تفعيل المجتمع والمشاركة المجتمعية قصص نجاح بمحافظة ذمار.
ذمار نيوز || مقالات ||
[19 شوال 1441هـ ]
بقلم المهندس || هلال محمد الجشاري*
نبدأ حديثنا عن مرض إلتهاب الجلد العقدي الذي كاد يفتك بالثروة الحيوانية بمديريات محافظة ذمار الغربية، والذي وقتها ناشدنا كل الجهات الحكومية، ناشدنا كل المنظمات … ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي ؟!!.
فلم تتجاوب معنا أي منظمة واكتفوا بالوعود، رغم معرفتهم أهمية ذلك وحجم الضرر الذي يحدث للمزارعين مربي الثروة الحيوانية ، فالثروة الحيوانية وخصوصا الابقار تعتبر مصدر غذاء رئيسي للمزارعين واغلب الأسر الريفية ورغم كل ذلك لم يتدخلوا لنجدة هؤلاء المزارعين وبالعكس تجدهم يبادرون بالدعم هنا وهناك وفي مشاريع تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع ، المهم وصلنا الى طريق مسدود مع كل المنظمات وبصعوبة تم دعم مكتبنا بمبلغ بسيط من صندوق التشجيع الزراعي والسمكي لا يكفي لتنفيذ أصغر حملة بمديرية فكيف وانا أريد تنفيذ حملة في خمس مديريات ؟! وقتها قال لنا احد الاخوة بقيادة الوزارة ما معكم إلا هذا المبلغ اعجبكم او انتظروا المنظمات ، وكان المبلغ بحد ذاته تعجيز لنا واسقاط واجب لا اكثر مع احترامي لمن تعاون معنا حتى صرف هذا المبلغ او بالاساس قطع شيك فيه ، وبعدها واجهتنا مشكلة ثانية هي التحويل الى الحساب المجمد والموافقة على الصرف من قبل وزير المالية والبنك المركزي وبنك التسليف الزراعي وإضافة إلى أن هذا المبلغ بعد تحويله لم يصرف إلا بصعوبة شديدة وفترات متقطعة رغم إنهم يعلمون أنها حملة ولا تتحمل التأخير لأن فرق العمل البيطرية بالميدان مع لقاحاتهم فنضل نقسط المبلغ ونطلع نعامل الصرف بصنعاء ونتحمل تكاليف ذلك.
عموما … اضطرينا وقبلنا بهذا المبلغ وكان الجميع يشوفه قليل جدا لا يكفي حتى بدل سفر وعمل الفرق الميدانية لمدة يوم واحد خصوصاً ان الحملة في المديريات الكبيرة والمتباعدة مناطقها، هنا توقفنا وسألنا انفسنا كيف بمبلغ 7.5 مليون ريال خاضعة لخصم الضرائب وبالتقسيط حسب ما ذكرنا ستنفذ حملة بيطرية في خمس مديريات و27 فريق و 27 سيارة وكل فريق يتكون من 3 دكاتره و2 مختصين بيطريين ، في حين كانت تنفذ حملات مماثلة لها بل أصغر منها عبر المنظمات بتكلفة لا تقل عن 120 مليون ريال.
بعد ذلك وفي شهر سبتمبر من العام 2019 كانت لنا فرصة والتقينا السيد الفاضل ابراهيم المداني رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا و طرحنا عليه الموضوع وخلال نقاش معه وضحت لنا أشياء كثيرة وتسهلت المهمة في عيوننا، وقتها ادركنا أنه فعلا يجب أن لا نقف مكتوفي الأيدي وعلينا أن نتدخل وننقذ حياة هذه الحيوانات التي كانت تموت بالعشرات كل يوم، حتى لو مشينا على الأقدام بدل السيارات وحملنا أدوات التلقيح والعلاجات على أكتافنا متوكلين وواثقين بالله تعالى.
فقررت البدء في الإعداد لتنفيذ الحملة وفي نفس اليوم عدت من صنعاء إلى ذمار وفي نفس الليلة تواصلت مع مدراء الفروع و مدير إدارة الثروة الحيوانية ومدير إدارة صحة الحيوان وابلغتهم بقرارنا بدء تنفيذ حملة بيطرية للقاح وعلاج الأبقار ضد مرض التهاب الجلد العقدي في الخمس المديريات المنتشر فيها المرض (وصاب العالي – وصاب السافل – جبل الشرق ) والمديريات المهددة بانتشار المرض وهي (عتمة – ضوران).
وعند سماع المختصين بذلك استغربوا وكان بعضهم يطرح عليا الصعوبات وإن التكاليف قليلة وإن الفرق تعودوا على فلوس المنظمات بالدولار ومبالغ كبيرة و…..الخ وهذا ما ذكروه مع استعدادهم لتنفيذ توجيهاتنا ، فطلبت منهم الحضور وعقد اجتماع طارئ بالمكتب الرئيسي ذمار، وهذا ما حدث فعلا فاجتمعنا بمدراء الفروع وخلال المناقشة وبحث الحلول الممكنة التي تضمن نجاح الحملة بحيث نستطيع تغطية كل المناطق المستهدفة وبأقل التكاليف، فتم الاتفاق على العمل بآلية جديدة التي وقتها كنا في إطار تفعيل المرشدين البيطريين والمرشدين المحليين من المجتمع المستفيد بعد أن تم تدريبهم وعنل حصر كامل للكادر البيطري بالمحافظة…
وبعد ذلك شكلنا فريق الحملة من مدير فرع الزراعة بالمديرية ويتبعه دكتور بيطري في كل عزلة و يليهم المرشدين البيطريين المختصين والمرشدين المحليين الذي سبق وتم تدريبهم ولديهم خبرة ، وهكذا تم تشكيل كل الفريق الميدانية من المديريات والمناطق المستهدفة، وهنا ضمنا التنفيذ بأقل التكاليف والتي تعتبر شبه طوعي والجميع بادر بالتعاون معنا وبالإضافة ضمانة لوصول الفرق الى كل المناطق المستهدفة لأنها مناطقهم ويعرفونها وبعدما حلينا مشكلة تكاليف الفرق الميدانية واجهتنا مشكلة اخرى وهي التكاليف الكبيرة للسيارات المطلوبة لكل فريق، فأتفقنا على حل هذه المشكلة من خلال استبعاد عمل ونزول الفرق بالسيارات وتعويض ذلك بالسياكل النارية الموتورات وبحيث يتكون كل فريق من واحد مرشد بيطري وآخر مرشد محلي من المناطق المستهدفة وعلى أن تبقى سيارة واحدة في كل مديرية للإشراف ونقل حاضنات اللقاحات والعلاجات وما يتطلب العمل..
توكلنا على الله وبدأنا تدشين الحملات بالآلية الجديدة وبدأ تنفيذ الحملة في مديريات ( وصاب السافل ووصاب العالي )، بعدها باقي المديريات المستهدفة ( جبل الشرق ، عتمة، ضوران ) وبدل نزول الفرق الاشرافية من صنعاء أو من المكتب الرئيسي ذمار اكتفينا بالاشراف عبر مدراء فروع المكتب بالمديريات المستهدفة ، وعملنا مجموعة واتس واشركنا فيها المختصين بالوزارة والمحافظة وغرفة عمليات بحيث تصلنا أعمال كل فريق بالليل آخر كل يوم عمل مزودة بالصور وكانت النتائج كبيرة جداً ومشرفة ونفذت الحملات على أكمل وجه ووصلت الفرق الميدانية الى كل المناطق المستهدفة ومناطق أخرى لم يسبق ووصلتها أي حملة سابقة لان الفرق العاملة بالحملة كانت من المديرية وتعرف المناطق وكذلك استخدام السياكل النارية الموتورات سهل وصول الفرق الى كل القرى خصوصاً التي طرقها وعرة ويصعب وصولها بالسيارات.
وهنا تجلى تأييد الله فقد تضاعفت المناطق التي تم استهدافها وكذلك عدد الابقار التي تم استهدافها بالعلاج واللقاح وبكل ثقة وجد عملت الفرق بأدنى التكاليف ما يغطي صرفتهم اليومية، ولأول مرة يحص المكتب على شهائد شكر ورسائل مباركة على نجاح الحملة من كل قرية وصلت إليها الفرق … وكما لاقت الحملة تعاون كبير ومباركة من قبل المجتمع عندما علموا بآلية تنفيذ الحملة ومشاركة أبنائهم المرشدين المحليين وعدم تدخل المنظمات في تنفيذها، وحتى تم تلقيح ابقار المواطنين الذي كانوا دائماً يرفضوا تدخل المنظمات وتلقيح حيواناتهم لعدم ثقتهم بالمنظمات وتدخلاتها …
والحمدلله نفذت الحملة وبنصف المبلغ الذي صرف لنا من الصندوق الذي كانوا يريدوا أن نتدخل فيه تدخل طارئ، ولكننا نفذنا فيه حملات متكاملة فالحملة التي كانت تنفذ عبر المنظمات بمبلغ 120 مليون ودون جدوى نفذها المكتب بمبلغ 3 مليون ريال، وضمان بالتنفيذ ونجاح كبير، وعلى اساس وفرنا باقي المبلغ لأي تدخلات، وأي أعمال وحملات قادمة بالمحافظة.
وللعلم إن أغلب الحملات البيطرية التي تمولها المنظمات بمبالغ كبيرة دون جدوى حيث و تأتي في غير وقتها ، ولا يوجد تدخل طارئ من قبل هذه المنظمات لمكافحة اي مرض وقت حدوثه.
عموماً تنفيذ هذه الحملات اكسبنا ثقة وخبرة اكبر ولم نتوقف عند ذلك فأستمرينا في تفعيل المجتمع والعمل بالمشاركة المجتمعية في كل الجوانب، فكانت تصلنا العديد من البلاغات عن أمراض في عدة مناطق بالمديريات، ففكرنا بالعمل بآلية جديدة وهي المشاركة المجتمعية بحيث كل مزارع أو مربي ثروة حيوانية مستفيد من الخدمة يتحمل تكاليف تقديم هذه الخدمة، فمثلا على كل رأس يتم تلقيحه وعلاجه 50 ريال ويتحمل المكتب العلاجات واللقاحات اللازمة وعبر الكادر الارشادي و البيطري والمرشدين المحليين الذي تم تدريبهم، ولديهم خبرة عملية فلاقى ذلك ترحيب كبير من قبل المجتمع المستفيد ..
واستمر المكتب في هذا التوجه وتفعيل العمل بالمشاركة المجتمعية، عقد ورشات عمل وتم تدريب المرشدين والمختصين، واستكمال حصر المرشدين الزراعيين والبيطريين بما فيهم المرشدين المحليين، وتجهيز عدد من المراكز الارشادية والبيطرية، وتزويدها بالعلاجات واللقاحات اللازمة، ويتم تزويد الفرق الميدانية بما يتطلبه العمل كلما تطلب ذلك.
والعمل بالمشاركة المجتمعية لم يقتصر على الحملات البيطرية فقد نفذت حملات وقائية بنفس الألية عبر فروع المكتب والمرشدين ومشاركة المجتمع من خلال مشاركة المكتب بالمرشات ومواطير الرش والمبيدات، وبادر المستفيدين من المجتمع بالعمل بسياراتهم وتحمل تكاليف المحروقات وكذلك تم إنشاء عدد من الجمعيات الانتاجية الزراعية، وعمل لجان مجتمعية لإدارة المشاريع الزراعية بما فيها مشاريع الري والمنشئات المائية، وإدارة العمل بالوديان الزراعية، والمشاتل الزراعية القروية، والعمل مستمر إلى أن يشمل ذلك كل المناطق والقرى بمديريات المحافظة وبهذا يسهل وصول الخدمة الارشادية وأي تدخل أو حملات طارئة وقائية للمحاصيل الزراعية أو بيطرية وكل ما يتطلب في الجانب الزراعي وبصورة مستديمة …
نشكر الله على توفيقه، والشكر لكل من تعاون وعمل من الزملاء بالمكتب والمحافظة بما فيهم فروع المكتب بالمديريات والمرشدين الزراعيين والمرشدين المحليين والقيادات الريفية الفاعلة، والشكر موصول للأخوة باللجنة الزراعية والسمكية العليا الذي كان لهم الدور الفاعل والدافع الكبير في تحريك عجلة العمل بالمشاركة المجتمعية لضمان استمرارية وديمومة العمل، والشكر لمن تعاون معنا بالوزارة والمحافظة، ولكل من تعاون معنا في إنجاح أي عمل وكل من ساهم في خدمة المجتمع وقام بعمله على أكمل وجه متحدين كل الظروف، ومطلوب المزيد والمزيد من العمل والجهد والابداع حتى ننتصر في جبهتنا الزراعية واثقين بدعم وتأييد الله فنعم المولى ونعم النصير ..
* مدير عام مكتب الزراعة والري بمحافظة ذمار.