الخبر وما وراء الخبر

قبل الخروج الأمريكي المُرتقب.. هل يحزم الكيان أمتعته أيضاً؟

28

 

ذمار نيوز || صحافة عربية ودولية ||
[ 8 يونيو 2020مـ -15 شوال 1441هـ

الوقت التحليلي
ما أن يبدأ الحديث عن خروج القوات الأمريكية من المنطقة حتى يتردد صدى هذه الدعوات داخل الكيان الإسرائيلي، لتبدأ بعدها تحذيرات الكيان من خروج تلك القوات من المنطقة، وأنّ أيّ خروج من شأنه أن يُعقد الوضع في المنطقة، وسلسلة لا تنتهي من الأكاذيب، هدفها ثني الأمريكان عن الخروج، غير أنّ حقيقة الأمر أنّه وفي اليوم الذي يلي ذلك الخروج الذي نظنّه بات قريباً ستكون المنطقة بألف خير، وحينها سيبدأ الكيان بعدِّ أيامه المتبقية على أرض فلسطين.

الكيان في وجه العاصفة

الوجود الأمريكي في المنطقة وعلى مدى العقود الماضية وفّر للكيان حياةً آمنة –حسب ادعائه- ونراه اليوم يصرخ ألماً إذا ما أتى الحديث عن خروجٍ أمريكيٍ مُرتقب، فعند هذا الخروج سيكون الكيان الإسرائيلي أقل هيمنة عسكريًا إن لم نقل معدوم الهيمنة، فهمينته يستمدها من الأساطيل الأمريكية الموجودة في المنطقة.

وفي النظر بدقة وتمعّن بماهيّة الدعم الأمريكي المتزايد لحكومة الكيان الإسرائيلي، سنجد أنّ هذا الدعم لم يكن يوماً مدفوعاً باحتياجات الكيان الأمنية الموضوعية أو أنّه التزام أخلاقي أمريكي تجاه الكيان، إنّه داعم للسياسة الخارجية الأمريكية في المقام الأول لتعزيز مصالحها الاستراتيجية في العالم، ومن جهةٍ أخرى فإنّ هذا الدعم بات يُشكل عامل ردعٍ لدول الطوق، وهو ما أجبر أغلبها -باستثناء سوريا ولبنان- على توقيع معاهدات سلام مع الكيان.

أما الأمر الأكثر أهميّة بالنسبة للكيان الإسرائيلي في سعيها لبقاء القوّات الأمريكية في المنطقة قلقه من بقاء الكيان الإسرائيلي على قيد الحياة، ونتيجة لرغبة الولايات المتحدة في استمرار إسرائيل في هيمنتها السياسية وهيمنتها العسكرية على المنطقة، فقد دعا قادة الحزبين السياسيين الأمريكيين للمساعدة في الحفاظ على التوازن العسكري بين الكيان الإسرائيلي وجيرانه، ولكن مع ضمان التفوق العسكري للكيان، ولكن مع أوّل حالة تراجع للأمريكيين إلى داخل حدودهم، فإنّ هذا التفوق سيكون في مهب الريح، وهو الأمر الذي يُرعب الكيان، ويسعى جاهداً من خلال اللوبي اليهودي في أمريكا إلى إبقاء القوّات الأمريكية في المنطقة.

فيتنام الشرق

واليوم وبعد كلُّ تلك السنوات من الوجود الأمريكي في المنطقة، أدركت أمريكا أنّها لم تعرف الراحة مُطلقاً، وجميعنا شهدنا عودة جثامين القتلى الأمريكيين إلى بلادهم، وما خلّفته تلك المشاهد من هزّات سياسية عظيمة أرهت سياسيي تلك البلاد.

وأكثر من الخسائر البشرية، فأمريكا أكثر ما يهمّها من تواجدها في هذا المنطقة هو حفظ مصالحها ومراقبة منابع النفط الذي يُسيِّر عجلة الاقتصاد الأمريكي، ويشغل كما يقول ترامب ذاته بين خمسة إلى عشرة ملايين أمريكي، وهذا في الحسابات الانتخابية له الأثر البالغ على أيّ عملية تصويت، أما على المقلب الآخر فإنّ وجود أمريكا في المنطقة من شأنه الحفاظ على عاملة القوّة لدى الكيان الإسرائيلي، الذي لولا وجود الأمريكيين هنا لما استطاعوا الصمود إلّا أياماً قليلة.

لماذا الآن؟

كثيراً ما فشلت الحركات التقدمية في الولايات المتحدة في تحدي سياسة البيت الأبيض تجاه الكيان الإسرائيلي وفلسطين، ولسنواتٍ عديدة؛ تجنّبت معظم مجموعات السلام وحقوق الإنسان الفاعلة في هذه القضية، ونتيجة الخوف من أنّ انتقاد سياسات الكيان الإسرائيلي قد يضعها في موضع الاتهام بمعاداة السامية، ونتيجة لذلك؛ لم يكن لدى الأعضاء الليبراليين في الكونغرس بدّاً من الاستسلام للضغوط التي يُمارسها أنصار الكيان الإسرائيلي في دوائر صنع القرار الأمريكي، غير أنّ العديد من الجماعات في أقصى اليسار اتخذت موقفا معاديًا بشدة للكيان ولم يتحدّوا سياساته وحسب، بل شككوا أيضًا في حقه في الوجود، وهو الأمر الذي أرعب الكيان، وبات يرتعد من وصول أيٍّ منهم إلى سُدّة الحكم، واليوم يُفاجئ المرشح الأمريكي المُنافس لترامب (جو بايدن) ساسة الكيان بأنّه سيلغي صفقة القرن، مع اعترافه الواضح بحق الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي أثار الرعب في داخل الكيان، وبدأ يُطالب أمريكا وجماعات الضغط هناك بضرورة بقاء القوّات الأمريكية في المنطقة.

وفي النهاية يمكن القول إنّ الدعم الأمريكي غير المحدود للكيان الإسرائيلي مرارًا وتكرارًا أفضى لإفشال أيّ جهودٍ للسلام وذلك في كافة الحكومات المُتعاقبة على الكيان، وبقيت سياسة الكيان الإسرائيلي المُعتمدة على الدعم الأمريكي متعنّتة في كافة مواقفها والتي أشار إليها الجنرال وعضو الكنيست “ماتي بيليد” على أنها تدفع إسرائيل “نحو موقف من التعنت القاسي”، الدعم الذي نتحدث عنه وما صاحبه من تعنت الكيان أدى لزيادة إصرار قوى المقاومة في المنطقة على تحصين نفسها وزيادة قوّتها في مواجهة الدعم الأمريكي للكيان، وهو الأمر الذي من شأنه إبقاء المنطقة في حالة من الاشتعال لن تنتهي ما دامت واشنطن تزيد من دعمها غير المشروط للكيان.