الخبر وما وراء الخبر

المنظمات الدولية تتجاهل الرياض والأمم المتحدة وتخاطب البيت الأبيض: أنتم مسؤولون عن العدوان

90

خبيرة بهيومن رايتس تكشف العلاقة المشبوهة بين السعودية والمنظمة الأممية

المنظمات الدولية تتجاهل الرياض والأمم المتحدة وتخاطب البيت الأبيض: 

أنتم مسؤولون عن العدوان

كانت التصريحاتُ المعلنةُ في اليوم الأول لاندلاع العُـدْوَان على الـيَـمَـن كفيلةً بالكشف أن العُـدْوَان أَمريكي بامتياز، سواءٌ من حيث القرار أَوْ المصلحة أَوْ التوقيت والوسيلة والهدف، بينما كانت الأَيَّـاْمُ التالية للعُـدْوَان كفيلةً بانعدام الرؤية لدى النظام السُّعُـوْدي الذي تصرف بهمَجية ضد المدنيين، وتنوعت التصريحات الصادرة عن دول العُـدْوَان في حديثها المتخبّط عن أهداف العُـدْوَان، كُلّ ذلك أوجد قناعةً لدى الـيَـمَـنيين على المستوى الأول والمراقبين على المستوى الثاني، أن أَمريكا تملك قرار العُـدْوَان وإيقافه وأن المال السُّعُـوْدي يلعب الدور الرئيسي في تطويع منظمة الأمم المتحدة التي عجزت عن اتخاذ أية خطوة رغم يقينها وإعْلَانها المتكرر عن ارتكاب العُـدْوَان جرائم ترتقي لمستوى جرائم الحرب.

 

  • هيومن رايتس ووتش تختصر الطريق: تحدثوا مع البيت الأبيض فقط!

بذلت منظمةُ هيومن رايتس ووتش الدولية مجهوداً ملحوظاً في رصْد جرائم الحرب التي ارتكبها ويرتكبها العُـدْوَانُ بحق المدنيين واستهدافه للأحياء السكنية بشكل عشوائي باستخدام أسلحة محرّمة دولياً، وبأكثر من تقرير أكدت المنظمة وفرقها الميدانية أنها وثّقت الجرائم التي اعتبرت أنها ترقى لمستوى جرائم حرب، ونادت في غير مرة تحالُفَ العُـدْوَان مطالِبة بإجراء تحقيقات في الجرائم المرتكبة، وكانت دائماً تؤكد أن مطالباتها لا تلقى أي تجاوب من قبل تحالف العُـدْوَان.

مؤخراً وبحُكم خبرتها في إطار العمل الحقوقي وفي ظروف الحرب توصلت المنظمة لقناعة بعدم قدرة الأمم المتحدة على وقف الجرائم التي يرتكبها العُـدْوَان وكذلك باللامبالاة التي يتمتع بها تحالف العُـدْوَان واستخفافه بأرواح المدنيين، ولذلك وفي آخر تقريرين أصدرتهما المنظمة أكدت فيهما أن أَمريكا طرف مباشر في العُـدْوَان على الـيَـمَـن، وأكثر من ذلك حصرت نداءاتها ومطالباتها على البيت الأبيض وليس الرياض فيما يخص استخدامَ الأسلحة المحرمة أَوْ مسؤولية وقف استهداف المدنيين.

في تقريرها الأخير 7 يناير2016 حول استهداف العاصمة صنعاء بقنابلَ عنقودية قالت المنظمة إن “الولايات المتحدة طرف في النزاع المسلح في الـيَـمَـن، وتلعب دوراً مباشراً في تنسيق العمليات العسكرية”، ولم تكتفِ المنظمة باعتبار واشنطن طرفاً مباشراً بالحرب، بل أكدت لدى فحصها لبقايا القنابل العنقودية التي استهدفت العاصمة أنها صناعةٌ أَمريكية، وبذلك ترى المنظمة أن الولايات المتحدة تتضاعَفُ مسؤوليتها تجاه الجرائم التي يرتكبها العُـدْوَان، إضافة لكونها طرفاً في الحرب.

وفي تقريرها الصادر أواخر ديسمبر الماضي قالت المنظمة إن “الولايات المتحدة – بتنسيقها ومساعدتها العمليات العسكرية للتحالف بشكل مباشر – هي طرفٌ في النزاع ومن ثَمّ فهي مُلزمة بالتحقيق في الهجمات غير القانونية التي شاركت فيها”.

وفي ذلك التقرير وبما يوحي أن المنظمةَ عرفت أن الولايات المتحدة هي التي يجبُ مخاطبتها حول العُـدْوَان وليس الرياض فقد طالبت المنظمة من واشنطن بإجراء تحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبها تحالف العُـدْوَان بالـيَـمَـن.

 

  • الأمم المتحدة.. مظهر هزيل لمنظمة مثقلة بالمال السُّعُـوْدي تمثل العالم

أمامَ ما يصدر عن المنظمات الدولية من بيانات وتقارير تؤكد أن العُـدْوَان يرتكب جرائم ترتقي لمستوى جرائم الحرب تظهَرُ منظمة الأمم المتحدة بشكل خجول لتمارس دوراً يتناسَبُ مع منظمةٍ حقوقيةٍ غير محايدة وليس باعتبارها منظمةً تمثل العالم كله، فهي حين تعترف بوجود معلومات لديها بارتكاب العُـدْوَان لجرائم حرب باستخدام قنابلَ عنقودية بشكل عشوائي على المدنيين فإنها تكتفي ببياناتها تلك دون أن تحرك ساكناً.

على مدى أيام العُـدْوَان تسرب للعلن ما عُرف بـ”شيكات الولاء للنظام السُّعُـوْدي” والتي كشفت عنها وثائق ويكيليكس الشهيرة وتحدثت أن السُّعُـوْدية سلّمت الأمم المتحدة سيكا بـ100 مليون دولار باسم دعم مكافحة الإرهاب، وهو ما اعتبر ثمناً للصمت الأممي على جرائم العُـدْوَان بالـيَـمَـن.

كما كشفت إحدى الوثائق المسربة عن وزارة الخارجية السُّعُـوْدية تتحدث عن تقديم المملكة نحو مائة ألف دولار من أجل “حملة دعائية” للحصول على مقعَد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وذلك على الرغم من كُلّ الانتقادات الموجهة للسُّعُـوْدية بشأن أوضاع حقوق الإنسان فيها. وصرّح جوليان آسانغ، ناشر وثائق ويكيليكس أن “الوثائق السُّعُـوْدية ترفع الغطاء عن دكتاتورية محاطة بالسرية وغير منتظمة على نحو متزايد والتي لم تحتفل ببلوغ عدد الرؤوس المقطوعة فيها إلَى المائة هذه السنة فحسب، بل أصبحت تشكل خطراً على جيرانها وعلى نفسها”.

كما أَن هناك جوانبَ كثيرة ولا حصر لها عن علاقة الشيكات السُّعُـوْدية بأداء الأمم المتحدة فيما يخص العُـدْوَان على الـيَـمَـن وكذلك رضوخها لمطالب الرياض بتغيير المبعوث الأممي إلَى الـيَـمَـن جمال بن عمر في ذلك الحين والمجيء بولد الشيخ، ناهيكم عما حدث في نفس المضمار فيما يخص عمل الأمم المتحدة في سوريا.

 

  • هل تُعامِلُ الأممُ المتحدة التحالف السُّعُـوْدي في الـيَـمَـن معاملة خَاصَّـة؟

في بيان أصدره مكتبُه قال الأمين العام للأمم المتحدة “إنه تلقى تقارير مزعّجة عن استخدام القنابل العنقودية في الأماكن المكتظة بالسكان ما يمكن أن يرقى إلَى جريمة حرب؛ بسبب الطابع العشوائي لها”. وقبل ذلك صدر بيان عن الأمم المتحدة يدين استخدام القنابل العنقودية واستهداف المدنيين بها بشكل عشوائي.

ومع كُلّ تلك المواقف الصادرة عن الأمم المتحدة لم يبدِ عليها أن في نية التحرك بناءً على التقارير التي حصلت عليها، وهو ما اعتبره مراقبون أن الأمم المتحدة لا تسعَى لإدانة العُـدْوَان، بل بامتصاص الغضب الشعبي وإسكات المنظمات الإنسانية الدولية بتصريحات وبيانات توحي بأن الأمم المتحدة في طور التحرك، وهو ما لم ولن يحدث، بحسب تعبيرهم.

رداً على ذلك حكومة هادي المستقيلة ومن الرياض “خاطبت رسمياً مكتب المفوض السامي بجنيف بأن القائم بأعمال المكتب في الـيَـمَـن افتقد المهنية والحيادية ولم يعد شخصاً مرغوباً به”

رد الأمم المتحدة على هذه الخطوة انحصَرَ على التعبير عن انزعاجها من ذلك الموقف ولم تدافع عن صحة التقارير الصادرة عن القائم بأعمال مكتبها في صنعاء.

هذه العلاقةُ بين الأمم المتحدة وتحالف العُـدْوَان على خلفية جرائم الحرب التي حدثت بالـيَـمَـن حيَّرت المنظمات الدولية، وهو ما دفع إحدى المستشارات بمنظمة هيومن رايتس ووتش المستشارة إيمي هيرمان للتساؤل: “هل تُعامل الأمم المتحدة التحالف بقيادة السُّعُـوْدية في الـيَـمَـن معاملة خَاصَّـة؟”.

وقالت المستشارة في مقالها المنشور بموقع المنظمة إن “أكثر من 2500 مدني قُتلوا، أغلبهم سقطوا ضحايا غارات التحالف الجوية بحسب الأمم المتحدة” وتضيف ” كشفت تحقيقات “هيومن رايتس ووتش” الميدانية أن غارات جوية عديدة للتحالف كانت غير قانونية، إذ أصابت بشكل عشوائي بيوتاً سكنية وأسواقاً ومنشآت صحية ومدارس لم تتواجد فيها أهداف عسكرية”.

وتبدي المستشارة استغربَها من كون مجلس الأمن خَصَّ من وصفتهم بالقوات الحوثية بجميع انتقاداته تَقْريباً مع التزامه الصمت إزاء انتهاكات التحالف، على حد تعبيرها.

وتعودُ المستشارة ايمي هيرمان لتأكيد العلاقة بين المال السُّعُـوْدي والأمم المتحدة حيثُ تسرد في مقالها قائلة: “لماذا يُعامل التحالف هذه المعاملة الخَاصَّـة؟ هناك احتمال قائم: انظر إلَى مسار النقود”.

وتضيف أنه و”في أبريل أعلنت السُّعُـوْدية أنها ستفي بطلب الأمم المتحدة كاملاً بمبلغ 274 مليون دولار تمويلاً طوارئاً للـيَـمَـن”. وعن مصير تلك الأموال تقول المستشارة أنه و”في الواقع وزعت السُّعُـوْدية القليل مما وعدت به، وصعّبت تحصيل المبلغ الباقي”.

وتطرق المستشارة ايمي هيرمان نقطة هامة بقولها إن “إدانة التحالف قد تؤدي لعرقلة مساعدات ضرورية يتم إغراء الأمم المتحدة بها” ثم تقول إن ذلك قد يفسر لماذا تعامل الأمم المتحدة التحالف السُّعُـوْدي معاملة خَاصَّـة.

وتشير هيرمان إلى أن “رئيس المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة ستيفن أوبرايان عقد مؤتمراً صحفياً مشتركاً غير مألوف مع السفير السُّعُـوْدي بالأمم المتحدة، للإقرار بدعم المملكة للعمل الإنساني وذلك في أكتوبر الماضي”.

وتحتم المستشارة ايمي هيرمان مقالها بالقول “أمام مجلس الأمن خياران. إما أن يذكر أعضاء التحالف بأن القانونَ الدولي يسري على الكافة، وأن كُلَّ مسؤول تتبين مسؤوليته عن انتهاكات لحقوق الإنسان قد يتعرض لجزاءات، أَوْ أن يستمر في صمته وتحيزه، ليثبت للناس في الـيَـمَـن، ممن فقدوا أماً أَوْ أخاً أَوْ طفلاً في ضربة جوية غيرِ قانونية للتحالف، أن المجلس لا مشكلة لديه في غضّ الطرف عن مصابهم”.

كُلُّ تلك الحقائق حولَ علاقة المال السُّعُـوْدي بالأمم المتحدة وعلاقة الولايات المتحدة بالعُـدْوَان على الـيَـمَـن تجعَلُ الـيَـمَـنيين محقين في عدم مراهنتهم على الأمم المتحدة وتشكيكيهم في دورها المنحاز لتحالف العُـدْوَان، وأيضاً يجعلهم محقين في قناعتهم أن تحالف العُـدْوَان وعلى رأسهم النظام السُّعُـوْدي مجرد أدوات في يد واشنطن، بما فيها الأمم المتحدة.

*صدى المسيرة- إبراهيم السراجي