الخبر وما وراء الخبر

ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله

54

ذمار نيوز | من هدي القرآن الكريم | 21 شعبان 1441هـ

المسألة أن الله لم يترك هذه القضية للناس أنفسهم، هو الذي رسم الهدى، وتمثل هداه في القرآن، هو الذي رسم الهدى، من يحاول أن يفكر أن المسألة مفتوحة لا بد أن يقع في ضلال، هناك في الحديث ألم يقل: (ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله) طيب: الذي يبتغي الهدى أليس معناه أنه يبحث عن الهدى؟ يعني: ما عنده حسن نية هو أن يهدي نفسه، ويهدي الآخرين؟
لكن المسألة ليست هكذا على ما تفصلها أنت، أو على حسب ما يقتضي نظرك، أو على حسب ما ترى، أو.. أو… الخ، لا، القضية مرسومة تحرك في إطارها، تمشي على هداه، وتهدي (ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله) بعد عدة فقرات في هذا الحديث يقول: (ومن دعا إليه – أي إلى القرآن الكريم – فقد هدى إلى صراط مستقيم).
نحن عندنا أخطاء كثيرة جداً، في ثقافتنا أخطاء كثيرة جداً، ولم يعد الناس يفهمون بأن المسألة يجب أن تكون مضبوطة تماماً، وإلا فسنبقى على ما نحن عليه من الضلال، والضياع، والخذلان لدين الله، والعجز عن مواجهة أعداء الله. كل واحد عنده أنه يمكن أن يأخذ أيَّ كتاب يعمل منه خطبة ويقرأها على الناس، أيَّ شخص أشد الناس إليه؛ عندما فهم أن المسألة مفتوحة، ما لها حدود، وما لها ضوابط، ولا شيء.
يصل بنا الأمر إلى أن نتعبد الله بالضلال، بالضلال فعلاً، نرتكب أخطاء من حيث لا نشعر؛ لأننا لم نعرف أسس الأشياء من خلال القرآن الكريم، فنرتكب أخطاء، ونحن نتعبد الله بها، وأنا أعلِّم غلط، وأتعلَّم غلط، وأرشد غلط، وأكتب غلط، ويبدو أنني أرجو ثواب الله مما أكتب، وأرجو ثواب الله مما أعلِّم، وأريد من الملائكة أن تفرش أجنحتها لي وأنا أتعلم وأكتب!.
لو يأتي واحد يسرد، كم هي القضايا التي نحن نتعبد بها وهي غلط لطلعت أشياء كثيرة، وأشياء خطيرة جداً، خطيرة على الدين، وخطيرة على الناس، فلهذا هنا قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} ألم ينسب الهدى إليه؟ الهدى الذي يرسمه هو؟ {فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} أليست عبارة ضيقة جدا؟ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} أليست هذه عبارة: {مِّنِّي هُدًى} وحدي، لم يقل: فإما يأتينكم هدى، ثم في الأخير كل من انطلق يهدي حيَّاه الله، ويرسم هو طريقة للهدى. {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} أليس هكذا من جديد أعاد الضمير إليه؟ لم يقل: فإما يأتينكم هدى، فمن اتبع الهدى فلا يضل.
كل واحد يدعي الهدى، وكل واحد يدعي أنه يرسم هدى، أليس هذا الذي يحصل؟ لا، المسألة هي مرتبطة به، هو الذي يرسم كل تفاصيلها، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} حتى عبارة: {يأتي} أي: أنه من طرف آخر، أليس هو يتحدث مع آدم وحواء؟ إذا كان الحديث معهم فقط، وليس مع الشيطان؛ لأن الشيطان هناك لوحده، يتحدث مع آدم وحواء، وهم يمثلون أبناءهم {يَأتِي} أي: يأتي من طرف آخر، ما معناه يأتي مِن مَن؟ عبارة: يأتي، لم يقل: فإما تكونوا على هدى، هل قال: فإما تكونوا على هدى، لا، يأتي، يعني: الهدى يأتي من طرف آخر هو من الله، أليست هذه؟.
هذه واحدة: {يأتي}، و{مني} الضمير في مني، ما معناه كلها من الله؟ وفي قوله: {هداي} أليست كلها ثلاث عبارات تفيد أن الطريق هي واحدة، طريق هو الذي يرسمها، الهدى، والهدى هو هذا الهدى الذي من اتبعه لا يضل، ولا يشقى، أليس هدى واسع جداً؟ باتساع الحياة في الدنيا والآخرة، باتساع الحياة في كل شؤونها، اتساع الحياة، حياة الإنسان فيما يتعلق بالأشياء المعنوية، وفيما يتعلق بالأشياء المادية.
أليس الضلال هو قد يتجه إلى الجوانب المعنوية في الإنسان؟ ضلال فكري، ضلال ثقافي، ضلال عقائدي، ونحوه، وشقاء في الحياة نفسها، صريح في الجانب المادي: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} تجد الآيات كلها ربط بالله من أولها إلى آخرها.
إلى آخر الآيات ترى كم فيها ضمائر إلى الله {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} أليست هذه إضافة إلى الله؟ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ – نحشره، يعني: الله – يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}(طه126) لاحظ كيف المسألة؟ من عند آدم، عندما يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} أليس هو هنا يرسم طريقة المسيرة إلى يوم القيمة، هذه آية ترد إلى القيامة.
الناس في الدنيا أليسوا كل واحد يحاول أن يكون هو الذي يرسم للبشرية هدى؟ ما كل الحكومات تقنن، تضع دساتير، وكل المفكرين يكتبون، والمجتهدين يتحركون، وكل واحد من عنده، ما كل واحد ينطلق يرسم هدى للناس؟ حتى ضيعوا هدى الله، غيبوه بين الضجة، وبين الغاغة.
والهدى هو شيء واحد فقط، طريق واحدة، منهج واحد، خط واحد، لم يقل: فإما يأتينكم هدى بعبارة: هدى، الجامع للشيء الذي يأتيهم، هدى، قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} أليس هو يفيد وحدة الطريق؟ تتكرر في القرآن على هذا النحو كثير، {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً}(الأنعام153) معناه طريق واحدة {فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} أليست طريقاً واحدة؟.
لو اتجهنا إلى أن نبحث عن أن المسألة هي طريق واحدة فقط، ومتى ما اختلف اثنان معناه أن هناك غلطة، متى اختلف اثنان يكون هناك واحد خارج عن هدى الله لا شك، ولا يسمح له أن يتحرك في الحياة؛ سيَضِل، هذا شيء مؤكد، سيَضِل ويُضِل الآخرين، ويَشقى ويُشقي الآخرين.
أصبحنا نتعبد بخلاف هذا! ألم يصبح الناس يقولون: [كل مجتهد مصيب]، وكل واحد يجتهد، وكل واحد يرجح، وكل واحد يمشي على ما أدى إليه نظره، وكل واحد مكلف بما غلب على ظنه، والناس كل واحد له حق يقلد هذا، وهذا له حق يتبع هذا المجتهد، وكل واحد يمشي بعد هذا، ويجوز تقلد الهادي، أو تقلد الشافعي، أو تقلد أبو حنيفة، ويجوز تتمسك بابن تيمية، أو تتمسك بالهادي، أو بأي شخص! القضية مفتوحة.
لكن عندما تكون طرقاً متعددة لا يصح أن يقال بأنها تمثل هدى الله، الطرق المتعددة هذه، مختلفة، متباينة في أصلها، وفي آثارها، في الإنسان، وفي الحياة، أليس هناك فرق كبير بين من يوجب طاعة الظالم، وبين من يوجب الخروج عليه؟ ما هو يوجد فرق؟ ما هو تباين تماماً؟ قد هذا مجتهد مصيب، وهذا مجتهد مصيب اتبعه! أليست هذه منهجية مغلوطة؟
دروس من هدي القرآن الكريم
محاضرة فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُمْ مِنِّيْ هُدَىً
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
اليمن – صعدة
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام