الخبر وما وراء الخبر

تعــز في المعادلة الوطنية !

77

بقلم/ عــبدالله عـلي صبري


ليس سراً القول أن مستقبل السلم الاجتماعي في اليمن مرهون بدور تعز في المعادلة السياسية التي يراد لها أن تتشكل على إيقاع طائفي بعد أن ترسخت ثنائية التجزئة على أساس جهوي بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب للأسف الشديد.
وبالتالي فإن احتدام العدوان والمعارك في ومن حول تعز ، غير منفصل عن المخططات الإجرامية التي تدفع نحو شرذمة وتجزئة المجزأ، وصب الزيت على النار في ما يتعلق بالحساسيات المناطقية والمذهبية بين أبناء البلد الواحد.
وقد كان اللقاء الذي جمع مؤخرا بين نخبة من أبناء تعز برئيس اللجنة الثورية العليا شفافاً إلى الحد الذي سمح بمناقشة المخاوف من مصير تعز وأبنائها إذا ظل عقلاؤها مغيبين عن الأدوار الوطنية التي اضطلع بها آباؤهم في الماضي القريب من تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، عندما كانت تعز مشعلا للحركة الوطنية في عموم البلاد، وحاضنة لمختلف التيارات السياسية على تضادها وتناقضاتها.
وقد كان خطاب الأستاذ محمد علي الحوثي أمام أبناء تعز حافلاً بالرؤى الوطنية التي يمكن البناء عليها باتجاه لملمة الجبهة الداخلية، وتوحيد الصف اليمني من جديد على أساس من التسامح والتعايش والقبول بالآخر، بعيدا عن غلبة القوة من أي طرف كان.
ومما لفت انتباهي في الخطاب أن الحوثي أكد بأن السلاح ليس حلاً، ولا يمكن إلغاء الآخر بالعنف وبالقوة، مستشهدا بالحروب الست التي شنت على صعدة، وأدت إلى نقيض أهدافها تماماً، حيث أصبحت جماعة الحوثي – أنصار الله- قوة شعبية كاسحة برغم أنها كانت مجرد أقلية مستضعفة، حين شن النظام السابق عدوانه عليها وعلى أبناء صعدة في 2004.
الحوثي أشاد في خطابه أيضا بمكانة تعز الثقافية وبدور نخبتها الكفؤة والمؤهلة، إضافة إلى الأدوار البطولية لأبنائها ومقاتليها في جبهات التصدي والصمود، وقد كان محقا في تقييمه الذي قد يغيب عن أذهان البعض في ظل الصخب الإعلامي المتزايد حول حصار تعز، فلولا انخراط أبناء تعز والتحاقهم بالجيش واللجان الشعبية، لكان الغزاة والمرتزقة قد تمكنوا من احتلال تعز كما فعلوا في عدن، وعليه فإنه مهما ظهر في الواجهة من سياسيين وإعلاميين تعزيين منخرطين في العدوان على اليمن، فهذا لا يلغي حقيقة أن غالبية أبناء تعز كانت وستبقى إلى صف الوطن.
وقد كان رئيس اللجنة الثورية محقاً وذكيا عندما ربط بين المثقف والقبول بالآخر، فالإنسان المتعلم والمؤهل هو الأقدر على استيعاب المختلف والتعايش معه في ظل قواسم مشتركة، وإلا تصبح الثقافة هنا مجرد إدعاء يدحضه الواقع. وإذا كان للسياسيين حسابات تجعل أحدهم يصبح مؤمناً ويمسي كافراً بالوطن، فإن المثقف الحقيقي يظل على اتساق مع المبادئ والثوابت التي تجمعه حتى بالمختلفين عنه في الموقع السياسي، ويغدو الوطن في ظلها أسمى المقدسات.
من تعز الحالمة نتطلع إلى انتصار كبير لشعبنا يدحر الغزاة والغلاة والطغاة، وبقدر ما تكون تعز حاضرة في المعادلة الوطنية بقدر ما تكون وحدة واستقرار الوطن في الشمال وفي الجنوب.