قصةُ السيطرة الأمريكية على النفط العربي
في منتصفِ عام 1975م، أعدَّ الكونغرس الأمريكي خطةً لاحتلال آبار النفط في منطقة الخليج، وقد تمثلت الخطةُ بالاستيلاء على المنشآت النفطية؛ بحُجَّـةِ حمايتها، وترميم المعدات المتضررة، وتشغيل جميع المنشآت النفطية بصورة مباشرة معزل عن الحكومات الملكية الخليجية.
تَعتبِرُ الولاياتُ المتحدة الأمريكية أن النفط الخليجي حقٌّ أمريكي كما لو كان في إحدى ولاياتها، وفي سبيل ذلك تُعد الخطط والمؤامرات، وتخوض المعاركَ في المنطقة العربية، فيما تقوم دويلات الخليج بدفع تكاليف هذه الحروب الاستعمارية.
وتستند الرؤية الأمريكية في أحقيتها بالنفط العربي إلى عقيدةٍ صهيونية، فهم يعتبرون بأن اللهَ سبحانه وتعالى ارتكب خطأً حين وضع النفطَ والعربَ في منطقة واحدة، وأن عليهم أن يصلحوا هذا الخطأَ بإعادة النفط إلى اليهود والشعوب الغربية.
وقال جيمس أي أكينز، الذي عمل سفير للولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة السعودية، في سبعينيات القرن الماضي:
“عندما طلع علينا وزيرُ الخارجية كيسنجر بخطته لاحتلال حقول نفط الشرق الأوسط، سُئلتُ عمّا كان قد نُشر في مقالة بمجلّة (هاربر) من قبل كاتب مجهول اقترح على الولايات المتحدة احتلالَ حقول النفط العربية من الكويت وحتى دبي، مع إحضار موظفين من تكساس لتشغيل هذه الحقول لمدة الخمسين أَو السبعين سنةً القادمة إلى أن تجفَّ حقولُ النفط”.
أعدت السُّلطاتُ الأمريكية في أوائل السبعينيات خططاً مفصلةً؛ للاستيلاء على النفط العربي، عبر الشركات النفطية والتدخل العسكري المباشر. وتعود الرغباتُ الأمريكية في السيطرة على النفط العربي إلى الحرب العالمية الثانية، حين رفعت قيادةُ الأسطول الأمريكي مذكرةً للرئيس (فرانكلين روزفلت)، تتضمن اقتراحاً بالاستيلاء على حقول نفط شركة أرامكو في السعودية؛ باعتبَار أن الحصولَ على احتياطات نفطية خارج الأراضي الأمريكية أصبح من المصالح الحيوية للولايات المتحدة.
وفي 30 يونيو 1943، صادق الرئيسُ الأمريكي روزفلت على إقامةِ مؤسّسة الاحتياطات البترولية، التي ستتملك كامل امتيازات أرامكو في السعودية، وتم تعيينُ وزير الداخلية الأمريكي (هارولد آيكس) على رأس شركة أرامكو، وتعيين وزراء الحرب والأسطول والخارجية أعضاءً في مجلس إدارة شركة أرامكو، وتم عقدُ أول اجتماع لشركة أرامكو بتاريخ 9 أغسطُس 1943 بحضور نائب وزير الحرب (جون مكلوي).
لم يكن بوسع الولايات المتحدة الأمريكية احتلالُ الدول النفطية بوجود الاتّحاد السوفييتي الذي كان وجوده يشكل توازناً في الساحة العالمية؛ لذلك تمّ اعتماد خطة وزير الخارجية (هنري كسينجر) التي تقوم على خطوتين الخطوة الأولى إخضاع العالم العربي إلى النفوذ الأمريكي الصهيوني سياسيًّا واقتصاديًّا، والخطوة التالية الاستيلاء على منابع النفط عسكريًّا، وتحويل منطقة الخليج إلى بحيرة أمريكية.
في خطاب الأُمَّــة لسنة 1980، أعلن الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر)، ما عُرف فيما بعد بمبدأ كارتر، ويتلخص مبدأ كارتر بإمْكَانية استخدام القوة للسيطرة على نفط الشرق الأوسط، وقد علل كارتر ذلك بأن الدول الغربية تعتمد على بترول الشرق الأوسط؛ لضمان الدفاع الديمقراطية الغربية. ونتيجة لمبدأ كارتر كَونت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة التدخل السريع في الخليج العربي، وكذلك شكلت قيادة مركزية في المنطقة العربية، وشاركت هذه القوات الاستعمارية في العدوان على لبنان وحرب الخليج الأولى غزو العراق سنة 2003م.
وبناءً على مبدأ كارتر عملت الولايات المتحدة الأمريكية على إقامة بنية تحتية في الخليج من المطارات والموانئ ذات الاستعمال المدني والعسكري، وكذلك بناء المدن العسكرية في بقية الإمارات الخليجية وزيادة عدد الأساطيل العسكرية في الخليج، وهو الأمر الذي، حول منطقة الخليج إلى بحيرة أمريكية.
نفذ الأمريكان خطة كيسنجر، وفق ذرائعَ مختلفة، وسيناريوهات مُحكمة، واستمر التصعيد خطوة خطوة، حتى كانت حرب الخليج الأولى، ثم تطورت إلى الحظر الجوي والحصار، ثم الاحتلال الأمريكي المباشر لدول لمنطقة كالعراق وأفغانستان، وخَاصَّة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي دبرتها المخابرات الأمريكية. وقد تنبه السيد حسين بدر الدين الحوثي في وقتِ مًبكر لهذه المخطّطات.
اعتبر مدير وكالة الاستخبارات المركزية (جيمس ولسي) في محاضرة له في جامعة كاليفورنيا، بأن الحربَ الباردة ضد الشيوعية والاتّحاد السوفييتي كانت الحربَ العالمية الثالثة، وأن الحربَ الجديدة على ما يُسمى بالإرهاب والعالم الإسلامي هي الحربُ العالمية الرابعة، والهدف الرئيسي لهذه الحرب هو النفط والثروات العربية، وتغيير المعتقدات الدينية والثقافية ومحو الخصوصيات الحضارية الأصلية.
ترى الدوائرُ الأمريكية أن استخدامَ الدين في العالم الإسلامي وسيلةً مربحةً لتحقيق أهدافها بالقتال حتى آخر مسلم، كما كانت السياسةُ الانجليزية الحربَ حتى آخر مقاتل هندي. وهكذا وجدت الولاياتُ المتحدة الأمريكية أنه من غير المُكلف لها تحويلُ المسلمين إلى وقودٍ لهذه المعارك، وبأن يدفع المسلمون فاتورة دمارهم من أموال النقط العربي، ومع مجيء (دولاند ترامب) إلى الإدارة الأمريكية برزت السعودية بصورتِها أمام العالم كبقرةٍ حلوبٍ لأمريكا.
المسيرة / أنس القاضي