الخبر وما وراء الخبر

الدكتور أحمد النهمي شاعرا.. ومثقفا.. وأكاديميا..

85

ذمار نيوز || مقالات ||
[ 18 يونيو 2020مـ -26 شوال1441هـ ]

بقلم د || أمين الجبر

ثلاثية قيمية علمية لا انفصام فيها شكلت صميمية جوهره: شاعريته، وموسوعيته، وأكاديميته.

وبادئ ذي بدء لابد من الاعتراف صراحة بأنني لست شاعرا حتى أقرض الشعر في رحيلك يا صديقي أو أديبا أنظمُ نثرا في رثائك، إنما مجرد قارئ متواضع مكلوم عليك يحاول جاهدا الافصاح عما يختلج في وجدانه جراء رحيلك المفاجئ والذي شكل لديه صدمة غير متوقعة خصوصا أنه كان على موعد معك لتدشين مشروع ثقافي قادم.

إن الحديث عن الدكتور أحمد صالح النهمي بوصفه مثقفا عضويا وشاعرا طليعيا يحتاج إلى دراسة مستقلة ومعمقة، لكنني هنا سوف أكتفي بمحاولة سبر أغوار فكره النير وإجلاء بعض من ملامحه من خلال بعض افصاحاته ومقولاته بل وطروحاته التي شكلت بالمجمل ما يمكن اعتباره وميضا معرفيا واختلاجة فكرية نيرة أشرقت، وكادت أن تضيء جانبا من غسق المرحلة لولا الرحيل المبكر على أمل أن أكمل البحث في الأيام القادمة ليرى النور في أربعينيته بإذن الله تعالى .

ففي زحمة القصائد والمراثي العديدة التي تحاول قراءة الفقيد وتقديمه من عدة جوانب ومختلف الزوايا أحاول هنا أن أقرأه من زاوية مختلفة نوع ما تجنح نحو ملامسة الفكر وتركز على ما هو ثقافي وحسب، بعيدا عن الاعتساف أو التوظيف السياسوي أو القراءة العاطفية انطلاقا من حقيقة من كان يحب د. أحمد فإن أحمد قد مات، ومن كان متأثرا بفكره فان فكره خالد لن يموت.

فعندما يحظى المثقف بحب الجميع، واهتمام الكل ناهيك عن القبول والاستساغة لافكاره، فإن ذلك يعكس مدى قدرته على التحرر من أثقال الايديولوجيا، وسموه على إفرازاتها وتصنيفاتها بل وتجاوزه إياها ومغادرتها، وإن شكلت له في البداية إرهاصا تكوينيا وحالة جنينية، لأنه – حسب الاجماع- “عندما يقف المثقف على أرضية الأيديولوجيا ويكون في نفس الوقت غير قادر على التخلص من أثقالها فإنه يظل دائماً وأبداً غير قادر على إنتاج المعرفة أو الوعي النقدي داخل محيطه الاجتماعي.

فكل ما يستطيع فعله هذا المثقف الايديولوجي هو إنتاج رأي (دجما) ينتصر فيه للايديولوجيا بالمعنى الذي ينتصر فيه الأنا على الآخر في معادلة الصراع السياسي بين رجالات السياسة”، وهو ما لم يكن عليه الدكتور أحمد النهمي، وإنما كان على النقيض من ذلك، بحيث يمكن لنا وصفه بالمثقف العضوي – حسب جرامشي – أو المثقف النقدي- حسب سارتر، حيث جسد في وعيه الفكري وسلوكياته الثقافية حالة من الجيشان الفكري/ الثقافي المتطلعة نحو ما فوق الايديولوجيا الداعية صراحة إلى نشدان الدولة المدنية الحديثة، متأثرا بعض الشيء بطروحات كل من الدكتور محمد عبدالملك المتوكل والدكتور أحمد شرف الدين رحمة الله عليهما بالإضافة إلى استقلاليته في بعض الرؤى السياسية والفكرية التي لا تخلو بطبيعة الحال عن رفضه لكافة أشكال العدوان والارتزاق، ليمثل من ثم ظاهرة ثقافية فريدة جديرة بالدراسة والبحث، وقلما نجد نظيرا لها في وقتنا الراهن لاسيما في حالة تفشي ثقافة الغثائية والتهريج.

لروحه الطاهرة الرحمة والسلام
والمجد والخلود لفكره المستنير.