الخبر وما وراء الخبر

 ترامب ونسخه المشوّهة: التافهون يحكمون العالم

27

ذمار نيوز || أخبار عربية ودولية ||
[14 شوال 1441هـ ]

عرفات الرميمة/ الميادين نت

ترامب هو الشخصية الحقيقية التي عبرت عن أميركا الرأسمالية والإمبريالية المتوحشة بوجهها الحقيقي ومن دون مكياج سياسي وغطاء دبلوماسي.

من أهم الكتب التي صدرت في العام 2015م في الغرب، كتاب للفيلسوف الكندي آلان دونو، بعنوان “نظام التفاهة” (Médiocratie). صدرت طبعته العربية الأولى عن دار سؤال، بيروت، 2020م، وعرّبه مشاعل عبدالعزيز الهاجري.

حاول دونو أن يفسّر للقراء لماذا يمسك التافهون بمواقع القرار في هذا العالم الرديء ـ سياسياً واقتصادياً ـ مؤكداً أنهم ربحوا الحرب من دون أدنى مجهود يذكر، وصاروا يحكمون العالم، ويرسمون ملامح وجهه الذي أرادوه قبيحاً.

وقد توصّل في كتابه إلى أن العمل بحد ذاته أصبح سلعة وشيئاً من ضمن الأشياء التي تباع وتشترى ـ ولم يعد مهنة يتقنها صاحبها ويتميّز بها عن غيره، لأنه يحبها، باعتبارها جزءاً من شخصيته ـ وتم تفريغ مفهوم السياسية من إدارة الشأن العام المرتبط بالناس، والمبني على العقد الاجتماعي، واستُبدل به مفهوم الحوكمة، وصارت قاعدة النجاح فيه أن تلعب اللعبة. ولم تعد السياسية شأناً يهتمّ بالإنسان، ولم تعد تعير له بالاً، وهذا هو ما يحصل الآن بالضبط. أمست السياسية لعبة يلعبها إنسان تافه يشعر بالنقص، ليسيطر بها على إنسان آخر، مع وجود استثناءات بسيطة تؤكد صحّة القاعدة ولا تنفيها.

من وجهة نظري – وبعيداً من الكتاب المذكور – أرى أن التفاهة بدأتها الحضارة الغربية بصناعة نجوم السينما وكرة القدم، وجعل النجومية محصورة بهم دون غيرهم، وجعلهم القدوة للشباب في كل شيء، وفي كل دول العالم، وتلك هي الطامة الكبرى، وهذا من وجهة نظري مصدر ثالث للتفاهة لم ينتبه إليه الفيلسوف آلان دينو.

والتفاهة ببساطة هي انعدام القيمة ـ مأخوذة من تفهم الطعام أي أنه صار بلا طعم ـ والرجل التافه هو الأحمق الذي فقد عقله، وأصبح من دونه بلا فائدة ولا قيمة، وليس هناك منطق يحكمُ تصرفاته.

وعنوان الكتاب السابق ومحتواه ينطبق على الكثير من الحكام ومن يصفون أنفسهم بالزعماء – هم صادقون إن قصدوا زعماء التفاهة – لكن أشهر من تنطبق عليهم أوصاف التفاهة ثلاثة ـ أصل ونسختان مشوهتان ـ من قادة الدول المارقة، وهم الخارجون عن القانون الدولي، والذين يشكلون خطراً على جيرانهم وعلى العالم بأسره – بحسب تعريف نعوم تشومسكي للدولة المارقة في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه – بقوة السلاح والإعلام والمال.

ولنبدأ مع ترامب، الذي أظهرت جلّ تصرفاته أنه كذلك، وخصوصاً تعامله التافه مع مرضى كورونا، بلعب الغولف في حضرة الموت – وتصرفاته العنصرية التي أدت إلى مقتل 1024 أميركياً أفريقياً في العام 2019م، بحسب “الواشنطن بوست” – ما ينم عن تفاهة وحماقة قل نظيرها، خلقت الأحداث الأخيرة بقتل جورج فلويد، والتي أدت به إلى الاختباء تحت الأرض، خوفاً من متظاهرين عزّل على بعد مئات الأمتار.

لنتعرف إلى صفاته التافهة من خلال كتاب “النار والغضب”، لكاتبه الإعلامي الأميركي المتخصص في الفضائح مايكل وولف. وبعدها يمكن أن نحكم إلى أي مدى وصلت تفاهته.

الرئيس دونالد ترامب ـ بحسب وصف الكتاب ـ لا يقرأ الكتب أو الدراسات المهمة أو التقارير ذات الصلة بعمله، ولا ملخصاتها، ولا يستمع إلى آراء الخبراء وكلام مستشاريه، أو يولي اهتماماً بها، ولا يعير أدنى اهتمام بقواعد عمله كرئيس.

باختصار، هو شخص أحمق لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وهو كما يصفه المؤلف – حرفياً – إنسان غير عاقل، وعقله – إن وجد – “غير قادر على أداء المهام الأساسية في وظيفته الجديدة، وليس لديه القدرة على التخطيط والتنظيم وإيلاء الاهتمام والتركيز، وليس قادراً بأي شكل على تكييف سلوكه، ولا تحديد الأهداف المطلوبة منه بشكل معقول، ولا يمكنه حتى الربط بين السبب والنتيجة”. هو باختصار يتصرف بمنطق المجنون الذي لا يرى النتائج من خلال مقدماتها، ما يجعله فاقداً لأهلية الحكم.

ورئيس أقوى دولة في العالم – التي تتشدق بأنها راعية الديموقراطية وحقوق الإنسان – شخص عنصري بامتياز، يرى في سكان الدول الأفريقية وبعض دول الكاريبي بؤراً قذرة أو حثالة بسبب لونهم، وهو أيضاً سوقي إلى أبعد الحدود، فهو يستخدم في أحاديثه ألفاظاً لا تليق وهو سوقي أيضاً في تصرفاته مع الآخرين – وخصوصاً مع النساء وقد ورد في الكتاب الكثير من التفاصيل حول هذا الموضوع.

كما أنه غير قادر على الفصل بين دوره كتاجر سابق ورئيس حالي، ولا يستطيع التمييز بين مقتضيات القرار السياسي ومتطلبات القرار التجاري الذي يبحث عن المصلحة الشخصية.

وقد وصفته أستاذة علم الاجتماع (ديباولو) – في إحدى الجامعات الأميركية والمتخصصة في دراسة الكذب والكذابين – بأنه أكذب شخص على وجه الأرض، وأحصت له أكثر من 1800 كذبة خلال فترة توليه رئاسة أميركا لمدة عام – 2016 إلى 2017م – وهو عين ما نشرته مجلة “نيويورك تايمز”.

فإذا كان سلوك ترامب، وهو رأس أميركا ورئيسها ـ وزبدتها التي تمخضت عن أتفه نظام انتخابي يتشدق بالديموقراطية، وهي بريئة منه لمن قرأ وتابع ذلك النظام – فكيف هو الحال مع بقية الشعب الأميركي؟ إن ترامب هو الشخصية الحقيقية التي عبرت عن أميركا الرأسمالية والإمبريالية المتوحشة بوجهها الحقيقي ومن دون مكياج سياسي وغطاء دبلوماسي.

إنه الرئيس الأميركي الوحيد الذي لا يمثل، كما ورد على لسان الممثل والرئيس السابق رونالد ريغان، الذي قال إنه يستغرب كيف يمكن أن تكون رئيساً لأميركا من دون أن تكون ممثلاً!

وأشهر نسخة عربية مشوهة لترامب هي محمد بن سلمان؛ الكاذب الآخر الذي شن عدواناً ظالماً على الشعب اليمني – الأعزل إلا من شجاعته، الفقير بماله، الغني برجاله وكرامته – بحجة إعادة شرعية مزعومة انتهت صلاحيتها بتوقيع اتفاقية السلم والشراكة، والسبب الحقيقي هو أنه اتخذ من العدوان سلّماً يوصله سريعاً إلى ولاية العهد، وبعدها الملك العضوض، لكن السلّم الذي صعد به هو عين السلم الذي سينزله من عليائه المنحط.

ومعلوم في علم النفس أن المجرم الذي يشعر بتفاهته وانحطاط قيمته في نظر نفسه وفي نظر المجتمع، يحاول أن يظهر من خلال الجريمة أو من خلال اقتناء الأشياء الثمينة والغالية التي لا يحتاج إليها أصلاً، ولكنها وسيلة للفت الأنظار، ومن يشترِ لوحة ويختاً وقصراً بمليار و350 دولاراً ينطبق عليه الكلام السابق، وهو من يتصرف بعقلية السفيه – بحسب المصطلح القرآني – التافه الذي لا يختلف عن الأطفال سوى القليل، لكن الأطفال لا يقتلون أقرانهم، مهما بلغت بينهم العداوات، كما فعل mbs مع أطفال اليمن.

وما ينطبق على mbs ينطبق أيضاً على النسخة المشوّهة الأخرى محمد بن زايد، وسلوكه لا يقل صبيانية وتفاهة عن سابقيه، فقد جعل من دولته ماخوراً كبيراً، وغلّفها ـ بشوكولا السياحة ـ لكسب الأموال.

الحاكم التافه هو من يظنّ ـ وظنه كلّه إثم ـ أن الشعب وجد من أجله، وفي خدمته، ولأجل تحقيق رغباته، وليس العكس، وهو من يخدّر شعبه بالترفيه، ويقصف عقولهم ببرامج إعلامه التافه، وهو من يبيع قضية أمته، ويطبّع مع العدو الأزلي، من أجل أن يضمن الحكم في سلالته، إلا أن تسقط أميركا ويرث قيادة الأرض عباد الله الصالحون المصلحون.