الخبر وما وراء الخبر

في ظل كورونا وحصار خانق.. المنظمات الأممية تقطع المساعدات عن القطاع الصحي

20

لا يمر أسبوع على الحد الأقصى دون أن تصدر المنظمات الدولية سواء المحسوبة على الأمم المتحدة أو العاملة في المجالات الإنسانية، بيانات تحذر في مضمونها من خطورة الوضع الإنساني في اليمن، نتيجة انتشار الاوبئة وتدهور الوضع الصحي والإنساني في اليمن، سيما في ظل الحصار المفروض على اليمن.

وغالباً ما تؤكد تلك المنظمات في جميع بياناتها على ضرورة تقديم المزيد من الدعم للحد من تدهور الأوضاع الصحية والانسانية في اليمن، مستعرضة الكثير من البرامج الإنسانية والاغاثية التي تعتزم تنفيذها في اليمن للحد من تأزم الأوضاع.

وعلى الرغم من ضئالة ما تقدمه المنظمات الدولية من احتياجات ضرورية للقطاع الصحي والعمل الإنساني في اليمن مقارنة بحجم الاحتياج الفعلي وكذا حجم المنح التي تتلقاها تلك المنظمات، الا أن المنظمات التي كانت تدعم القطاع الصحي في اليمن أعلنت الانسحاب وقطع الدعم المخصص تحت ذريعة عدم توفر الامكانات المالية .

ويأتي هذا الانسحاب المقصود في ظل امعان دول العدوان الامريكي السعودي على الاستمرار في حصار اليمن ومنعها دخول سفن المشتقات النفطية.

وزير الصحة العامة والسكان الدكتور طه المتوكل أكد أن هذه الخطوة تأتي في ظل استمرار تحالف العدوان وإمعانه في زيادة معاناة الشعب اليمني متهما تحالف العدوان بالوقوف وراء انسحاب المنظمات الدولية من دعم القطاع الصحي في اليمن .

وقال ان المنظمات الداعمة للقطاع الصحي أوقفت بالفعل حوافز الأطباء و الكادر الصحي العامل في المستشفيات ” ؛مؤكداً أن قرار انسحاب المنظمات من دعم القطاع الصحي هو قرار سياسي بالأساس .

وحمل الدكتور المتوكل المنظمات الدولية المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع الصحي وزيادة حالات الوفاة خاصة بين مرضى الأمراض المزمنة نتيجة استمرار العدوان والحصار ومنع دخول المشتقات النفطية .

وطالب المنظمات الحقوقية في العالم إلى رفع الصوت عاليا تجاه مظلومية الشعب اليمني ومعاناته جراء استمرار العدوان والحصار .

من يتحمل المسؤولية؟

وعلى الرغم من محاولات منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الدولية تبرير انسحابها من اليمن او تفليص حجم برامجها، بذريعة نقص الدعم المقدم لها، الا أن ذلك لا يعفيها من المسؤولية بل ومن المشاركة الفعلية في تأزيم الاوضاع الإنساني في اليمن، وذلك لأسباب عدة اولها سكوتها طيلة 6 سنوات من العدوان على اليمن عن حجم الأضرار الناتجة عن اغلاق مطار صنعاء الدولي، ومنع التحالف من فتح الجسر الطبي والذي كان سيساهم الى حد كبير في التخفيف من معاناة المرضى فضلا عن تخفيف حجم الضغط على المستشفيات اليمنية.

أما ثاني الأسباب الرئيسية فيتمثل في قيام حكومة المرتزقة بقطع رواتب الموظفين بمن فيهم الاطباء والممرضين، ناهيك عن عدم قيام مركزي عدن بصرف المخصصات المالية الخاصة بالمستشفيات الحكومية والتي جرى استقطاعها منذ الشهر الأول من عملية نقل البنك المركزي الى عدن.

وقد ظلت المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة في موقف “الشيطان الأخرص” ازاء مثل هذه الممارسات.

وبدلاً من الزام بنك عدن بتسليم الرواتب والمخصصات المالية للمستشفيات، نجد أن منظمة الصحة العالمية قد سارعت الى الزام نفسها بصرف حوافز لعدد بسيط من العاملين الصحيين ناهيك عن توفير بعض الاحتياجات الطبية للمستشفيات، لتعلن اليوم تملصها عن كل ذلك، تاركة القطاع الصحي يواجه مصيره في ظل حصار جائر وتخاذل أممي واضح.

ثالث الاسباب التي تجعل من المنظمات الدولية شريكاً في الحرب على اليمن، يتمثل في التدرج المنظم لعملية قطع المساعدات، فلم يكن انسحاب المنظمات الداعمة للقطاع الصحي سوى حلقة من سلسلة متواصلة من الاجراءات التي تتبعها المنظمات الدولية لقتل الشعب اليمني.

ففي ابريل الماضي قرر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تخفيض المساعدات الإنسانية المقدمة إلى المناطق المحررة في اليمن إلى النصف، معللا ذلك بوجود أزمة في التمويل.

وبدءا من منتصف شهر أبريل، ستستلم عائلات يمنية المساعدات الإنسانية كل شهرين، بعد أن كان ذلك يتم على نحو شهري.

ويزعم برنامج الغذاء العالمي تقديمه الطعام لأكثر من 12 مليون يمني شهريا؛ منهم 80 بالمئة ممن يعيشون في المناطق اليمنية التي لا تخضع لسيطرة تحالف العدوان الامريكي السعودي، الا أنه وبحسب اجراءه الجديد اصبح لا يقدم سوى نصف طعام للأرقام الزائفة التي قدمها ، بينما على الواقع يتضح أن اغلب تلك الاعداد من المستفيدين من مساعدات البرنامج لم تتلقى اي سلال غذائية منذ ما يزيد عن اربعة أشهر.

وثمة حقيقة باتت واضحة اليوم وهو أن النظام الصحي في اليمن سيكون حاله كحال المساعدات الغذائية، ما يؤكد وجود مخطط فعلي يستهدف قتل أبناء الشعب اليمني، وهو ما يتضح كذلك من خلال قطع الولايات المتحدة للمساعدات بحجة أن تبرعاتهم كانت تُعرقل ويجري تحويلها إلى مناطق خاضعة للحوثيين بحسب وصفهم، وهذا ما يفسر بكل وضوح سبب تقليص بعض المنظمات الدولية دعمها للمشاريع الانسانية وللقطاع الصحي وانسحاب البعض الاخر.

حجم الاضرار والكارثة الإنسانية

ووفقًا لتحليل مشترك من قبل منظمة أطباء لحقوق الإنسان (PHR) ومجموعة مواطنة لحقوق الإنسان فأن انهيار نظام الرعاية الصحية في اليمن كان عاملاً مساهماً رئيسياً فيما وصفته الأمم المتحدة إنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يعتمد ثلثا السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات للبقاء على قيد الحياة وانتشار الجوع، وتفشي الكوليرا، و الخناق ” الديفتيريا”.

ووثقت مجموعة مواطنة 35 هجومًا جويًا شنته قوات التحالف على المستشفيات والعيادات ومراكز التطعيم، والتي تقول إنها “دليل على تجاهل [التحالف] للحالة “المحمية” لهذه المنشئات وعدم الرغبة أو عدم القدرة على الامتثال لمبادئ التمييز نسبيا “.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر من جانبها سبق وأن حذرت من خطورة الوضع الصحي في اليمن الذي ينذر بكارثة انسانية مع خروج أكثر من نصف المستشفيات والعيادات الطبية عن الخدمة بسبب استمرار الحصار السعودي.

واعتبرت المنظمة الدولية أن السبب الأساس في انهيار المنظومة الصحية في اليمن هو الحصار السعودي الذي شل عمليات الاستيراد للأدوية والإمدادات الطبية الضرورية.

وأكد تقرير صادر عن وزارة الصحة العامة والسكان أن مؤشرات انهيار النظام الصحي في اليمن، تمثلت في تدمير طيران العدوان بصورة مباشرة لأكثر من 469 منشأة صحية وخسائر بعشرات المليارات من الدولارات للقطاع الصحي.

ولفت إلى أن الحصار تسبب في تعذر صيانة 97 بالمائة من الأجهزة والمعدات الطبية التي انتهى عمرها الافتراضي، وقد تتوقف في أي لحظة، نتيجة الحصار وعدم السماح باستيراد التقنيات لصيانتها أو تبديلها بأجهزة حديثة.

وأوضح التقرير أن انهيار القطاع الصحي يتجلى أيضاً في عدم حصول أكثر من 48 ألف موظف في القطاع على المستوى المركزي والمحلي على مرتباتهم وكذا انقطاع الكثير من الأطباء والموظفين جراء النزوح والظروف الاقتصادية إلى جانب توقف منشآت ومغادرة ما نسبته 95 بالمائة من الكادر الطبي الأجنبي، ما تسبب بعجز في الكادر.

وبيّن التقرير أن عدد الإصابات بالكوليرا بلغ اثنين مليون و326 ألف و568 شخصاً، قضى منهم ثلاثة آلاف و786 شخصاً، فيما أصيب 34 ألفاً و520 حالة بالحصبة، قضى منها 273 حالة، وبلغ عدد حالات الإصابة بالملاريا اثنين مليونين و 377 ألف و142 حالة، قضى منها 85 حالة.

ووفقاً للتقرير بلغ عدد المصابين بمرضى الدفتيريا خمسة آلاف و517 مريضاً، قضى منهم 338 حالة، فيما أصيب 154 ألف و 556 بحمى الضنك، قضى منها 432 حالة، وبلغ عدد الحالات المصابة بالأمراض التنفسية ومنها انفلونزا H1N1 25 ألف و533 حالة، قضى منها 564 حالة.

وبين تقرير وزارة الصحة أن الحصار الاقتصادي، أدى إلى زيادة معاناة المواطنين جراء سوء التغذية، حيث أن هناك أكثر من 21 مليون مواطن، بحاجة لمساعدة إنسانية حسب التقارير الأممية، وأكثر من تسعة ملايين مواطن يشرفون على الدخول في مرحلة المجاعة حسب تصنيفات برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة “الفاو“.

وأشار إلى أن مليوني طفل يعانون شكلاً من أشكال سوء التغذية ونصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية الشديد الذي يقترب من الوفاة .. لافتا إلى وفاة طفل كل 10 دقائق لأسباب يمكن الوقاية منها حسب منظمة اليونيسف.

وأكد وفاة 265 ألف طفل في العام بأسباب أحد الأمراض الخمسة “الإلتهاب الرؤي، الإسهال ، الحصبة، الملاريا، سوء التغذية”، عوضا عن عدم توفر حضانات في كثير من المستشفيات الريفية والطرفية والمركزية والمرجعية.

وأفاد التقرير أن نحو 18 مليون مواطن يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 8,4 مليون مواطن يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد ويصنّفون عالمياً في المرحلة الخامسة مرحلة المجاعة ” مرحلة الكارثة الإنسانية“.

ووفقا للتقرير هناك 2.6 مليون طفل دون الخامسة مصابون بسوء التغذية من أصل 5.5 ملايين طفل بنسبة 47 بالمائة، منهم 500 ألف طفل مصاب بسوء التغذية الحاد الوخيم.

ولفت التقرير إلى أن 86 بالمائة من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من أحد أنواع فقر الدم و46 بالمائة منهم يعانون من التقزم وهناك 80 ألف طفل مصابون باضطرابات نفسية بسبب أصوات الطائرات وإنفجارات الصواريخ.

وحسب التقرير يموت كل ساعتين ستة مواليد بسبب تدهور خدمات الرعاية الصحية و65 طفل دون الخامسة من أصل ألف طفل يموتون بسبب نوع من أنواع الأمراض.

تدهور الوضع وانسحاب المنظمات

وليس بخفي على أحد حجم المعركة التي يخوضها العالم ضد جائحة كورونا والتي دفعت رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية، عبدالنصير ابوبكر، الى اطلاق تحذير من خطورة تفشي وباء كورونا المستجد في اليمن وسوريا،

ويتزامن اعلان الإنسحاب مع تأكيد منظمة الصحة العالمية الأربعاء الفائت، أن 4300 مريض بالفشل الكلوي في اليمن يعانون نقصا حادا في الأدوية والمستلزمات الأساسية فضلاً عن توقف عدد من مراكز الغسيل بسبب انعدام المشتقات النفطية، سيما في ظل الحصار الذي تفرضه قوات التحالف على السفن النفطية.

وقالت المنظمة، في تقريرها، إن مراكز غسيل الكلى في اليمن، “تعاني نقصا حادا في الإمدادات الأساسية والتشغيلية مثل الأدوية والوقود، فضلا عن نقص الأموال اللازمة لدفع أجور العاملين الصحيين بانتظام”.

وسعت المنظمة الأممية الى التبرير لنفسها عن سبب تقليص حجم مساعدتها الطبية بالتلميح الى نقص تمويل الاستجابة الإنسانية في اليمن في ظل انهيار المؤسسات العامة.. مؤكدة أنه لا تزال هناك حاجة ملحَة لإنقاذ حياة الفئات الأكثر ضعفا ولتلبية الاحتياجات الماسّة لمرضى الفشل الكلوي”.

ويؤكد عبد الوهاب النهمي، مسؤول الأمراض غير المعدية بمنظمة الصحة العالمية في اليمن إن “الوصول المحدود لجلسات غسيل الكلى والعلاج يعرض حياة المرضى المستضعفين للخطر وسيؤدي إلى نتائج مُهلكة، ناهيك عن المعاناة التي يمرون بها وأسرهم بسبب نقص العلاج”.

وأوضح أن 9ر17 مليون يمني من إجمالي عدد السكان البالغ 30 مليونا بحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية، في حين أن نصف المرافق الصحية فقط تعمل بشكل كامل في البلاد.

دعوات انسانية

سلطانة بيجُم، من المجلس النرويجي للاجئين في اليمن قالت من جانبها: “ليس هذا الوقت المناسب لكي يقطع العالم مساعداته عن الناس المحتاجين في اليمن. مؤكدة أن ينبغي على العالم أن يُزيد من استجابته للدعم المقدم لليمن ليكون قادرا على التعامل مع فيروس كورونا المستجد.

ويواجه العاملون في مجال المساعدات المجتمعية اليوم معضلة مخيفة: فهم يعلمون أن قطع الإمدادات سيزيد الخسارات في أرواح الناس وسيعمق المعاناة، لكنهم أيضا يقولون إن أشخاصا يموتون بالفعل عندما تمنع عنهم مساعدات إنسانية أساسية أو يُحول مسارها.

ومع انهيار المنظومة الصحية يحذر المراقبون من استفحال المأساة في حال لو قدر الله دخل وباء كورونا الى اليمن مما سيفاقم الوضع خاصة في ظل اصرار دول العدوان على فرض الحصار وتكثيف الغارات على اليمن.

ويرى الكثير بأن اليمن يحتاج إلى إغاثة عاجلة وطارئة والاهم من ذلك هو بحاجة الى وقفة جادة من اجل وقف العدوان على البلاد وارغام السعودية على اطلاق السفن النفطية والغذائية المحتجزة لديها .