احتدام الحرب الباردة بین الصین وأميركا
ذمار نيوز || تقارير ||
[19 شوال 1441هـ ]
سركيس ابوزيد/ العهد الاخباري
بعد تفشي وباء “كورونا”، برزت حملات متبادلة: الصین تحاول تسویق نظامھا كنموذج بديل، وأمیركا تحاول شیطنة النظام الصیني واتھامه بتصنیع الفیروس ونشره في العالم.
مؤخرًا، أصبحت ھونغ كونغ مصدرًا إضافیًا للتوتر المتصاعد بین أكبر قوتین اقتصادیتین في العالم. من جهة، أعلن وزیر الخارجیة مایك بومبیو أن ھونغ كونغ لم تعد تتمتع بالحكم الذاتي، من جهة أخرى، هددت وزارة الخارجیة الصینیة بأنها: “ستتّخذ كل التدابیر اللازمة للتصدي”. وقد اعتبرت الصین أن النزاع القائم مع الولایات المتحدة یضع البلدین على شفیر حرب باردة جدیدة.
الخوف المتبادل يتصاعد: یعتقد ترامب أن أسلافه بالغوا في استرضاء الصین وتقدیم الھدایا لھا بسبب إصابتھم بعقدة الاتحاد السوفیاتي، لھذا تعمد الحدیث عن الفیروس الصیني. ویساور القلق إدارة ترامب من تعافي الاقتصاد الصیني من الأضرار التي سببھا الفیروس قبل الاقتصاد الأمیركي.
لذلك الموقف الأمیركي سیزداد حدة مع انطلاق حملة الانتخابات الرئاسیة في تشرین الثاني وسیتحول موقف ترامب العدائي إزاء الصین إلى حجر الزاویة لحملته من أجل إعادة الانتخاب، خصوصًا أن استطلاع رأي أجراه معھد “بیو” للأبحاث في 13 نیسان الماضي أظھر أن 62 في المئة من الأمیركیین یعتقدون أن الصین تشكل تھدیدا كبیرا للأمن الأمیركي أكثر من روسیا وإیران.
یرى العدید من الخبراء أن ما یحدث بین الدولتین بدایة حرب باردة جدیدة. ویشیر ھؤلاء الى الاحتمالات المستقبلیة، أبرزھا:
1 – قطع العلاقات الأمیركیة بالكامل مع الصین، خصوصًا أن الخسائر الاقتصادیة للوباء تقدم دلیلًا على أن الولایات المتحدة بحاجة إلى القیام بالمزید لفصل نفسھا عن سلاسل التورید العالمیة التي تمر عبر الصین.
سیكون لتسریع فسخ الشراكة بین الصین والولایات المتحدة، أي لتفكیك شبكة المصالح الضخمة المشتركة بینھما التي نشأت وتطورت منذ ما یقارب نصف قرن، أثر ھائل في البلدین والمسرح الدولي عامة. لذا، على الطرفین إدراك النتائج الاقتصادیة والجیوسیاسیة للقطیعة الكاملة بینھما، لأنه بحكم التبعیة المتبادلة بین اقتصادیھما سیتضرران كثیرا من القطیعة.
إنھا مواجھة تُستخدم فیھا كل الأسلحة، غیر أن المشكلة التي تواجه واشنطن ھي تردد حلفائھا في الوقوف إلى جانبھا في حملتھا على بكین. فالدول الأوروبیة، تتردد في انتقاد بكین لأسباب كثیرة، منھا الھیمنة الاقتصادیة الصینیة على الأسواق الأوروبیة، وحجم الاستثمارات الصینیة في شركات التكنولوجیا الأوروبیة التي توازي أو تفوق الاستثمارات الأمیركیة، وكذلك شكوك الأوروبیین أن وراء حملة ترامب على بكین أغراضًا انتخابیة، إذ یحاول تغطیة الفشل في مواجھة الوباء الذي وضع الولایات المتحدة على رأس قائمة الدول المتضررة باتھام الصین بأنھا لم تفعل ما كان یجب لمنع انتشاره حول العالم.
2 – احتمال تبوؤ الصین مركز قیادة العالم وأن تحل محل الولایات المتحدة على قمة النظام الدولي بناء على مؤشر السیطرة على الوباء بتكلفة أقل نسبیًا مما تكبدته الولایات المتحدة والعدید من الدول الأوروبیة، خصوصًا أن ھناك مؤشرات عدیدة تشیر إلى تنامي اقتصاد الصین بشكل مطرد، ما أوصلھا إلى عتبة التساوي مع الاقتصاد الأمیركي، وربما تجاوزه بحسب التوقعات في 2030، وھذا یعني أن اقتصاد الصین سیكون الأول عالمیًا، وھذا ما لن تسمح به الولایات المتحدة. ولكن ھذا السیناریو دونه عوامل عدیدة أبرزھا:
– إن نجاح الصین النسبي في مواجھة وباء “كورونا” وعودة الحیاة إلى طبیعتھا في ظل ضوابط اجتماعیة وتقنیة، وتقدیم بكین العدید من المساعدات الطبیة لدول أوروبیة أو نامیة في آسیا وأفریقیا، لا یرقى إلى ولوج مكانة قیادة النظام الدولي أو التبشیر بھا كقدر محتوم.
– إن الدور القیادي العالمي لیس منحة تاریخیة لطرف ما بقدر ما ھو حصیلة متغیّرات عدیدة ومتشعبة تكمن في بنیة النظام السیاسي والقیمي، تتیح فرصة التمدد والنفوذ والتأثیر استنادا إلى عنصر الإرادة السیاسیة الجماعیة. ویمكن القول إن فكرة قیادة العالم بكل ما فیھا من التزامات وأعباء وأدوار ومبادرات تمزج بین الضغط بكل أشكاله، والإقناع والجذب بكل وسائله لیست متوفرة لدى الصین بالقدر نفسه المتوفر لدى الولایات المتحدة.
– أي تراجع في حجم الاقتصاد الأمیركي سیؤدي بالضرورة إلى تراجع الناتج القومي الصیني بسبب الانخفاض المحتمل في حجم التجارة بین البلدین، والذي یصعب تعویضه من خلال التجارة مع دول أخرى سواء نامیة أو متقدمة، مما یوجه ضربة قویة للاقتصاد الصیني.
3 -احتمال انزلاق التنافس إلى مواجھة عسكریة بین البلدین لا تحمد عقباھا، تبدأ من بحر الصین الجنوبي أو تایوان، من شأنھا تھدید الأمن والسلام العالمیین. فالصین ھي أكبر تھدید استراتیجي للولایات المتحدة، وھي قادرة على تخطي التقدم العسكري الأمیركي في غضون خمس سنوات.
یستبعد الخبراء العسكریون في الصین احتمال المواجھة المباشرة مع الولایات المتحدة، على اعتبار أن البلدین قد وصلا إلى حال من الاعتماد الاقتصادي والتجاري المتبادل یتعذر معه نشوب نزاع مسلح بینھما، وإن ظلت المناكفات والحرب الإعلامیة بینھما على ما ھي علیه طالما بقي ترامب في الحكم. كما أن أسلحة الدمار الشامل لدى الطرفین تشكل رادعا حاسما لأي منھما، فإذا ما تعرضت العاصمة بكین أو أي مدینة حیویة في الصین لھجمات صاروخیة فھذا سیؤدي إلى الرد بالصواریخ النوویة مباشرة، قبل أن تصل صواریخ المعتدي إلى أھدافھا.
العلاقة بین الصین والولایات المتحدة لم تكن یوما سھلة أصلا، إذ طالما كانت توصف بالعلاقة الحذرة التي لم تصل الى حد العداوة كما أنھا لم تصل یوما الى التحالف. كانت على ما یبدو علاقة لا بد منھا بالنسبة للطرفین، وكانت السیاسة تختفي تحت مظلة الاقتصاد وفق حاجة الطرفین الى بعضھما البعض. ما یحدث بالفعل ھو احتدام للصراع والتناقضات بین القوتین الدولیتین الأبرز، ومحاولات لتوظیف الجائحة في إطار ھذا الصراع. ارتفاع حدة التناقض الاستراتیجي، ھو أحد العوامل الحاسمة في تحدید معالم زمن “ما بعد كورونا”، وإعادة رسم التوازنات الدولیة سیاسیا واقتصادیا في مرحلة ما بعد الفیروس.
وفي روسيا، تم الرد الروسي على الاستفزازات الجورجية والاوكرانية بارسال القاذفات النووية الاستراتيجية “للنزهة” فوق تفليس (عاصمة جورجيا) وفوق البحر الاسود، وتم فصل اوسيتيا الجنوبية وابخازيا عن جورجيا، واعادة شبه جزيرة القرم الى روسيا وتفكيك الدولة الاوكرانية. ووضعت في الخدمة العسكرية الفعلية صواريخ “كاليبر” المجنحة فائقة السرعة والدقة والخارقة لانظمة الرادار الغربية جميعا، وصاروخ “سارمات” النووي الذي يزن 200 طن والخارق لسرعة الصوت والذي يحمل 10 قنابل نووية ضخمة وتكفي ضربة واحدة منه لازالة اميركا من الوجود. وصاروخ “افانغارد” النووي الذي تبلغ سرعته 27 مرة سرعة الصوت ومداه غير محدود ويستطيع الدوران حول الكرة الارضية كقمر صناعي وينقض من الفضاء على اي هدف ارضي. كما صنعت طوربيدا صاروخيا نوويا “يطير” تحت الماء بسرعة مئات الكيلومترات في الساعة ليضرب اي حاملة طائرات او اي هدف بحري او ساحلي اخر مخترقا اي نظام انذار مبكر. كما صنعت غواصة نووية تحمل عشرات الصواريخ النووية وتغوص تحت الماء 4000 متر وتسير بدون ضجة ويمكنها ان تربض لوقت غير محدد قرب المياه الاقليمية الاميركية “تحت الطلب”.
وبالتنسيق والتعاون الوثيق بين روسيا وايران وقوات المقاومة والجيش العربي السوري تم سحق مشروع الدولة الداعشية العثمانية في سوريا، وتاليا في العراق، وجاءت جائحة كورونا ومضاعفاتها لتؤخر مؤقتا القضاء النهائي على كل الجيوب الارهابية التي لا تزال موجودة في شمال وشمال شرقي سوريا بحماية شراذم القوات الاميركية والتركية.
امام هذا الفشل الجيو-استراتيجي الشامل لاميركا، لجأت الادارة الاميركية خصوصا في عهد “البيزنسمان” و”الكاوبوي” دونالد ترامب الى استخدام قوتها الاقتصادية ولا سيما هيمنتها على النظام المالي العالمي بواسطة الدولار، وفرضت عقوباتها الاقتصادية الفظيعة والحرب التجارية ضد روسيا وايران والصين وضد كل من يتعامل معها خلافا للممنوعات الاميركية.
وفي الحسابات الاقتصادية البسيطة كان من المفترض ان ينهار تماما الاقتصاد الايراني والروسي ويتدهور جدا الاقتصاد الصيني وتبدأ المجاعة حرفيا في هذه البلدان. ولكن الذي حدث واقعيًا هو العكس تمامًا، وهو أن هذه البلدان لم تستطع الصمود فقط بل واستطاعت أن تكيف اقتصاداتها في اتجاه يجعلها أكثر قوة وانتاجية وقدرة على مواجهة السياسة الاقتصادية العدائية لاميركا وحلفائها. ذلك أن هذه البلدان هي ذات اقتصاد انتاجي، أي غير ريعي، ولا يعتمد على الفائدة ونفخ الأسعار وخصوصًا أسعار العقارات ونفخ الاستهلاك الرشيد وغير الرشيد كما هو الاقتصاد الاميركي.
وقد أدت سياسة العقوبات الاميركية ضد روسيا والصين وايران الى نتائج عكسية تماما، وانقلب “السحر الاميركي” على اميركا ذاتها. ذلك ان كلفة اليد العاملة التي تقدم الانتاجية ذاتها في روسيا وايران والصين هي أقل بكثير من كلفة اليد العاملة الاميركية. وهذه البلدان تستهلك بمقدار ما تنتج، على عكس اميركا التي تستهلك أكثر بكثير مما تنتج. فالاحصاءات التي تتداولها وسائل الاعلام العالمية تقول ان الولايات المتحدة تنتج اقل من 18% من الناتج العالمي القائم، في حين انها تستهلك اكثر من 40% من هذا الناتج. وهي تغطي هذا الفارق الهائل بين الانتاج والاستهلاك (في الاطار الوطني) بزيادة الدين العام الذي تتم تغطيته بطباعة العملة الورقية (الدولار) غير ذات التغطية الذهبية. وتقول الاحصاءات ان الدين العام الاميركي يتراوح بين 500 و700 تريليون دولار، وهو ما يفوق الناتج العالمي القائم 5 مرات. وهذا يعني ان النمو الاقتصادي للعالم بأسره هو “مأكول” سلفا من قبل الاقتصاد الريعي ـ الاستهلاكي الاميركي. أي أن أميركا لا تسير وحدها الى الهاوية بل وتجر معها جميع الدول التابعة لها. وهذا ما تنفذه الى حد كبير مؤسسات النهب الدولي كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. واذا لم يكن بالامكان نهب روسيا والصين وايران، الخارجة على الهيمنة الاميركية، فليس هناك زاوية اضافية في الكرة الارضية يمكن نهبها لتغطية الديون الاسطورية التي تنيخ على اميركا.