه وقيمه ومبادئه من أجل عدوه، ليكون بذلك العميل الوحيد الذي باع نفسه مع دفع الثمن.