الخبر وما وراء الخبر

 اضفاء النار على الاحتجاجات؛ حكمة ام استراتيجية من ترامب؟

19

ذمار نيوز || تقارير ||
[13 شوال 1441هـ ]

بين حين وأخر تتصاعد حدة العنصرية المنهجية في الولايات المتحدة لفترات قصيرة، لكن الاحتجاجات الواسعة الأخيرة التي قام بها السود في الولايات المتحدة أظهرت المعاناة التي نشأت في البنية الاجتماعي للشعب الأمريكي والأقلية السود بعد مجيء ترامب إلى السلطة.

في كل مرة يدلي ترامب بتصريحات غير منطقية ضد السود، فإنه لا يزيد سوى من غضب الاحتجاجات، ومن ناحية أخرى، يعلن أن الحل تجاه السود الوحيد هو قمع من يتظاهر منهم على نطاق واسع. وقد أدى هذا إلى انتقاد موقف ترامب من قبل النقاد على أنه صانع للأزمات. لكن هل يمكن إعتبار مواقف ترامب التي تخلق الأزمات وتشدد الفجوات على أنها وسيلة لبقائه في السلطة؟

قرارات ترامب وفريقه الاستشاري غير المدروسة

يحظر قانون الحقوق المدنية، الصادر في عام 1964 في الولايات المتحدة، أي تمييز على أساس “العرق أو اللون أو الدين أو الأصل القومي”. وهذا القانون هو نتاج حركات اجتماعية وعصيان مدني من قبل السود بين عام 1955 وحتى إقرار القانون.

وبغض النظر عن القانون، ظل ترامب ومستشارو حملته يتبعون سياسة داخلية منذ عام 2016 مبنية على دعم القومية المتطرفة وكسب أصوات البيض الذين يعارضون دخول السود في السياسة أو يعارضون هجرة الأقليات الأخرى إلى الولايات المتحدة.

في الواقع، قام الجمهوريون برد سياسي على أصوات 93 في المائة للسود الذين صوتوا لأوباما لضمان دخول ترامب إلى البيت الأبيض. يشكل السود حوالي 40 مليون شخص في أمريكا، وهم بذلك يمثلون 13 بالمائة من السكان. ويشكل السود حوالي 12 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اذا ما كانت نسبة المشاركة متدنية.

وفي هذا الصدد، يعتبر بعض مستشاري ترامب، مثل جاريد كوشنر، أن ترامب ليس بحاجة إلى آراء الناخبين السود ويرى بضرورة قمعهم خلال الاضطرابات الأخيرة. ووفقًا لقناة CNN ، يشجع بعض كبار مستشاري ترامب، مثل بروك رولينز كوشنر، ترامب على التعامل بعنف مع أعمال الشغب”. وبحسب محاميه السابق، كان ترامب قد وصف السود سابقا بالحمقى.

ومع بداية الاضطرابات كانت تصريحات ترامب تشير الى قلقه بشأن الإنتخابات، حيث وصف السود أنهم “مخربين” و “سُراق الممتلكات العامة” وذلك لإرضاء ناخبيه البيض. وكانت هذه التصريحات كفيلة لخلق موجة قوية من الاحتجاجات والقمع في نفس الوقت. وأعلنت مدن لوس أنجلوس وفيلادلفيا وأتلانتا وكليفلاند وسياتل ودنفر حظر السفر.

ومن المثير للاهتمام، أن ترامب، الذي رأى حجم الإعتراضات والإدانات التي نالت من تصريحاته، يواصل سياسته المزدوجة تجاه عمليات القمع، وقال في تغريدة له على تويتر: أهني الحرس الوطني على العمل الذي قاموا به الليلة الماضية بعد وصولهم فورا الى مينيابوليس. لقد تم قمع أعمال الشغب للحركة اليسارية المناهضة للفاشية وغيرها بسرعة. “كان يجب أن يتم ذلك من قبل رئيس البلدية في الليلة الأولى حتى لا تكون هناك مشاكل.” كما هدد الرئيس الامريكي، حركة أنتيفا، بتصنيفها ضمن الجماعات الإرهابية.

ومع ذلك، فإن الحرس الوطني تابع للجيش الأمريكي ولا يأخذ أوامره من البيت الأبيض مباشرة، بل تأتي أوامره من المحافظين ومسؤولي الدولة. وعلى هذا النحو، لا يرى الحكام الديمقراطيون ضرورة الامتثال لأوامر ترامب التي فيها صبغة انتخابية وحزبية. وقد أدى ذلك إلى تفاقم ثنائية القطب في الولايات المتحدة، حيث رافقتها العديد من وسائل الإعلام المستقلة والحرة على حد سواء.
“وغرد السيناتور الأمريكي كريس ميرفي:” أتيحت للرئيس فرصة لمحاولة إعادة الهدوء إلى البلاد لكنه فعل العكس تماما. “لسوء الحظ، كما كان متوقعًا، اختار إضفاء الحطب إلى النار.”

تشديد الفضاء ثنائي القطب

بالإضافة إلى الديمقراطيين، انتقد بعض السياسيين الجمهوريين بشدة حالة ثنائية القطب التي خلقها ترامب. وقال حاكم ولاية ماريلاند لاري هوجان، الذي انتقد ترامب، إن “تصريحاته تزيد من التوتر وتتعارض تمامًا مع ما هو متوقع من البيت الأبيض”. وقد أبدى السناتور الجمهوري تيم سكوت وعمدة واشنطن موريل باوزر مواقف مماثلة.

على الرغم من أن العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين، مثل نانسي بيلوسي، يرون أن سلوك ترامب غير مسبوق بين الرؤساء الأمريكيين، إلا أن خطاب ترامب العنصري يشير أن الرئيس ومستشاريه يسعون إلى خلق أجواء ضد السود لإحباط آرائهم في الإنتخابات المقبلة. وشكر ترامب، الذي فاز في الانتخابات بأصوات أقل من هيلاري كلينتون، المواطنين السود الذين لم يشاركوا في الانتخابات لأنه يرى أن فوزه كان بسبب عدم مشاركة السود فيها.

أظهرت نتائج استطلاع مشترك أجراه معهد “الطريق الثالث” و”مركز الدراسات السياسية والاقتصادية المشتركة” قبل بضعة أشهر، تزايد رغبة المواطنين السود للمشاركة في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 مقارنة بانتخابات عام 2016 وذلك لضمان عدم انتخاب ترامب ثانية. لا يمكن لترامب ومستشاريه تجاهل هذا التهديد لأن

الأقليات كبدت الجمهوريين خسائر فادحة في انتخابات مجلس النواب. لذا يسعى ترامب إلى كسب البيض المتطرفين في الانتخابات القادمة من خلال الخطاب العنصري وممارسة العنف ضد السود.

في الأيام الستة الماضية، إختار ترامب طريق اللاعودة، حيث كلما فشل في تحقيق نتائج من سياساته القمعية، زاد جنونه لقمع المُحتجين. وان علاقته بكوشنر، الذي يشجع مثل هذا القمع، هو اقوى من الاعتراف بأن المشكلة الرئيسية تكمن في حلول هؤلاء المستشارين مثل كوشنر.

كما إن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تُظهر تعاطفًا كبيرًا مع الأقليات في الولايات المتحدة، الأمر الذي أغضب ترامب. ما أظهر نتائج الاضطرابات حتى الآن هو أن توقعات ترامب ومستشاريه أدت حتى الآن إلى طريق مسدود، وترامب دخل في مستنقع لن يخرج منه دون ان يكون هناك تبعات في الانتخابات.

*الوقت