الخبر وما وراء الخبر

تقنية تجسّس إسرائيلية تخترق الشّعوب العربية.. كيف تحمي نفسك؟!

47

بقلم: عبد الله محمد: الميادين نت

حتى أسابيع قليلة، كانت التقارير الصحافية تتحدّث عن عشرات الناشطين والصحافيين الذين تعرضت هواتفهم للاختراق بواسطة برنامج “بيغاسوس” الذي صنعته شركة “أن أس أو” الإسرائيلية وباعته لعدة دول، وفي طليعتها السعودية والمكسيك وباناما.

لكن القضية التي شغلت الإعلام العالمي في السنوات الأخيرة تتكشف عن معلومات جديدة، بعد أن قامت شركة “فيسبوك” بنقل القضية إلى القضاء الأميركي، برفعها، باسمها وباسم شركة “واتسآب” التابعة لها، دعوى ضد الشركة الإسرائيلية في إحدى محاكم ولاية كاليفورنيا، بعد أن عملت الشركة الأميركية العملاقة طوال أشهر، بالتعاون مع شركات أمن رقمي خاصة، على محاولة تحديد الجهات المستهدفة في تقنية التجسس الإسرائيلي، التي استغلت ثغرات في “واتسآب” للتجسّس على هواتف الضحايا.

التقارير الحديثة لشركات مختصَّة في الأمن الرقمي تتحدث عن رصد عمليات استخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي في لبنان، البحرين، الأردن، الإمارات، المغرب، مصر، الجزائر، العراق، الكويت، ليبيا، اليمن، تونس، قطر، الأراضي المحتلة، وسلطة عُمان في المنطقة العربية، إضافة إلى دول كازاخستان، بنغلادش، البرازيل، كندا، ساحل العاج، فرنسا، اليونان، الهند، كينيا، قيرغيزستان، لاتفيا، بولندا، رواندا، سنغافورة، جنوب أفريقيا، سويسرا، طاجيكستان، تايلند، توغو، تركيا، هولندا، باكستان، أوغندا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأميركية، أوزباكستان، وزامبيا.

وباستثناء السعودية والإمارات اللتين اشترتا البرنامج مباشرة من الإسرائيليين، فإن ورود أسماء بقية الدول العربية في هذه التقارير لا يعني بأي حال تورّط أجهزتها الحكومية في نشاط تجسّسي مرتبط بهذه التقنية، بقدر ما يؤكد وجود عمليات تجسس حصلت في هذه الدول باستخدام التقنية الإسرائيلية من قبل طرف ثالث، مع الإشارة إلى أن دعوى شركة “فيسبوك” ودفاع الشركة الإسرائيلية في المحكمة تتقاطعان في أنّ مشغلي البرنامج نجحوا مراراً في استخدامه في بقع جغرافية خارج بلادهم.

على سبيل المثال، تُظهر التحقيقات أن 3 محاولات اختراق جرت من عنوان زائف يقود بشكل مضلل إلى شركة “أمازون”، التي لا يحظى مؤسسها جيف بيزوس بعلاقات طيبة مع ابن سلمان. إضافة إلى “أمازون”، تم انتحال عناوين DNS تعود إلى شركة النقل والتوصيل الأميركية الشهيرة “فيديكس” و”فيسبوك” نفسها!

البحث في ملف الدعوى يكشف عن 1400 هاتف تم اختراقه بالتقنية الإسرائيلية التي طورها، بحسب تقارير من باناما، أولى الدول التي اشترتها، عناصر في الوحدة “8200” الشهيرة في الاستخبارات الإسرائيلية.

وإذا كان صعباً معرفة عدد الدول العربية التي اشترت برنامج “بيغاسوس”، فإن المؤكد أن العلاقات السعودية – الإسرائيلية شهدت ما تعتبره جهات إسرائيلية “خرقاً” غير مسبوق، حين طلبت شخصيات مقربة من ولي العهد محمد بن سلمان التفاوض للحصول على التقنية الإسرائيلية مع وفد إسرائيلي في العاصمة النمساوية فيينا في شهر حزيران/يونيو من العام 2017.

وتتحدث التقارير عن شخصيات معارضة للسعودية بالدرجة الأولى تعرضت للتجسس بواسطة التقنية الإسرائيلية، وعلى رأسها الكاتب السعودي الراحل جمال خاشقجي، الذي تم قتله والتخلص من جثته في جريمة أثارت الرأي العام العالمي، لكن خاشقجي ليس وحده ضحية رؤية محمد بن سلمان المستندة إلى الأدوات الإسرائيلية، فالتفاصيل الموثّقة في تقارير متقاطعة تشير إلى نمط سعودي دائم في استخدام البرنامج الإسرائيلي ضد كل من يثير غضب ابن سلمان أو ينتقده، حتى إنّ خبيراً كندياً في الأمن الرقمي يروي قصة “مخيفة” عن كيفية محاولة استدراج زميل له في العمل من أصل سوري في “تورونتو” الكندية للإفصاح عن رقم هاتفه، وبالتالي اختراق بياناته، لمجرَّد أنه يعمل في مؤسَّسة حققت في نشاطات “أن أس أو”.

ومن الواضح أن الشركة الإسرائيلية تقود بنفسها حملة علاقات عامة دولية للملمة ما تسرّب عن أعمالها. ويمكن بسهولة ملاحظة اعتماد إدارة الشركة على مثلّث أعمال إسرائيلي – بانامي – أميركي قام مؤخراً بشراء الحصة الأكبر من أسهم الشركة لصالح شركة أميركية في خضم الزوبعة الإعلامية التي تتعرّض لها. وهذه الخطوة نفسها سمحت لفريق الدفاع عن “فيسبوك” (وواتسآب) برفع دعوى ضد الشركة على الأراضي الأميركيَّة.

وحتى العام 2018، كان يُعتقد أنّ الاختراق بواسطة التقنية الإسرائيلية يتطلب “زرع” البرمجية في هاتف الضحية، من خلال إرسال رابط زائف يتم تفعيله عند النقر عليه، فيصبح الهاتف بكل ما فيه تحت السيطرة، من دون إثارة الشكوك، لأن عملية “سرقة” البيانات تتم في فترات زمنية مختلفة بشكل لا يؤثر كثيراً في استهلاك الإنترنت في هاتف الضحية.

لكنّ ما يُنقل عن أصحاب الشركة الإسرائيلية من تبجّح بشأن إمكانية الاختراق من دون أي خطوات مسبقة، يعزز الشكوك في أنّ التقنية بلغت حداً غير مسبوق، وخصوصاً أنّ ولي العهد السعودي كان حريصاً على الحصول على أفضل ابتكار تقني في مفاوضات موفده إلى فيينا لشراء “بيغاسوس”.

وبحسب بعض التقارير، فإنّ كلّ ما تحتاجه الجهة التي تمتلك التقنية هو رقم هاتف الضحية والاتصال بالإنترنت لتستطيع الولوج إلى هاتفه!

ليست تقنية “بيغاسوس” الأولى من نوعها، فقد سبقتها شركة إسرائيلية قبل أعوام بصناعة جهاز يتيح سرقة بيانات أي هاتف بمجرد المرور إلى جانب حامله، شرط أن يكون هاتف الضحية متصلاً بالـ”بلوتوث” أو الـ”واي فاي”، لكنّ “بيغاسوس” تتيح خيارات أخرى إضافية تجعل السبيل الوحيد لمكافحتها والوقاية منها هو عدم النقر على أي رابط من رقم غريب، وعدم تزويد أرقامكم الهاتفية لأشخاص لا تعرفونهم، ذلك أن بعض حالات الاختراق تم كشفها بعد ملاحظة اتصال عبر واتسآب من أرقام هاتفية خفية لم يرن خلالها الهاتف أصلاً!