لحظات تأمل مع الشعار.. -البعد الثقافي للشعار-
ذمار نيوز || مقالات ||
[27 شوال 1441هـ ]
عبدالرحمن حميد الدين
عندما تعود بنا الذاكرة أو نعود إليها لنستقرئ أحداث المنطقة قبل ثمانية عشر عاما؛ ونبحث عن تموضع المشروع الأمريكي في اليمن خاصة والمنطقة عامة، نجد أن الشيء الأبرز في تلك المرحلة هو سيطرة القرار الأمريكي على كافة الجوانب السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
نعم، لا يزال المشروع الأمريكي صاحب القرار في المنطقة والعالم، لكنه فشل في اليمن بنسبة مائة بالمائة في الثورة التصحيحية التي تحرك فيها الشعب اليمني في 21 سبتمبر 2014م في إطار مشروع وقيادة، وفشله في اليمن كان له تداعياته الاستراتيجية على مشروعه في بقية دول المنطقة.
ومن المعلوم أن الهيمنة الأمريكية الصهيونية على المنطقة والعالم وصلت للحدّ الذي أُطلق على هذه المرحلة بــــــــــ(العصر الأمريكي)، دون أن نجد (حالة الموقف) إلا في إطار محدود ورؤية محدودة لبعض الحركات الإسلامية والقومية التي واجهت ذلك المشروع تحت ضغط الاحتلال الإسرائيلي لنطاقها الجغرافي في فلسطين ولبنان، أو لبعض الأنظمة التي أدركت أن أمريكا هي سبب أزمات الإنسانية كجمهورية إيران الإسلامية.
ولكن عندما نأتي لنفتش عن مشروع متكامل الأبعاد والجوانب في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي نجد أننا أمام مفترق طرق تصل بنا إلى أبواب مؤصدة لا ترقى إلى مستوى الشمولية والاحتواء والتكامل.
يقول السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي خلال تقييمه لمرحلة ما قبل 2002م: “الوضع العربي العام، انعدام المشروع، حالة التفكك، وحالة التفرّق، حالة الارتهان على مستوى الأنظمة العربية، التطورات أيضًا السلبية في فلسطين المحتلة، واستمرار حالة التخاذل الرسمي والشعبي، إضافةً إلى الخطر المتزايد على الأقصى الشريف، كل هذه الأحداث التي يشهدها عالمنا العربي، وأمتنا الإسلامية، تمثّل دليلًا قاطعًا وشاهدًا واضحًا على ضرورة أن يكون للأمة مشروعٌ عمليٌ نهضويٌ يبنيها لتكون في مستوى مواجهة الأخطار والتحديات، ولحمايتها، والدفاع عن دينها وحريتها وأرضها وعرضها ومقدراتها، واستقلالها”[1].
ويقول (حفظه الله) مستثنيا بعض الحركات والأنظمة: “تحرك الأمريكي وهو يرى أمامه هذا الواقع المهيأ لا أحد في الساحة يتصدى له إلا القليل، إلا القليل، يعني من يمكن أن يتآمر عليهم، قوى المقاومة في فلسطين وفي لبنان، وإلا حالة محدودة جدًا على مستوى الأنظمة الحالة الإيرانية كحالة محدودة يتحرك لاحتوائها ويتحرك لمواجهتها ولاستهدافها ولفرض العزلة عليها، والواقع في الساحة مهيأ إلى حد كبير ومغرٍ”[2].
عندها تحرك الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي بمشروع نهضوي قرآني متكامل، وعالمي بعالمية القرآن الكريم، وكان رفع الشعار عنوانا واضحا لذلك المشروع، الذي بدون رفعه لا يكتمل المشروع ولا يكون له أي (قيمة عملية) في ميدان الحياة.
وعلى الرغم من أن السيد حسين في ملازمه ودروسه أعاد الأمة للقرآن الكريم في منهاجه ومنهجيته، وصحَّحَ الكثيرَ من المفاهيم الدينية المنحرفة والمغلوطة، بدءًا بمعرفة الله وتعزيز الثقة به، وصولا إلى المفاهيم الإيمانية والتربوية التي تصنع أجيالا قرآنية مؤهلة لعملية التمكين في هذه الحياة، إلا أنه لو افترضنا جدلا أن مشروع الشهيد القائد كان خاليا من رفع الشعار، وبعيدا عن حالة (العداء الديني) لأمريكا وإسرائيل، لما كان لأدبيات ذلك المشروع أيّ قيمة (عملية) تنفع الأمة وتنتشلها مما هي فيه من استضعاف سياسي وعسكري، وانحراف ثقافي، وانكماش اقتصادي، واختلال اجتماعي وأمني، ولما كان السيد حسين وأصحابه يشكلون أيّ خطر أو تهديد يُذكر.
خلاصة ما في الموضوع أن رفع شعار بكافة ألفاظه (الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام) مرتبطٌ ارتباطا وثيقا وأساسيا بكافة معالم المشروع القرآني الذي تحرك من خلاله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، وبدون رفع هذا الشعار لا يكتمل إيمان المؤمن المدّعي للإيمان أو الإسلام، أو المدّعي الانتماء لهذا المشروع العظيم.
تعالوا لنربط الشعار بكافة معالم الإسلام الأصيل، حينها فقط سنجد أن رفع الشعار في هذه المرحلة لا ينفكّ عن سائر هذه المعالم: فعندما نأتي إلى (معرفة الله) و(تعزيز الثقة بالله) التي تعتبر من أهم معالم المشروع القرآني الذي تحرك من خلاله الشهيد القائد، نجد أنه لا تكتمل معرفة الله وتعزيز الثقة به تعالى إلا برفع هذا الشعار؛ فكيف نؤمن بوحدانية الله وبقدرته ورحمته وجبورته وعظمته التي علَتْ كل شيء، ولكننا نمتنع أو نتحفظ عن رفع شعار الله (أكبر.. الموت لأمريكا..) تحت أيّ مبرر كان، وفي ظل الهيمنة والتسلط الأمريكي على الأرض والإنسان؟! وكيف نمتنع أو نتردد عن رفع هذا الشعار وقد أصبح رفعه (حجة واضحة وبالغة) اعتبارا من كونه في إطار أمة مؤمنة ومشروع قرآني وقيادة جديرة.
وعندما نعود إلى مرحلة مهمة من مراحل الدولة الإسلامية في مهدها نجد أن المسلمين الأوائل تعرضوا لموقف مشابه في مواجهة غطرسة وهيمنة قريش؛ ففي غزوة أُحُد عندما أُشِيع قتلُ النبي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) رفع مشركو قريش شعار (اعلُ هبل) فقال النبي لأصحابه ألا تجيبونه، فقالوا: وما نقول يا رسول الله: فقال (صلوات الله عليه وعلى آله) قولوا: “اللهُ أعلى وأجلّ” فرفع أبو سفيان شعار: (لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم)، فقال النبي (صلوات الله عليه وعلى آله): ألا تجيبونه؟ فقالوا: ما نقول يا رسول الله؟ فقال (صلوات الله عليه وعلى آله): “قولوا لهم: “الله مولانا ولا مولى لهم”.
فلو قال البعض – في المرحلة التي رفعت أمريكا شعار (الإرهاب) في مواجهة الإسلام وأعلنتها حربا صليبية – : نحن نبرأ إلى الله من أمريكا وإسرائيل، وليس بالضرورة أن نرفع هذا الشعار!! لكان بذلك مدّعياً للإيمان؛ لأن براءته من أمريكا وإسرائيل ليست عملية وبالتالي لا قيمة لها؛ فالبراءة من أمريكا وإسرائيل لا تكون عملية وذات قيمة إلا عندما تتحول إلى شعار معلن.
كذلك معرفة النبي والإيمان بنبوته (صلوات الله عليه وعلى آله)، وولاية الإمام علي (عليه السلام) لا تكتمل بدون رفع هذه الصرخة في وجه أمريكا وإسرائيل؛ فكيف ندّعي ولاية النبي والإمام علي ولا يزال عداؤنا للمشركين واليهود والنصارى يشوبه النقصان من خلال تحفظنا أو امتناعنا أو ترددنا عن رفع شعار في مواجهة أمريكا وإسرائيل، أثبتت الأحداث فاعليته وأثره الكبير على وجودهم فضلا عن مشروعهم؟!
كذلك سائر معالم المشروع القرآني أو سائر معالم الإسلام الأصيل الذي لا يكتمل بدون رفع هذا الشعار؛ فمثلا: الإيمان بمحورية القرآن الكريم وهيمنته لا يكتمل بدون رفع شعار البراءة من أمريكا وإسرائيل؛ كيف لا؟ والقرآن الكريم مليء بالآيات والمضامين الكريمة التي تؤكد على وجوب معاداة اليهود والنصارى والبراءة منهم، وتأكيد مضامينه الكريمة على كونهم (العدو التاريخي) للأمة؟!
كذلك بقية المعالم الأخرى للمشروع القرآني الذي تحرك من خلاله الشهيد القائد (رضوان الله عليه): كإحياء الروحية الجهادية، وإحياء المفاهيم الإيمانية، واستشعار المسؤولية، وتصحيح الثقافات المغلوطة والمنحرفة، وغيرها.. لا تكتمل بدون رفع شعار البراءة من أمريكا وإسرائيل.
ولا نقول ذلك تشددا أو مبالغة وإنما استنادا إلى روح القرآن الكريم ومضامينه الواضحة في ذلك، واستنادا إلى الكثير من الأحداث السابقة لرفع الشعار، والمواكبة لرفعه منذ عام 2002م، واللاحقة له حتى يومنا هذا؛ والتي لا تسعفنا أن نستعرضها تجنبا لطول الحديث، ونترك للقارئ الكريم التأمل في ذلك وسيجد ما يؤكد على أن رفع الشعار هو ضرورة من ضرورات الإيمان بالله.
تلك الشواهد والأحداث الجِسام والتداعيات التي صنعت أمة يمانية قوية بقوة الله، في مواجهة العالم المستكبر والمستقوي بالبترودولار الذي عجَزَ أن يحقق شيئا من أهدافه، بل على العكس كانت حربه العالمية على هذا المشروع القرآني وأنصاره وقيادته (مصدر قوة) من عدة جوانب وأهمها جانبان رئيسيان: (جانب ثقافي): أظهرَ المشروعَ القرآني للعالم وكشف الكثيرَ من الحقائق الثقافية والسياسية، واستقطَبَ الكثيرَ من الرّواد والنُّخب في العالمين العربي والإسلامي دون أيّ تحفظ، متجاوزا الفرز المذهبي، و(جانب عسكري): تمثل في التصنيع العسكري الاستراتيجي الذي فاق دول المنطقة في عملية الاكتفاء الذاتي الذي يتطور مع طول أمد الحرب في كل يوم وكل ساعة.
والعاقبة للمتقين…