الخبر وما وراء الخبر

إذا كان الجراد يمر مرور الكرام والمبيدات الكيماوية التي نكافحها تبقى على الدوام … فهل الجراد نعمة وليس نقمة ؟!

81

ذمار نيوز || مقالات ||
[ 9 يونيو 2020مـ -16 شوال1441 هـ ]

بقلم المهندس || هلال محمد الجشاري*

لله في خلقه شأن فهناك من الحشرات ما هو ضار للإنسان ونافع في نفس الوقت ، فهي إما أن تكون طعاماً لأنواع من الطيور وإما أن تكون حشرات نافعة تلتهم أنواع من الحشرات الأكثر خطراً على الإنسان والنبات والبيئة ، وكما يوجد أنواع من النباتات لا تصلح طعام للإتسان فهي فقط للحيوانات ، وفي نفس الوقت هذه الحيوانات تمثل قيمة غذائية بلحومها وجلودها وصوفها ، و لا غنى للإنسان عنها.

وعلى ذكر الجراد فعند دراسة سلوكها وطبيعة الأراضي التي تتعرض لقدوم الجراد لوجدنا أنه يشكل مصنعاً من أفضل أنواع السماد للأرض بعد التهامه اجزاء من النباتات وبعض أوراق النباتات الخضراء ليفرغ في الأرض في نفس اللحظة مخلفاته العضوية ذات القيمة العالية كسماد عضوي يبعث في النباتات الحياة الأكثر نموا واخضرار ، ويشكل في ذات الوقت قيمة غذائية عالية لمعظم الحيوانات التي تتغذى عليها ، وهنا ندرك حكمة الله في خلقه ولابد من الأخذ بهذا التوازن البيئي بين كل المخلوقات وقياس مدى الفائدة والضرر ، وتغليب الأكثر فائدة دون الإخلال بمعادلة التوازن البيئي التي اهم أسباب إستخدام المبيدات الكيماوية في مكافحة أنواع من الحشرات دون حساب عواقب وخطورة ذلك على الانسان والحيوان والبيئة بشكل عام.

وخلال هذه الايام على ذكر ظهور اسراب من الجراد في أغلب محافظاتنا اليمنية ، فنجد في المقابل البعض ينشر الخوف والرعب وان هذه كارثة على الزراعة والبعض يقول انها مريضة ولا تصلح للأكل وفيها وفيها … يكذبوا ويتحروا الكذب ، في الجانب الآخر تجد حالات استرزاق واستنفار واستنزاف من قبل بعض الجهات والمنظمات التي لا تعرف إلا المبيدات والدولارات ، وليتهم يبحثوا عن حلول مكافحة اخرى ويتمعنوا قليلا في معنى كلمة مبيدات فيبيدوا الأخضر واليابس ، وينطلقوا ترافقهم الكاميرات في حملة إبادة شاملة ، ولكنها هذه الحملات ليست للجراد فحسب بل للبيئة بأكمله بما فيها الانسان والحيوان لآثارها المستقبلية وبالتأكيد لابد هنا من القول ان الجراد يمر مرور الكرام والسموم تبقى على الدوام .

وللعلم فقد نفذت عدة حملات رش بالمبيدات ومن خلال تجربتنا السابقة فإن حملات الرش ليست مجدية اقتصاديا ولا تفي بالغرض سواء من خلال ارتفاع تكاليف الحملات أو عدم القدرة على السيطرة على اسراب الجراد وسرعة انتقالها وتحركها من منطقة الى أخرى وكذلك انتشارها في عدة مناطق بوقت واحد وكذلك كما ذكرنا المخاطر البيئية المصاحبة لمكافحة الجراد عن طريق الرش بالمبيدات وقتل الاعداء الحيوية ، كما ان الرش ببعض الأنواع من المبيدات لا تقتل الجراد بل تكسبها مناعة ،كل هذا وغيره يصعب جداً عمليات المكافحة للجراد والرش بالمبيدات الكيماوية ، وهنا ينبغي علينا ان نوقف هذا العبث ولنكون صادقين مع انفسنا ولنبحث عن تقنيات للمكافحة أكثر أمانا واقتصادية للوصول الى إجراء عمليات مكافحة عملية و أكثر فعالية واستخدام المكافحة الطبيعية واليدوية ، كما هو مطلوب تفعيل المرشدين الزراعيين والمرشدين المحليين لتوعية المجتمع واحياء العادات والتقاليد والاعمال القديمة التي كان يقوم بها اجدادنا من خلال عمل الاخاديد الترابيه ودفن يرقات الجراد او عمل الاشباك الكبيرة والمكافحة اليدوية الطبيعية و….الخ ، خصوصاً ان طور الجراد الضار هو طور الحورية او ما يسمى الدبا اي الجراد الزاحف الصغير الذي لم يصل لمرحلة الطيران ، هذه وغيرها كان يعمل اجدادنا في مكافحة الآفات والحشرات الزراعية ومنها الجراد وما دمنا لا نستخدم المبيدات الكيماوية ستبقى الحشرات النافعة وستقوم بدورها كذلك الى جانبنا للوصول الى بيئة سليمة خالية من السموم وما علينا إلا ان نخلص ونحسن نيتنا ونبدأ العمل ببدائل المكافحة ونفعل المشاركة المجتمعية والمبادرة الذاتية والله بيعين وبتكون النتائج كبيرة .

وتبقى مسألة مهمة يتطلب التطرق لها ، إن الله سبحانه وتعالى لما خلق المخلوقات وأراد للأرض أن تعمر وأراد للحياة أن تستمر ، فكان من تلك المخلوقات الجراد ، هكذا قضت مشيئة الله أن تستمر الحياة بوجود الجراد ، ولا يزعم زاعم بأن الجراد خلق عبثا ، فللجراد دوراً في المحافظة على البيئة وتساعد أحياناً في تخليص النباتات من أمراض تصيبها مثل المن وبعض أنواع من الفطريات وكما نعلم أن الجراد جند من جنود الله فيرسله إلى أرض فتعود أكثر نباتاً واخضراراً وقتها ، ويحوّل بقايا النباتات والأوراق إلى سماد عضوي ، فإذا أصابه المطر أعشبت و ازدادت اخضراراً ، وكما يرسله الله إلى بعض أقوام عقاب وعذاب لهم كما فعل بفرعون وقومه ، وبذلك هو اشبه بالمطر يصيب أرضاً قاحلة جرداء يابسة فينبت بها الزرع والزيتون ، ويرسله إلى آخرين فيهلكهم ، كما ان الإسلام كنظام اقتصادي شامل يحمل مفاهيم اقتصادية عالمية كفيلة بحل أكبر المشاكل العالمية ومشكلة الجراد بمنظور الإسلام باب من أبواب الدواء والغذاء والصحة لمن تعامل معها بمنطق علمي إسلامي مبني على فهم حكمة الله في خلق الأشياء ، وهذا عكس فهم بعض الجهات ومنظمات الاسترزاق التي تعتبرها باب من أبواب الرزق لشركات المبيدات الحشرية ، ولارتزاق المنظمات وعمل موسمي لبعض الجهات تصرف عليها ملايين الدولارات هباء.

وهذا الفارق في الفهم هو الأهم بين منظور الإسلام الذي يتجلى حرصه على سلامة الانسان والحيوان و الحشرات والبيئة بشكل عام (لأن الجراد عبادته في أن يكون ذلولاً للإنسان لا أن يكون نقمة على الفقراء والبسطاء).

حيث ورد في حديث عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام “أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالسمك والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال” وكما ان الجراد يعتبر من الاكلات المفضلة عندنا نحن اليمنيين وكذلك عند كثير من شعوب الدول العربية و الاسلامية لأن الجراد غنية بالبروتين الذي يمثل 62% ودهون 17% وعناصر غير عضوية تمثل الباقي مثل المغنسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم ولمنجنيز و الصوديوم والحديد و الفوسفور وغيرها من العناصر الغذائية الهامة.

إذاً الجراد نعمة وليس نقمة …

*مدير عام مكتب الزراعة والري بمحافظة ذمار.