الخبر وما وراء الخبر

وهن الإدارة الأميركية في قيادة الأزمة وامتصاص غضب الشارع

32

ذمار نيوز || تقارير ||
[11 شوال 1441هـ ]

مريم رضا/ العهد الاخباري

يتابع العالم اليوم أحداث الشغب والفوضى في أميركا، ويراقب شارعها المتفجر على خلفية مقتل رجل أسود على يد شرطي في الخامس والعشرين من شهر أيار الفائت. لم تشفع كلمات فلويد له “لا أستطيع أن أتنفس” عند جلاده، ليسجّل الإطباق على رقبته ذروة اختناق الشارع الأميركي، “الأبيض والأسود”، بسياسات إدارته العنصرية المتحيّزة. وتاريخ سجل التمييز العنصري في الولايات المتحدة حافل بالممارسات التمييزية، وقد سجّلت أعوام العقد الحالي عدة احتجاجات ضد العنصرية؛ فاقمتها سياسة العنف التي تتبعها الشرطة أثناء المواجهة. فالحدث بحد ذاته ليس جديدًا من نوعه في بلاد احتلّت دولًا، واستبدلت حكومات بأخرى باسم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير. كما أن موقف ترامب إزاء الأقليات ليس خفيًّا أو مجهولًا، وهو الذي قامت برامجه الانتخابية عام 2016 على خطابات عنصرية ضد المهاجرين المكسيكيين، والناخبين ذوي الأصول الأفريقية، فضلًا عن القرارات والقوانين العنصرية المتنوعة التي أصدرها على مدى سني حكمه الأربعة.

بيد أنّ الأمر اللافت والأخطر الذي تكشّف مع الحدث هو مسار قيادة الدولة العظمى للشارع الأميركي أثناء الأزمات. لقد خرجت الأوامر “الترامبية” بقمع المتظاهرين الذين عمّت احتجاجاتهم جميع أنحاء الولايات المتحدة مطالبين بتحقيق العدالة لجورج فلويد، وتسليم الضباط الأربعة المسؤولين عن قتله، وليس واحدًا منهم فقط، كما حدث. وطال القمع والاعتقال مَن وصفهم الرئيس بـ” لصوص” و”بلطجية” و”فوضويين”، على حد تعبيره. ولم يسلم مراسلو الشبكات الإخبارية من الاعتقال، ومن بينهم مراسل CNN. وكان ترامب قد تعهّد يوم الإثنين “بإرسال الآلاف والآلاف من الجنود المدججين بالسلاح والعسكريين وضباط إنفاذ القانون لوقف أعمال الشغب”، ضد المحتشدين في محيط البيت الأبيض في واشنطن وكذلك في مدن أخرى إذا لم يستطع رؤساء البلديات والحكام استعادة السيطرة على الشوارع، الموقف الذي وصفه حاكم ولاية نيويورك بـ”العار”.

وبينما تفرض الولايات المتحدة سياساتها في العالم تحت شعار تمكين الدول الأخرى ورفعها إلى مصاف “دولة القانون”، تصطدم اجراءات ترامب بالمسؤولية المتوخاة في قرارات الدولة وأفعال أجهزتها، وبالحدّ الأدنى تشكّل مفهومًا هجينًا لديه في معنى احترام إرادة المواطنين. فالتعاطف الذي أبداه الرئيس الأميركي للمحتجين الإيرانيين في أحداث شغب عام 2018، انقلب صرامة وقسوة مع المواطنين الأميركيين المتظاهرين اليوم، أمّا دعمه المتكرر لحقوق الإيرانيين المفقودة في تغريداته على تويتر، فقابله تهديد وقمع لإرادة الشارع الأميركي المطالبة بمحاسبة كل الضباط المتورطين في الحادثة.

عندما خرجت مظاهرات محدودة النطاق في إيران عام 2009، ذكّر آية الله العظمى الإمام الخامنئي شعب النظام الجمهوري بآخر وصايا الإمام الخميني “القانون هو فصل الخطاب”، فطالب بالاحتكام للقانون في مؤسسات الدولة وليس في الشارع، وإلا “ما هو ذنب الناس؟ الناس الذين تمثّل الشوارع أماكن كسبهم وعملهم ومرورهم وحياتهم، ما هو ذنبهم؟”. وإذ عبّر بقوله: “يتقرّح قلب الإنسان من بعض هذه الأحداث”، خاطب المتظاهرين بوصفهم “جميع هؤلاء الأصدقاء والإخوة”، وطالبهم بالعمل على أساس الأخوة والتفاهم ومراعاة القانون وسلوك “طريق المحبة والصفاء المفتوح”.

وكذلك الأمر، عندما خاطب الإيرانيين إثر احتجاجات 2018، كان نداؤه موجّهًا للشعب الإيراني بأكمله، لتوجيه البوصلة باتجاه “أعداء الشعب”، و”أعداء إيران”، و”أعداء الإسلام”، دون أن يتهاون بدعوة المسؤولين لعدم الغفلة عن نقاط الضعف ومشاكل الشعب ولا سيما الطبقات الضعيفة. أمّا الأهم، فقد غذّى حسّ الانتماء الوطني للبلاد والنظام، وعزّز شعور الشعب الإيراني بمقدراته وطاقاته وفرادته لأنه صاحب “هذا النظام والبصيرة والحماس ضد مؤامرات العدو”.

هكذا تكون القيادة التي توحّد الشعب في مواجهة الأزمات، القيادة التي تتخطّى الصعوبات وتحوّل التهديدات إلى تحدّيات، وتتجاوز مع الشعب وبالشعب الأزمات. وهكذا تكون القيادة التي تجيّر ما تملك من مؤهلات قيادية “كارزماتية”، يحدّد بورديو صاحبها بأنه “رجل الأوضاع غير العادية أكثر من الرجل غير العادي”. وإذا كانت تسع دقائق جثا فيها الشرطي على رقبة فلويد، بحسب تقرير التشريح، كافية لتأجيج الشارع الأميركي بالاضطرابات والحرائق والعنف، فهل ستمر مواقف ترامب وطريقة تعامله مع الشارع الغاضب دون حساب الناخبين له في صناديق اقتراع الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة؟