معــركةُ البيضاء وانهيارُ أكبر قاعـدة لداعش والـقاعـدة
ذمار نيوز || تحليلات ||
[26 اغسطس 2020مـ -7محرم 1442هـ ]
كتب/ عـبدالله علي صبري
يمَــثِّــلُ الانتصارُ الكبيرُ الذي حقّقته القواتُ المسلحةُ مؤخّراً في جبال قيفة بمحافظة البيضاء، منعطفًا مُهِمًّا في التحدي الوجودي لتنظيمَي القاعدة وداعش والعناصر الإرهابية المرتبطة بهما، ومَن كان يدعمها ويراهنُ عليهما من القوى الداخلية والخارجية. فبالإضافة إلى تهاوي التنظيمات الإرهابية وخسارتها لأكبر معقل لها في اليمن، فإِنَّ هامشَ مناورتها، وما تقدِّمُه من خدماتٍ في إطار الأجندة الأمريكية، قد تقلَّصا على نحوٍ كبيرٍ، ولولا استمرارُ تحالف العدوان في حربه على اليمن، واحتلالُه لعدد من المحافظات والمناطق في جنوب البلاد، لأمكن القول إن العمليةَ الأخيرةَ للجيش واللجان الشعبيّة قد قضت بشكل نهائي على تنظيمَي القاعدة وداعش، وعلى أحلام الإرهابيين في التمكين وإخضاع المجتمع اليمني لإمارة السُّوء، ودولة الخرافة المعشعشة في أذهانهم.
في البدء كانت كتاف للقاعدة وعناصرها الإرهابية في اليمن تاريخٌ مخضَّبٌ بالعنف وبالدم وبالتكفير، منذ عودة ما كان يسمى بالمجاهدين في أفغانستان مطلع تسعينيات القرن الماضي، وبعد أن استغنت الاستخباراتُ الأمريكيةُ عن خدماتِ الغالبية منهم، وقد انهار الاتّحادُ السوفييتي، والشيوعية العالمية.
ومع ذلك فقد جرى توظيفُ هذه العناصر في إطار أجندةٍ محلية، وتحت نظر الدوائر الأمريكية، كما حدث مع العناصر اليمنية التي انخرطت في حرب صيف 1994م، إلى جانبِ قواتِ نظامَي صالح والإصلاح ومليشياتهما.
غير أن أكبرَ توظيف سياسي للإرهابيين ومليشياتهم، حدث مع حروب صعدة، وما رافقها من خطابٍ طائفي مقيتٍ، إلى أن أمكن لأنصار الله بسطُ السيطرة على محافظة صعدة، في إطار الثورة الشعبيّة في فبراير 2011م، التي حملت معها فرصةً للتقريب بين القوى السياسية ومختلف مكونات المجتمع، في إطار التغيير المنشود، الذي اصطدم في الأخير بالنفوذ السعودي، ودوره الضاغط على قوى النفوذ الفاعلة حينها.
ومع أواخر 2013م، وقبل أن يُسدَلَ الستارُ على مؤتمر الحوار الوطني، فجَّرت قوى النفوذ تلك حرباً كبرى على صعدة وأنصار الله بزعم نُصرة أهل السُّنة والسلفيين في منطقة دماج، المحاذية لمدينة صعدة، وشهدنا حينها كيف تقاطر الآلاف من العناصر الإرهابية من داخل وخارج اليمن إلى صعدة وجبالها، وكيف فتحت السعوديةُ حدودَها وأرصدتَها لدعم الجماعات الإرهابية، الذين أمكن لهم تشكيل أكبر قاعدة لعناصرهم في الجزيرة العربية، وربما في المنطقة؛ بهَدفِ إخضاع أنصار الله وكسر شوكتهم، بعد أن برزوا كفاعلٍ سياسي كبير في مؤتمر الحوار.
إلا أن غُبارَ المعارك التي اشتدت ضراوتُها في 2014م، انقشع عن هزيمةٍ كبرى مذلة وغير مسبوقة للإرهابيين في كتاف -كبرى مديريات محافظة صعدة- وفي دماج، ثم في منطقة خمر بمحافظة عمران، حيث تمركز نفوذُ مشايخ قبيلة حاشد، وعلى رأسهم أولاد عبدالله بن حسين الأحمر.
وإذ توالت هزائمُ الإرهابيين وقوى النفوذ السياسية والقبلية المرتبطة بها، فإنها عاودت للعمل في جنح الظلام، عبرَ عمليات إرهابية كبيرة شهدتها العاصمةُ صنعاء، بلغت ذروتَها مع تفجيرات مسجدَي بدر والحشحوش الدامية في 20 مارس 2015م، ليعلُنَ قائدُ الثورة السيد عبدالملك الحوثي عن النفير العام لمواجهة الإرهاب، وتدمير أوكاره في مختلفِ ربوعِ البلاد، الأمر الذي أثار حفيظةَ داعش الكبرى، فأعلنت بنفسِها عن مباشرة العدوان والتدخل العسكري في اليمن، على النحوِ المعروف.
العدوانُ في خدمة القاعدة والإرهاب
بإعلانِ ما يسمى بعاصفة الحزم، تنفست التنظيماتُ الإرهابية في اليمن الصعداء، إذ كانت اللجانُ الشعبيّة قد نكَّلت بها في الجوف وفي رداع، وحاصرتها في تخوم مأرب، وانتقلت إلى مواجهتها في عدنَ وأبين، فكشفت بذلك عن هشاشة الإرهاب وعناصره، إنْ هم جابهوا قتالاً حقيقياً، ودون مساندة لوجستية من الأيادي الداخلية والخارجية التي تحَرّك أنشطتَهم، وتوجّـه عملياتِهم الإرهابية.
ففي الأيّام الأولى للعدوان، وبضوءٍ أخضرَ أمريكي وسعودي، أمكن للقاعدة السيطرةَ على مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، وبقي هذا الحالُ لأكثرَ من عام، دون أن يحركَ الأمريكان وتحالفُ العدوان ساكناً، وهو ما أكّـد حقيقة أن القاعدة صناعة أمريكية.
وبالموازاة، جرى تجنيدُ الآلاف من العناصر الإرهابية، ضمن التشكيلات والمجاميع المسلحة، التي استأجرتهم السعودية والإمارات في عدوانها على اليمن، وزجت بهم على نحوٍ مهين في الدفاع عن الحد الجنوبي للمملكة كجنود مأجورين. وقد تجلت أبشعُ صور الارتزاق حين اختلطت دماءُ السعوديين والإماراتيين وداعش والقاعدة وبلاك ووتر وامتزجت ببعضِها، في أكثرَ من عملية ناجحة للقوة الصاروخية اليمنية.
لم تكتفِ القاعدةُ والمجاميعُ الإرهابية بالسيطرة على المكلا، وبالمشاركة في الحرب العدوانية إلى جانب قوى الغزو الخارجي والارتزاق الداخلي، لكنها كشَّرت عن أنيابها، حين أرادت “داعش” –الوجهُ الآخرُ للقاعدة- الإعلانَ عن نفسها في اليمن، من خلال عمليةٍ إجرامية متوحشة، بحق 25 أسيراً، أقدمت على قتلهم وإعدامِهم بطريقة هوليودية، تهدفُ إلى الترويع والانتقام. وقد بَثَّ التنظيمُ في 5 ديسمبر 2015م، تسجيلاً مرئياً لهذه العملية بعنوانِ “ثأر الكُماة”، وبتصوير سينمائي عالي الدقة والحرفية، لمدة خمسَ عشرةَ دقيقةً.
وحسبَ مشاهد الفيديو الذي جرى تداوُلُه بشكل سريع وواسع على مختلف وسائل الإعلام، فقد تم إعدامُ تسعة أشخاص ذبحاً بالسكاكين بعد تكتيفِهم من الخلف، فيما تم إعدامُ ستة آخرين بوضعِهم في قاربٍ مفخخٍ في البحر وتفجيره عن بُعدٍ. وتضمنت مشاهدُ التسجيل المرئي، وضعَ ستة أشخاص في منطقة جبلية وإطلاقَ صاروخ عليهم، بالإضافةِ إلى تفجير عُبْوات وُضِعَت في صدور أربعة أشخاص.
ولم تمضِ بضعةُ أشهر حتى أقدمت مجاميعُ إرهابية مسلحةٌ على ارتكاب جريمة تطهير عِرقي بحق المدنيين في محافظة تعز، ففي يوليو 2016م، كانت قريةُ الصراري مسرحاً لجريمة حرب يندى لها جبينُ الإنسانية، حين أقدمت هذه العناصرُ على اقتحام القرية بعد أن حاصرتها لأكثرَ من أسبوعين متتاليين، فأعملت في أهلها –وجُلُّهم من آل الرميمة والجنيد– قتلاً وتهجيراً وخطفاً، وامتدت أياديهم الآثمةُ إلى المساجد والأضرحة والقبور، فنبشتها وفجّرتها. كما أضرموا النارَ على عشرات المنزل، دونَ رأفة أَو رحمة حتى بالأطفال والنساء.
التموضُعُ المستقبليُّ للإرهابيين
وبالانتصار الأخير للجيش واللجان الشعبيّة على المجاميع الإرهابية التي تمركَزت طوال الفترة الماضية في محافظة البيضاء؛ بغيةَ انتظار الفُرصةِ المناسبة للهجوم على صنعاء، تكونُ محافظاتُ الشمال الخاضعةُ لحكومة الإنقاذ قد تأمَّنت بشكلٍ كبير من خطر الإرهاب وعملياته العسكرية والأمنية، ويتبقى دورُ المؤسّسات الثقافية للتوعية بخطر الأفكار والمفاهيم التي ترفع راية الإسلام، فيما الإسلامُ منها بُراء.
وكما أن تداعياتِ هذه العملية الناجحة، لن تقفَ عند حدود محافظة مأرب، التي تواجدت فيها القاعدةُ منذ وقت مبكر، في إطارِ خدمة قوى النفوذ ولُصُوص النفط، وتقاسم المصالح فيما بينهم، الأمر الذي قد يجعلُهم ومليشياتِ الإصلاح أكثرَ استماتةً في الدفاع عن مأرب، إنْ لم يتداركْ بقيةُ عقلاء مأرب الأمرَ، ويجنحون للسلم والمصالَحة الوطنية.
على أن معركة مأرب لن تكونَ الأخيرةَ مع المجاميع الإرهابية، التي وإن كانت تعيشُ حالةً من الانهيار، إلا أن عناصرَها أقدمت على ارتكاب جريمتين متشابهتين في محافظتَي تعز والبيضاء، حين قامت بإعدام طبيبين يمنيين –كُــلٌّ على حدة- بطريقة استعراضية مقززة وهمجية في آن، الأمر الذي يهدفُ إلى رفع معنويات تنظيم القاعدة إثر سلسلةِ الضربات الموجعة التي لحقت بعناصره وقياداته.
كما إن تحالفَ العدوان السعودي الأمريكي، ليس في وارد التفريط في هذه المجاميع الإرهابية بسهولة، وكما إن محافظات الجنوب باتت أرضاً مستباحة لقوى الغزو والاحتلال، فإن الإرهابيين لن يجدوا صعوبةً في إعادة ترتيبِ صفوفهم وأوراقهم من جديد، كما فعلوا مراتٍ كثيرةً من قبلُ.
أما إذَا عرفنا مدى فاعلية التدخلات الخارجية في تحريك مِلَفِّ القاعدة وداعش بالداخل اليمني، في الماضي كما في الحاضر، فلا نستبعدُ أن تنخرِطَ الفصائلُ والمليشياتُ المسلحة والإرهابية، في صراعِ “البقاء للأقوى”، على غرار ما حدث للتنظيمات الإرهابية في سوريا، وقبل إعلان الانهيار الرسمي لداعش في العراق.
بل إن هذه الجماعاتِ قد انخرطت فعلاً في مواجهات من هذا القبيل، وخَاصَّةً في محافظة تعز، كما أن الاغتيالاتِ السياسية التي شهدتها محافظةُ عدنَ في السنوات الأخيرة، لا تخرُجُ عن بصمة القاعدة، ومنهجية تصفية الحسابات بين الأطراف المتورطة في الإرهاب، على النحو الذي عرفته صنعاءُ إبان مؤتمر الحوار الوطني، وقبيل ثورة 21 سبتمبر 2015م، وهذا يعني أنها –أي التنظيمات الإرهابية- مؤهلةٌ للمزيد من الاشتباك، سواءً في إطار ما يسمى بحرب الرمق الأخير، أَو تحت أجندة خارجية، تصُبُّ في مصلحة قوى الاحتلال، وتقودُ إلى تمكينِها من ثروةِ اليمن ونفطها والمواقع الاستراتيجية لبلادنا.
وهذا يعني أَيْـضاً أن معركةَ القوى الوطنية مع الإرهاب، غيرُ منفصلة عن مهمَّةِ الدفاع المقدَّس وتحريرِ كُـلِّ شبر من الأراضي اليمنية المحتلّة.