الخبر وما وراء الخبر

بماذا يميز الخبيث من الطيب؟

31

ذمار نيوز || مقالات ||
[ 4 اكتوبر 2020مـ -17 صفر 1442هـ ]

بقلم || عدنان الكبسي

في واقع الحياة لابد من أحداث ومواقف يتجلى فيها صدق الإنتماء ووفاء المبدأ وجدية التحرك، تحدث الزلازل ليتبين الثابت من المتردد، والصامد من المهزوز، تعصف بالإنسان عواصف عصيبة لترديه في الهاوية إذا لم يكن لديه قوة التحمل وصدق الإرادة وصلابة الموقف.

لم يكن الله ليترك عباده على ما هم عليه دون أن يبتليهم ليتبين الصادق من الكاذب، ويتميز الخبيث من الطيب، والابتلاء لا يكون إلا فيما يشق على النفس ويخالف الهوى، الابتلاء لا يكون إلا فيما يتعب الإنسان ويعرضه للمخاطر.
وبطبيعة الإنسان لا يهوى الشر ولا يعشق الباطل، بل يكره الشر ويمقت الباطل وينبذ الرذائل، فطرة الإنسان فطرة سليمة صحيحة صافية نقية، وإنما تأتي على الإنسان مؤثرات تأثر على نفسيته فتغير مواقفه، تطرأ عليه رؤى لتتحول إلى ثقافة فترسخها عقيدة فينعكس ذلك على الواقع العملي خيراً أو شراً.

وعلى كلٍ قد تأتي بعض الأعمال وإن كانت عظيمة منسجمة مع رغبة الإنسان وميول الهوى، لا تعب فيها ولا معاناة ولا تحتاج إلى تضحية بإمكانه أن يكون بارعاً فيها، قد يصلي ويحافظ على الصلوات في المساجد، قد يقتصر على بعض الأذكار، قد يصوم، يعني قد يهتم بجوانب معينة من التدين وقد يلتزم ببعض الأمور العبادية التي ليس فيها مخاطر.
البعض قد يرتقي شيئاً ما، وقد يقدم مواقف إيجابية، وقد ينشط في بعض الأمور الجهادية، لكن في الحد الذي لا مخاطر فيه.

بعض الإلتزامات قد يهتم بها البعض لأنها التزامات سهلة وبإمكان أي واحد أن يعملها حتى وإن كان خبيثاً، قد يتعلم البعض علوماً شرعية ليكون عالماً أو قاضياً وقلبه مليء بالخبث، قد يحضر الإنسان فعاليات أو وقفات أو مناسبات، وقد ينطلق في مهام أمنية أو توعوية أو اجتماعية أو قد يُنفق أو قد يجمع قافلة دعماً للمجاهدين، يعني قد يعمل أعمال لا تتعارض مع الميول النفسية هذه الأشياء بإمكان الخبيث أن ينشط فيها، لأنها ليست أعمال تشق على النفس.

ولكن {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}؛ هنا تبرز المصداقية مع الله في أحلك الظروف وأصعب المهمات، هنا يظهر الإيمان الصادق والإنتماء الحقيقي للدين الإسلامي والولاء الخالص لله سبحانه وتعالى.

الجهاد في سبيل الله أعلى تعبير عن المصداقية مع الله، خوض غمار الموت دلالة الإيمان الصادق، وبذل الروح والتضحية بالنفس أسمى وأرقى تعبير عن الحب لله والذوبان في الله ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)).

حتى لو أراد الإنسان أن يتظاهر بالإيمان والدين والتقوى والصلاح، وأن يتظاهر أحياناً بأنه من المجاهدين وأنه ولي الله وأنه عاملاً مع الله فهناك من فرائض الله نفسها من الأعمال نفسها ما يكشف الله به حقيقة عباده فيتضح من صادق الإيمان، يكون هناك تحرك للعدو وتصعيد للعدو أو عمليات مهمة يقوم بها المجاهدون، يكون هناك مواقف ووقائع وأحداث تفرض وتلزم كل مؤمن أن يحمل سلاحه ويتوجه جبهات العزة والكرامة مجاهداً في سبيل الله.

فلابد من الجهاد في سبيل الله لتثبت مصداقية الإنتماء الإيماني، يقول السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله: ( قال الله جل شأنه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15]. هم الصادقون، فلكي تكون من المؤمنين ولكي تثبت مصداقية انتمائك الإيماني لا بد من هذه الفريضة، هي جانب أساسي في التزاماتك الدينية والإيمانية، إذا شطبتها وتنصلت عنها وتهربت منها فهذا يدل على أنك لا تعيش حالة الإيمان، أن الإيمان لم يصل بعد إلى قلبك، ما الذي يدفعك إلى أن تتنكر لهذه الفريضة التي وردت بها أوامر الله وتوجيهات الله سبحانه وتعالى؟ ثم هي فريضة ذات أهمية كبيرة جداً، أولاً في مرتكزاتها الإيمانية لأنها هي التي من خلالها تتوفر العناصر الإيمانية اللازمة بما لا يتوفر في غيرها).

ولن يدخل الجنة من لم يجاهد في سبيل الله((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ))، هذه الآية واضحة جداً وصريحة، لا يكن في حسابكم، لا تظنوا بأنكم ستدخلون الجنة بدون جهاد، يستنكر على من يحسب أن بإمكانه أن يدخل الجنة بدون جهاد، لا يمكن، لا يمكن، ولا إيمان بدون بيع النفس والمال لله، والإستعداد الكامل للتضحية بالنفس في سبيل الله.
فبماذا يميز الخبيث من الطيب؟ بماذا يكشف لنا الخبيث من الطيب، في واقع الانتماء الإيماني؟.
أهم ما يُميز الناس اليوم هي الجبهات معدن الرجال ومصداقية الإيمان وصحة الولاء.

ينزعج الخبيث إذا سمع من يدعوه للتحرك إلى الجبهات فيصنع الأعذار ليتنصل عن مسؤوليته ويتجرد من هويته ((لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ))، فيحلف الأيمان المغلظة أنه مع المؤمنين ومع الوطن، وتتبخر المعية في مواجهة العدو.
والطيب نفسيته متعلقة بالجبهات يتمنى أن مقاتلاً في أي جبهة، بل ويظل مُطالباً بأن يتحرك ليرابط في سبيل الله.