من ضحايا صفقة القرن في السعودية.. الدكتور الخضري مقعداً في سجن “ذهبان” بجدة
الدكتور محمد الخضري، القيادي في حركة “حماس”، اسم على لائحة ضحايا إمبراطورية الاستبداد التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. خط بياني واحد يجمع بين كمّ الأفواه ومحاولات القضاء على كل المعارضين والمخالفين لسياساته من المواطنين، وبين حملة الاعتقالات التي طالت 68 فلسطينياً وأردنياً مقيما في المملكة في نيسان/أبريل 2019، وإخفاء مصيرهم عن ذويهم ومنعهم من معرفة أسباب اعتقالهم وطبيعة عملية الانتقام التي تستهدفهم من دون سابق إنذار، حتى باتوا بعد أكثر من عام على احتجازهم في وضع سيئ وظروف تحكي معاناتها ما تتصف بها سجون السعودية.
قبل عام وشهرين من الزمن، حضرت فرقة من عناصر جهاز رئاسة أمن الدولة في مدينة جدة، عند الخامسة فجراً، إلى منزل الدكتور الخضري (81 عاما)، وطلب عنصران يرتديان لباسهما المدني، من الخضري الذهاب معهما للاستفسار عن بعض الأمور لمدة ساعتين فقط، ولشدة ما اختصر العنصران الوقت الذي قد يمكثه الدكتور عندهم، حاولا منعه من إحضار أدويته معه، ولكن الساعتين المشؤومتين تستمران إلى هذا اليوم.
من الألطاف الإلهية ـ لربما ـ كان إصرار د. الخضري على إحضار أدويته الخاصة معه حين اعتقاله، فالقيادي في “حماس” كان لتوه خارجاً من عملية جراحية إثر معاناته من مرض عضال، وكان وضعه الصحي بحاجة لرعاية متأنية وخاصة نتيجة ما يكابده من آلام، آلام لا شك أنها تفاقمت بشكل كبير خلال 14 شهراً من الاحتجاز التعسفي في زنازين المباحث والسجون العامة في البلاد.
في سجن ذهبان بجدة يقضي الرجل الثمانيني فترة اعتقاله التعسفي، اعتقال تسبب بمفاقمة وضعه الصحي سوءاً، والأمر يستدعي نقله إلى مركز صحي، ومستشفى تخصصي والتفات خاص بواقعه المتأزم، ولكن، الأوضاع الصحية المتدهورة كان علاجها عند إدارة سجن “ذهبان” بأنها قررت وبدلا من تقديم الرعاية الصحية للخضري، أن تقدم له الرعاية العائلية، وتنقل نجله المعتقل هاني (المهندس المحاضر في جامعة “أم القرى” بمكة) إلى نفس الزنانة معه، غير أن العائلة تتخوف على مصيره.
من ضحايا صفقة القرن في السعودية.. الدكتور الخضري مقعداً في سجن “ذهبان” بجدة
“عمي الدكتور محمد الخضري، أصبح الآن مقعداً، وهو خلف القضبان”. هذا ما يكشف عنه الأستاذ عبد الرحمن الخضري في حديثه لموقع “العهد” الإخباري، ويروي بكل حرقة وألم الحالة التي وصل إليها عمه في السجن، حيث بات غير قادر على المشي والوقوف وباتت صحته تتدهور بصورة متواصلة، وأعرب عن قلق العائلة على صحة د. محمد نتيجة الأوضاع المزرية في سجون “المملكة”.
ونتيجة التعنّت السعودي والانتهاكات بحق المعتقلين، وعملية الانتقام من الخضري وانتهاك حقوق الإنسان بفصل متواصل من فصول اغتيال الحقوق الأساسية لكل إنسان أكان حرا أم معتقلا، تتبلور مشهدية انتقامية فذّة مورست بحق المعتقل الذي يحتاج وبصورة عاجلة إلى الرعاية الطبية، وبدلاً من أن تنقله السلطات إلى المستشفى قررت أن تأتي بابنه المعتقل أيضا ليمكث معه، ويرى آلام والده أمام عينيه من دون أن يتمكّن من تقديم شيء له وهو المعتقل تعسيفا أيضاً. وبذلك تكون السلطات قد ارتكبت جريمة متعددة الأبعاد، أكان في الحرمان من الرعاية التي تكفلها الأنظمة والشرع والقوانين الدولية والمحلية، أم من جهة جعل الأبناء يرون معاناة آبائهم وآلامهم مع سلب قدرتهم واستطاعتهم على الإعانة.
ومع السياسات التي تفرضها الرياض تحت تداعيات انتشار فايروس “كوفيد19″، فإن المعتقلين محرومون من الزيارات العائلية منذ أكثر من أربعة أشهر، ولأن الإجرام يجب أن يتواصل والانتقام تجيء به السلطات بعدة أوجه فقد استكملت خطواته بحرمان المعتقلين من التواصل الهاتفي مع ذويهم، إذ يقول عبد الرحمن إن عمه تواصل مع زوجته خلال عيد الفطر المبارك بعد انقطاع لمدة طويلة عن التواصل، ولم تستمر المكالمة الهاتفية سوى 5 دقائق، لم تكن كافية حتى للاطمئنان على واقع الحال الذي يكابده عمه.
وليس غريبا ولا مستهجنا أن تتعمّد السعودية حرمان المعتقلين من توكيل محام لهم للدفاع عنهم وتبيان وقائع قضاياهم، فهذه السياسة تستخدمها مع كل المعتقلين من دون استثناء، خاصة وأن أي مخالف أو مدافع سينال نصيبه من الانتقام حينما يورد ما لا يتواءم مع آرائها واتهاماتها وفبركاتها بحق المعتقلين أكانوا مقيمين أم مواطنين، ما يجعل قضية التواصل ومعرفة واقع وماهية ما يجري للقابعين خلف القضبان صعب للغاية، كما يحصل مع الدكتور الخضري، الذي تتجه عائلته نحو التواصل مع جهات دولية وأممية من أجل التدخل وتحريك ملف القضية وسط ما يعانيه في زنازين سجن “ذهبان” في مدينة جدة.
جدير بالذكر أن د. الخضري كان مقيماً في السعودية منذ نحو ثلاثة عقود من الزمن، وكان يعمل على تنسيق ملف العلاقات بين الرياض وحركة “حماس” لأكثر من عشرين عاماً، ولعب دوراً إيجابيا في صون العلاقات والاهتمام بها، غير أن التعنت والانتقام والسياسات المضمرة لدى الرياض، كانت كفيلة باعتقاله وإيصاله إلى خلف القضبان من دون جرم اقترفه أو ذنب أذنبه، ذنب لا وجود له، وفي الوقت عينه لا شافع له، أكان سنّه أم مكانته العلمية (وهو من أبرز الأطباء الاستشاريين في مجال الأنف والأذن والحنجرة)، وخدمته المتواصلة في مجال الطب في المملكة، وكان مصيره غير المتوقع خلف قضبان السجون.