حرب حزيران 1967 بعين الواقع: هكذا انتصر العدو
ذمار نيوز || تقارير ||
[14 شوال 1441هـ ]
د. محمد طي/ العهد الاخباري
لا يعرف الجيل الحاضر في بلادنا العربية الكثير عن حرب حزيران. كل ما يعرفه أنها كانت حرباً صهيونية مدعومة أميركياً ضد الأمة العربية، وأن العدو غدر بالجيوش العربية، وبذلك كانت النهاية التعيسة لهذه الجيوش في تلك المرحلة.
وحتى نفهم الأمور بشكل أوضح لا بد لنا من وضع الحدث في إطاره بإلقاء نظرة مختصرة على الوضع العربي المادي والمعنوي، وعلى واقع الجيوش العربية التي شاركت في الحرب، من جهة، وعلى الواقع العسكري الصهيوني، لجهة عقله وإمكاناته، من جهة أخرى..
الواقع السياسي/ الاجتماعي العربي:
كانت الأنظمة العربية منقسمة على غرار ما هي عليه اليوم، وكان معسكر منها يتعامل مع الاتحاد السوفياتي في مجال التسلح والتكنولوجيا، وكان المعسكر الآخر يتعامل مع الغرب الذي برزت أميركا قائدة له.
أما على الصعيد الشعبي فكان المد القومي العربي والاشتراكي طاغياً لا سيما بعد انتصار عبد الناصر والقيادة المصرية في تأميم قناة السويس والصمود في وجه العدوان الثلاثي لسنة 1956 وإقامة السد العالي.
وكانت الجماهير العربية تواقة لتحرير فلسطين وتنتظر ساعة مهاجمة العدو وطرده.
الجيوش العربية:
عانت الجيوش من حصار تسليحي مارسه الغرب عليها، فبقي الكيان الصهيوني متفوّقاً في هذا المجال، لما كانت تمده به الدول الاستعمارية من أسلحة غاية في التطور وصولاً إلى تمكينه من صناعة القنبلة الذرية.
انفتحت الدول التي كانت تعد تقدمية، وعلى رأسها مصر، على الاتحاد السوفياتي، بعد أن كان الأمر يعد من المحرمات، وحظيت بصفقات أسلحة.
حرب حزيران 1967 بعين الواقع: هكذا انتصر العدو
الجيش المصري:
استأثر المشير عبد الحكيم عامر وبعض أعوانه بالجيش المصري، لا سيّما بعد الانفصال بين سوريا ومصر في خريف 1961، وقاد بناء الجيش وتدريبه بطريقة بعيدة عن العلمية، بل تعتمد “البهورة” وتركن إلى الإعلام والدعاية، دونما انتباه إلى طبيعة المعركة التي يعد الجيش لخوضها، فكان يشتري الأسلحة ذات الشهرة في المعسكر الشرقي. وكان يجري مناورات وهمية، بحيث تسحق تشكيلاته العدو باستمرار!
وكان الضابط المصري مطمئناً إلى تفوّقه الوهمي، على أساس أن الجيش المصر هو أهم جيش في الشرق الأوسط، هو الذي استطاع أن يجتاز مسافة طويلة نسبياً إلى اليمن ويدعم ثورتها، رغم أنه غرق إلى حد ما في وحولها.
لكن عندما استنفر الجيش للحرب، انكشف التقصير، إذ أتى الاحتياطيون بالجلابيب من الصعيد، ولم يتمكن الجميع من الحصول على البنادق.
الجيش السوري:
كان الجيش السوري تعرض لحملة تطهير بدءاً من سنة 1963، طالت أعداداً كبيرة جداً من الضباط غير البعثيين، وقد حل محلهم معلمو مدارس دون أن يخضعوا للتدريس في الكليات الحربية أو للدروات التدريبية الضرورية.
الجيش الأردني:
لم يكن الجيش الأردني جيشاً معداً للحرب بشكل فعلي، بل لحماية النظام، وهذا ما تكشف بسهولة عندما جرت مهاجمته من قبل العدو الصهيوني.
الجيش الصهيوني:
كان الجيش الصهيوني جيشاً حديثاً تسنده قوات احتياطية حقيقية جاهزة للالتحاق بسرعة، وكان يسعى إلى السلاح الضروري لمعركته ضد الجيوش العربية، لا إلى السلاح ذي السمعة الإعلامية.
درس جيش العدو طرق شن الحرب على الجيوش العربية:
اختار الجيش الصهيوني طائرة الميراج 4 لأنها هي الملائمة للمعركة ضد الجيش المصري، إذ تستطيع التخفي عن الرادار بطيرانها المنخفض، وهي تستطيع الإفلات من المضادات الأرضية إذا هاجمت صباحاً بحيث تأتي من جهة شروق الشمس فلا يستطيع الرامي أن يصوب عليه بسهولة.
من جهة أخرى، كان السوفيات قد أقاموا مدرجات المطارات في مصر بحيث لا تخرقها القذائف المعروفة. إلا أن العدوّ استطاع أن يكتشف بواسطة التجسس الصناعي تركيب الخرسانة التي تشكلت منها المدرجات، فأقام مثلها في النقب، وراح يجرب أنواع القذائف ويطورها حتى استطاعت أن “تفلع” المدرجات.
مقدمات الحرب:
كانت المقاومة الفلسطينية قد انطلقت في 1/1/1965، مستخدمة الساحات الأردنية والسورية واللبنانية، وهنا قرّر العدو المهاجمة، ولمّا كانت الجبهة الشرقية الأقوى هي الجبهة السورية، فحشد تجاهها أحد عشر لواءً.
اتصل السوريون بالقيادة المصرية وابلغوها بالأمر، لكن المصريين لم يطمئنوا إلى أخبار السوريين الذين كانوا على خلاف معهم. فاتصلوا بالجانب اللبناني الذي أكد لهم حقيقة الحشد الصهيوني.
لم يكن الجيش المصري موجوداً في سيناء منذ سنة 1956، بل كانت فيها مراقبة دولية، فطلبت القيادة المصرية من الأمم المتحدة سحبها فاستجيب لطلبها بسرعة فائقة، وأرسل الجيش المصري، إلى سيناء في محاولة للضغط على العدو كي يقلع عن فكرة مهاجمة سوريا.
على الجانب المصري من خليج العقبة وضعت وحدات مصرية، وكانت السفن الصهيونية مضطرة في أماكن معينة أن تمر في المياه الإقليمية المصرية، فحاولت الوحدات المصرية منعها وهنا شعر العدو بالاختناق الآتي، ما دفعه إلى استعجال الحرب.
صباح 5 حزيران 1967 شن الطيران الصهيوني غارة كاسحة على الطيران المصري ومطاراته، فدمر سلاح الطيران وخرب المدارج، وهاجم في البر.
أعطي الأمر للجيش المصري بالانسحاب إلى غربي قناة السويس لإنقاذه بعد أن فقد الغطاء الجوي (على غرار ما كان حصل سنة 1956 عندما هاجمت الأساطيل البريطانية والفرنسية منطقة القناة وتقدم الجيش الصهيوني في سيناء فكان لا بد للقيادة المصرية حينها من سحب الجيش من شبه الجزيرة) وهكذا حسمت المعركة ضد مصر، واحتلت سيناء.
توجه الجيش الصهيوني بثقله ضدّ سوريا، وكان الجيش السوري متحصّناً في مرتفعات الجولان مع 300 دبابة تقصف الجيش الصهيوني.
وجد الجيش الصهيوني أن التصدي الجبهوي للجيش السوري أمر صعب، فاخذ يعمل على الاختراق من أجل الالتفاف، واستطاع ذلك، خصوصاً وأن الضباط الصغار في الجيش السوري من قادة الفصائل والسرايا كانوا من معلمي المدارس كما رأينا، وهكذا التف العدو على الجيش السوري من الخلف وحسم المعركة واحتل الجولان.
أما الأردن فجرت مهاجمته دون تفريغ قوات إضافية إلى ما كان موجوداً قبالته من قوات بسيطة بانتظار حسم معركة سوريا ومصر، إلا أن قائد المنطقة الوسطى الصهيوني أصرّ على مهاجمة الضفة الغربية بالقوات المتوفرة معه، وبعد الحاحه سُمح له، فخاضت القوات الصهيونية معركة لمدة نصف ساعة على سور القدس مع مدرسة الشرطة ودخلت القدس وتوجهت إلى باقي الضفة حيث جوبهت بقوات من جيش التحرير الفلسطيني فأبادتها تقريباً، واحتلت الضفة الغربية.
وهكذا انتصر العدو واحتل سيناء والضفة الغربية والجولان.