الخبر وما وراء الخبر

أمريكا في مهمة الحفاظ على النظام السعودي والقضاء على السعودية

1٬263

ذمار نيوز – صدى المسيرة: إبراهيم السراجي

أمامَ كُلّ حدث يطرأ في المنطقة أصبح لا بد من التفتيش عن المخطط الأمريكي –الصهيوني؛ لأن من المسلّم به أن الأنظمة العربية سلّمت إرادتها للبيت الأبيض، ولذا فإن أية خطوة تقدم عليها تلك الأنظمة وما يترتب عليها من نتائج دائماً لا تخدم الأنظمة العربية أو الشعوب وفي ذات الوقت فإن مهمة البحث عما وراء الأحداث للوصل إلى المشروع الأمريكي-الصهيوني لن تكون مهمة شاقة في زمنٍ أصبحت أمريكا تلعب في المنطقة بأوراق مكشوفة تهدف من وراءها لتحقيق الاستحواذ الأمريكي على ثروات المنطقة وضمان تحريك الأطماع التوسعية الإسرائيلية وتحقيق نتائج في هذا الإطار لا يمكن أن تسير وفقاً للمخططات المرسومة دون إذكاء الصراع الطائفي وتغذيته وأحيانا خلقه هنا وهناك كون هذا النوع من الصراع هو أسهل وسيلة لتقسيم الدول العربية وفق ما بات يُعرف بسايكس بيكو2.

 

  • الشيخ النمر.. إعْدَام المعارض السياسي أم عالم الدين؟

تفاجأ كثيرون بالقرار الذي اتخذه النظامُ السعوديُّ بإعْدَام الشيخ نمر النمر ضمن 47 تم إعْدَامهم في ذات اليوم بحسب الإعلان الصادر عن الداخلية السعودية، وكانت أجهزة الأمن السعودية قد اعتقلت النمر في وقت سابق على خلفية معارضته الشجاعة للنظام الذي يفرض قيوداً كبيرةً على حرية الرأي ويجرّم المعارَضة، غير أن أمريكا ودول الغرب تناولت إعْدَام النمر باعتباره عالماً شيعياً؛ وذلك رغبة منها في رفع وتيرة الصراع الطائفي الذي وبلا شك لا يخدم السعودية أو المنطقة.

تقولُ النظرياتُ إن القرارات التي تتخذها الدول إذا تم تحليلها وقراءتها قراءة صحيحة وكانت النتيجة أن تلك القرارات لا تخدم الدول التي تتخذ القرار اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً فإن تلك القرارات قد فُرضت من الخارج وتخدم أهدافَ مَن قام بفرضها. وبقراءة القرار السعودي الذي أدى لإعْدَام النمر وما ترتب وسيترتب عليه من تصاعد الغضب الشعبي في السعودية ضد النظام السعودي على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها نجد أن ذلك القرار لا يخدم آل سعودي بأي شكلٍ من الأشكال وأي خطرٍ كان سيمثله النمر عليهم لن يكون أكبر من قرار إعْدَامه، ولذلك وكما تقول النظريات فإن القرار يبدو أنه قد جاء من البيت الأبيض مصداقاً للقول الذي ينصح بالتفتيش عن أمريكا وراء كُلّ حدث في المنطقة.

مع تنفيذ حُكم الإعْدَام بحق الشيخ النمر دفعت مؤسسات الدراسات والمعاهد الغربية بتقاريرها من جديد والمبشّرة بتقسيم السعودية على أساس طائفي، وهذا لم يظهر فجأةً مع إعْدَام النمر بل تم استغلالُ المناسبة لإعادة إظهار مشاريع التقسيم فقد سبق وكشفت الدراسات عن مخططات لتقسيم السعودية على ذلك الأساس ولم يتبقى سوى خلق الصراع الطائفي لتنفيذ المخطط.

وأمريكا لا تريد أن تتناول إعْدَام الشيخ النمر باعتباره معارضاً سياسياً للنظام السعودي، بل باعتباره عالماً ينتمي للطائفة الشيعية لتشعل الصراع الطائفي في المنطقة؛ لأنه إذا تم التعامل مع إعْدَام النمر سياسياً فإن النتيجة الطبيعية لما سيترتب عليه الإعْدَام هو اشتعال ثورة تطيح بالنظام السعودي ولكن أمريكا تصر ومعها دول غربية على تناول الإعْدَام باعتباره استهدف عالم شيعي، مع أن النظام السعودي حكم بأحكام مماثلة ضد معارضين ليسوا من الشيعة.

 

  • نشأة الإخوان ومملكة آل سعود.. المذهبية في مواجهة القومية العربية

كانت القومية العربية تمثّل صيغة جامعة للعرب بمختلف توجهاتهم ومذاهبهم وقادرة على توحيد صفهم وقضاياهم، وكانت تلك الصيغة تبدو للبريطانيين والأمريكيين بيئة تحصّن العرب من الاختراق بينما كان الغرب يسعى لتثبيت وجود إسرائيل، وبعد ذلك تحريك نشاطها التوسعي، وكان لا بد من إيجاد صيغ متعددة وليس صيغة واحدة تسمح بخلق بيئة مناسبة لخلق الصراعات، ومن هنا كان الغرض من إنشاء النظام السعودي متوشحاً بالعباءة الوهابية وصناعة جماعة الإخوان المسلمين، وإذا كان ذلك في البداية يعد استنتاجاً من قراءة للأحداث فقد أصبح اليوم مسلّماً به وتحدث عنه سياسيون غربيون من المخضرمين الذين ألّفوا كتباً في هذا الجانب.

1915_4ومنذ نشوؤهما برز آل سعود والإخوان كأعداء للقومية العربية ومن خلالهما بدأت أمريكا بتغذية الصراع الطائفي الذي أبعد العرب عن قضيتهم المركزية المتمثلة بفلسطين وأشغلتهم بالصراعات البينية التي فككت الدول العربية إلى أن وصل الحال كما هو عليه في ليبيا والعراق وسوريا وما يزال قطار الفرز الطائفي آخذاً في الاتساع.

يقول الكاتب البريطاني في كتابه “التأريخ السرّي لتآمر بريطانيا مع الأصوليين”: إن بريطانيا ترى في دعم حركة الإخوان باعتبارها قوةَ ردع في مواجهة القومية العربية.

ويقول الكاتب إن قيادات الإخوان وجدت ملاذاً في السعودية في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، بعد أن ساعدت وكالة الاستخبارات المركزية البريطانية على إجلائهم. وقد سمحت لهم مؤهلاتهم بوصفهم جناحاً دينياً رحّبت به الأسرة الحاكمة السعودية وتمكنوا سريعاً من الاندماج في المجتمع السعودي.

ويضيف الكاتب أنه “وفي حين كان السعوديون يموّلون الإخوان من قبلُ فحسب، فقد أصبح هؤلاء حينذاك هم القاعدة الأساسية لتطوير نفوذهم الدولي. وكانت الأسرة المالكة بالسعودية معاديةً بضراوة للقومية العربية؛ لأنها تعتبر القوى الشعبية في أماكن أخرى من الشرق الأوسط تحدياً لاستمرار حكمها وأن الإخوان المسلمين قادرون على مواجهتها”.

ويذكر “راي كلوز”، وهو رئيسٌ سابقٌ لمحطة الاستخبارات المركزية البريطانية في الرياض، أن السعوديين كانوا متسامحين للغاية مع الإخوان المسلمين وشجعوهم في مصر والسودان وأماكن أخرى، لكنهم كانوا يعارضون بصورة حاسمة نشاطهم في السعودية وبحلول أواخر الخمسينيات، كانت الاستخبارات المركزية البريطانية قد بدأت بتمويل الإخوان، ويقال إن الوكالةَ أيضاً رعت بالاشتراك مع شركة أرامكو الأمريكية للنفط والسلطات السعودية إنشاء خلايا دينية صغيرة في السعودية تعارض القومية العربية.

وإلى جانب ذلك هناك الكثيرُ من المؤلفات التي استندت الى وثائق من المخابرات البريطانية والسي أي أيه الأمريكية التي تؤكد أن الإخوان والنظام السعودي والوهابية نشأت جميعُها بغرض اختراق العرب وإيجاد صيغةٍ تسمَحُ بالصراع الطائفي، وفعلاً لم تعرف المنطقة هذا النوع من الصراع في العصر الحديث إلا وكانت السعودية وجماعة الإخوان طرفاً فيه.

وإذا كان الساسة والمؤلفون الغربيون قد تأخّروا في كشف تلك الحقائق حول النظام السعودي وجماعة الإخوان فإنهم لم يتأخروا في الكشف عن وقوف الغرب وعلى رأسهم أمريكا وراء صناعة داعش وزرعها في المنطقة لتختصر الطريقَ؛ باعتبارها جماعة إرهابية لا تمثل نظاماً وتقدم على ارتكاب أبشع الجرائم الشنيعة التي تدفع على الكراهية وتدعو لرد فعل مماثل على أساس طائفي لجرِّ المنطقة إلى صراع دموي شامل على أساس طائفي ينتج خريطة سياسية للمنطقة يقال عنها سايكس بيكو2 أو الشرق الأوسط الجديد.

 

 

  • الصبغة الطائفية أداة أمريكية لتقسيم السعودية

ترى أمريكا أن إصباغ المعارضين لنظام آل سعود بالصبغة الطائفية كما حدث في إعْدَام المعارض الشيخ نمر النمر سيضمن لأمريكا الإبقاء على النظام السعودي التابع لها ويضمن لها تقسيم السعودية على أساس طائفي؛ لأن توحيد المعارضة لنظام آل سعود بمختلف التوجهات والمذاهب سيفضي للقضاء على النظام السعودي المعروف بعمالته لواشنطن وسيحافظ على وحدة أرضها بغض النظر عن اسمها المرتبط بالنظام القائم.

وتأكيداً على ذلك ومن دراسة للكاتب العربي هشام الهبيشان بعنوان “ماذا يحضّر للسعودية ضمن مخطط حدود الدم الأمريكي؟” يقول “إن هدَفَ المشروع الأميركي الصهيوني، من وراء نشر الفوضى يصُبُّ في خانة تقسيم المنطقة العربية خدمة لمشروع قيام دولة “إسرائيل” اليهودية الكبرى، بحسب دراسات غربية تتضمن إعادة رسم الحدود في المنطقة العربية والإسلامية، بما يتفق مع المصالح الأميركية والصهيونية”..

ونشرت “مجلة القوات المسلحة الأميركية” تحت عنوان “حدود الدم – نحو نظرة أفضل للشرق الأوسط”، ووضعها “رالف بيترز” وهو الجنرالُ المتقاعدُ ونائبُ رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع سابقاً، وتتضمن خطة تأسيس دول جديدة، من بينها دولة عربية على أساس طائفي على أراضيَ سعودية غنية بالنفط، ستشمل جنوب العراق والجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الجنوبية الغربية منها.

وبحسب رالف بيترز، لن يشفعَ للسعودية تحالُفُها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة منذ حفر أول بئر للنفط في المملكة 1933، والذي ترسَّخ عام 1945 باللقاء التأريخي بين الملك المؤسِّس عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة الحربية “كوينسي”، فمن أبرز ملامِح الخطة التي رسمها، تقسيم السعودية إلى دُوَيلات إسلامية تضُمُّ كُلَّ دويلة طائفة معينة أو قبائل معينة.

وبإعادة قراءة الأمر نجدُ أن الحفاظَ على النظام السعودي بالنسبة لأمريكا يمثل ضماناً لنجاح ذلك التقسيم بعد فرز المعارضة الرافضة لآل سعود على أساس طائفي.