نشوة الإمارات من قمر صناعي صنع في أمريكا وأطلق من اليابان
ذمار نيوز || تقارير ||
[28 يوليو 2020مـ -7 ذي الحجة1441هـ ]
الوقت التحليلي- أعلنت الإمارات في الأيام الأخيرة عن إطلاق قمرها الصناعي “مسبار الأمل” من اليابان إلى المريخ. ووفقًا لهذا الإعلان، يجب أن يجتاز هذا القمر الصناعي مسافةً حوالي 493 مليون كيلومتر إلى المريخ، ووفقًا للحسابات من المقرر أن يدخل مدار الكوكب الأحمر في فبراير 2021.
ولكن بعد هذا الحادث، بدأ جو إعلامي خاص حول هذه الخطوة الإماراتية في بعض الشبكات الاجتماعية، وقارن بعض المتحدثين بالفارسية برنامج الفضاء الإماراتي والإيراني بنکهة تحقير الإيرانيين، وقدموا الإمارات على أنها أكثر تقدمًا بكثير من جمهورية إيران الإسلامية في هذا المجال.
للدخول في هذه المناقشة، من الأفضل أولاً التعرف على مشروع “مسبار الأمل” الإماراتي، لمعرفة مدى التقدم العلمي والتكنولوجي الخاص بالفضاء في هذا البلد.
بدأ مشروع إرسال قمر صناعي مجهز بأنظمة البحث إلی مدار الكوكب الأحمر رسميًا في الإمارات في عام 2014، وعُرِّف “مركز محمد بن راشد للفضاء” كمقاول رئيس له.
من حيث المواصفات العامة، تجدر الإشارة إلى أن قمر “مسبار الأمل” الإماراتي يزن 1350 كجم وقت الإطلاق، 550 كجم منه هو الوزن الصافي للقمر الصناعي نفسه، والباقي هو وزن الوقود.
وبالإضافة إلى الوقود، سيستخدم القمر الصناعي الألواح الشمسية للتزوُّد بالطاقة خلال فترة عمره التي تستمر عامين، کما صنع هذا القمر الصناعي من الألمنيوم والمواد المركبة.
ويبلغ قطر هوائي الاتصال في القمر الصناعي حوالي 1.5 متر، وهو المسؤول عن إرسال الإشارات إلى الأرض. وقد أعلنت دولة الإمارات عن التكلفة الإجمالية للمشروع بـ 200 مليون دولار.
ولكن على الرغم من استثمارات الإمارات الضخمة في تطوير القدرات الفضائية في السنوات الأخيرة، فمن الواضح أن إرسال قمر صناعي إلى مدار حول كوكب المريخ يتجاوز قدرة هذا البلد، ومن الواضح أيضاً أنها لن تكون قادرةً على الوصول إليه بشکل محلي لفترة طويلة.
ولذلك، مع القليل من البحث والتدقيق حول مشروع مسبار الأمل الإماراتي، يتضح جلياً أن مركز محمد بن راشد للفضاء وخبراء الإمارات لم يتخذوا أي إجراء خاص في هذا المشروع، بل إنها جامعة “كولورادو” في مدينة “بولدر” وجامعة “بيركلي” في كاليفورنيا وجامعة “أريزونا” الحکومية – كلها من أمريكا- التي كانت من المصممين والمنفذين لهذا المشروع.
والأكثر إثارةً للاهتمام هو أن هذا القمر الصناعي لم يصنع في الإمارات، بل في موقع جامعة بولدر وتم بناؤه عملياً من قبل خبراء أمريكيين، وكان الخبراء الإماراتيون حاضرين في الأغلب في دور المراقبين والمتدربين. نقطةٌ تظهر أن الجامعات الأمريكية المشهورة في مجال الفضاء، حاولت عمليًا إقناع المشيخات الإماراتية بالاستثمار بكثافة في هذا المشروع، وإطلاق أحد مشاريعها المهمة، والمضي قدماً ببرامجها العلمية على نفقة هذا البلد الصغير، واختبار فرقها الخاصة بالشؤون الفنية والتصميم في موضوع معين.
ثم تم نقل هذا القمر الصناعي من أمريكا إلى دبي، حيث قيل إن بعض الاختبارات النهائية قبل الإطلاق قد أجريت هناك؛ وهي القضية التي أثيرت أكثر لإشراك اسم الإمارات في هذا المشروع.
ثم تم نقل القمر الصناعي إلى اليابان بواسطة طائرة نقل ثقيلة من طراز “أنتونوف أن-124” في مساحة معزولة. وقد أعاق انتشار فيروس كورونا بعض الخطط الخاصة بهذا القمر الصناعي، ولذلك ذهب بعض أعضاء فريق القمر الصناعي إلى اليابان في وقت سابق، وقضوا بعض الوقت في الحجر الصحي.
تم إطلاق هذا القمر الصناعي في نهاية المطاف بصاروخ H-IIA الذي صنعته شركة “ميتسوبيشي” للصناعات الثقيلة اليابانية، وبدأ رحلته الطويلة إلى الكوكب الأحمر.
بالطبع، إلى جانب هذه الدعايات، تم ذكر اسم امرأة إماراتية شابة كمديرة للمشروع، من أجل زيادة مكانة هذا البلد وغرس الشعور بالثقة في الشباب والنساء في المشاريع الكبيرة. في حين أنه من الواضح أن العلماء والخبراء الأمريكيين ذوي الخبرة الذين اجتمعوا في هذا المشروع، كانوا يتطلعون فقط إلى تنفيذ أفكارهم وكسب الكثير من الأموال، وأوهام واقتراحات مثل هذه الشابة عديمة الخبرة في مجال محدد ومعقد مثل إطلاق الأقمار الصناعية إلی مدار كوكب المريخ، لن يكون لها أية مصداقية لهؤلاء الأشخاص الذين لديهم عقود من الدراسة والبحث في هذا الحقل.
من وصل إلى الكوكب الأحمر حتى الآن؟
نظرة على الدول التي نجحت حتى الآن في وضع مركبة فضائية في مدار المريخ أو الهبوط على سطحه، تظهر أن هذا الإنجاز متاح فقط لبعض أكبر البلدان في مجال الفضاء، والحديث عن إنجاز محلي لدولة الإمارات في هذا المجال أشبه باستعراض إعلامي ونكتة مضحکة في الأساس.
لقد تمكنت أمريكا لأول مرة من إيصال مركبة الفضاء “مارينر 4” إلی القرب من الكوكب الأحمر في 15 يوليو 1965، ولكن أول دولة دخلت إلى مدار المريخ كانت الاتحاد السوفياتي السابق.
وكانت المركبة الفضائية الأمريكية “مارينر 9” هي الأولى التي نجحت في الوصول إلی مدار المريخ والدوران حول الكوكب الأحمر. وتم دخول هذه المركبة الفضائية مدار المريخ في 24 نوفمبر 1971.
وفي 2 ديسمبر 1971، نجح الاتحاد السوفيتي في إنزال أول مركبة فضائية على كوكب المريخ. حيث استطاع المسبار “مارس 3” إرسال الصور الأولى إلى الأرض عندما هبط على كوكب المريخ، ولكن بعد حوالي 15 ثانية من إرسال الإشارة إلى الأرض، انقطع الاتصال به.
حرَّکت أمريكا أول روبوت متنقل على كوكب المريخ في 4 ديسمبر 1996. ومن حيث الوجود المادي على سطح الكوكب الأحمر، كان الاتحاد السوفييتي وأمريكا الدولتين الوحيدتين اللتين فعلتا ذلك.
حاليًا، تمتلك أمريكا وروسيا ووكالة الفضاء الأوروبية والهند مركبات فضائية تدور في مدار كوكب المريخ، ويعتبر كل منها عملاقًا في هذا المجال، ووضع هذه الأسماء إلی جانب دولة مثل الإمارات، هو مجرد أخبار دعائية ومحاولات إعلامية تقوم بها وسائل الإعلام العربية وبعض القنوات الناطقة باللغة الفارسية.
حتى اليابان حاولت مرةً واحدةً إرسال مركبة فضائية إلى مدار المريخ في عام 1998، ولکنها فشلت.
بعد أيام قليلة من إطلاق المركبة الفضائية الإماراتية، أرسلت الصين أيضًا مركبةً فضائيةً مهمةً إلى مدار المريخ، ومركبةً فضائيةً روبوتيةً للتواجد على سطح هذا الكوكب، والتي إذا نجحت في الجلوس والتحرك، ستجعل الصين الدولة الثالثة في هذا المجال عبر العالم.
كما نلاحظ، جميع هذه الدول الموجودة في هذا التنافس، كلها دول متقدمة ومکتفية ذاتياً تمامًا في جميع مراحل تطوير القدرات الفضائية، وتعمل دون الحاجة إلی الخارج تمامًا فيما يتصل بأمور مثل تصميم وبناء الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، وكذلك ناقلات الفضاء.
وقد يكون من المثير للاهتمام معرفة أن دولة الإمارات، التي تقدم نفسها هذه الأيام رائدةً في علوم الفضاء، وقعت عقدًا مع فرنسا قبل بضع سنوات لشراء قمرين صناعيين لتلبية احتياجاتها في مجال أقمار الاستطلاع والتجسس، والقمر الصناعي الإماراتي الأول تدمَّر بعد حدوث مشكلة في منصة الإطلاق العام الماضي!
الدول التي دخلت السباق للوصول إلى الكوكب الأحمر حتى الآن، كانت في الأغلب من عمالقة العالم في مجالات مثل الأقمار الصناعية للتجسس والاتصالات وحتى أنظمة تحديد المواقع المحلية والخدمات الفضائية المدنية، کما أن أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق قد دخلا هذه التنافسات بسبب الحرب الباردة بينهما وعرض قدراتهما العلمية والصناعية فحسب.
بالطبع، ليس هناك شك في أن الإمارات بدأت جهودها لتطوير القدرات الفضائية قبل بضع سنوات، وأنفقت الكثير من الأموال في هذا المجال، ولكن الحديث عن هذه الدولة كقوة فضائية أو أن الخطوة الحالية نفذها خبراء إماراتيون، هي في الأساس لعبة إعلامية ليس لها محل من الإعراب في الأوساط المهنية والعلمية