الخبر وما وراء الخبر

صنعاء انتزعت النصر من فم المستحيل.. و الكلاشنكوف هزم مدفع الدبابة

38

دخلت معادلة الميدان اليمني واقعا جديدا بعد عملية البنيان المرصوص ، العملية الواسعة وبعد اقل من نصف عام على عملية نصر من الله ،أكدت أنها لم تكن عملية معزولة او نجحت بفعل عوامل الجغرافيا في وادي ال ابو جبار بكتاف حيث حصر الالاف من لواء فتح في مجرى الوادي.
في عملية “البنيان المرصوص” وعملية “فأمكن منهم ” تأكيد عملي بأن صنعاء تغادر مربع الصمود والدفاع الى الصمود والهجوم واستعادة الارض من يد التحالف ، وبشكل يذهل المتابعين للشأن اليمني حتى قال احدهم :إن العلوم العسكرية عاجزة عن تفسير ماحدث في نهم بظرف خمسة ايام فقط .

ماخسرته صنعاء على مدى خمس سنين باتت تستعيده في ايام وساعات ، وتجهز على الوية بعدها وعديدها في لحظات مقارنة بمااستغرقه بنائها من وقت وإعداد.

لقد مثلت عملية نصر من الله نهاية 2019م وتحررت مايزيد عن 500 كيلو متر من الأرض في اطراف صعدة ، أنها بداية لمسار اعلن عن نفسه بقوة مطلع 2020م في عملية البنيان المرصوص والتي انتزعت من الارض خمسة اضعاف ما حررته عملية نصر من الله ، والقضاء على اهم انجازات التحالف المعادي على مدى 5 سنوات واهم اوراقه التفاوضية .

قدرات استراتيجية مساندة
في العامين 2018 و2019 م نمت القدرات التسليحية الاستراتيجية اليمنية بشكل مذهل في جانب القوة الصاروخية وخاصة الصواريخ الذكية والباليستية، والطيران المسير بأجياله المتعددة لأغراض القصف او الاستطلاع وادارة المعركة.

لكن في المقابل لايزال تحالف العدوان يتحفظ على اسلحة في هذا الإطار كما ونوعا، وما لدى المدافعين لا يقاس بما يتوافر عليه التحالف من سلاح وتكنولوجيا يضاف اليها طيران حربي واقمار اصطناعية تراقب الاراضي اليمنية على مدار الساعة.

وفي هذا السياق لم تكن القوة الصاروخية او المسيرات هما العامل الاساسي ، أو الفاعل الرئيسي في تغيير معادلة الميدان ، بقدر ما كانا عاملين مساعدين استراتيجيين رادعين يسندان السلاح الاساسي الذي نزل الأرض وطواها من تحت اقدام التحالف وقلب معادلة السنين في ظرف أيام.

بناء الفرد
بالعودة الى احداث عدن في السنة الاولى للعدوان على اليمن، اعلن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي القائد الاعلى للمواجهة اليمنية التاريخية مع قوى العدوان، ان تقييما قد فتح لمعرفة اسباب التراجع ، بعد هجوم للتحالف اتسم بالإفراط في القوة العسكرية وكان بنظر خبراء الارض العسكريين انه هجوم يكفي لاحتلال اليمن وليس مدينة عدن ، وما حدث بعد ذلك كان انسحابا نفذه الجيش واللجان لإعادة ادارة دفة المعركة من موقع صلب ، وكان قرارا صائبا بعد ما حدث في عدن 2015م.

وفيما كان التقييم يجري وقعت احداث نهم فبراير 2016م، واختراق جديد نفذته قوى العدوان ليصبح ذلك الحدثين المختلفين في عناصر الجغرافيا وتكتيكات الهجوم والاختراق، اساسا لاستخلاص العبر الذي بدء فيه بعد سقوط عدن.

يذكر مصدر مطلع أن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أشرف وعلى مدى ستة أشهر من العمل المكثف على وضع أسس المعالجات لأسباب الانتكاسات، واعطى صمود ميدي لسنوات نموذجا للنجاح في ظروف صعبة بكثير.

وبحسب المصدر واسع الاطلاع فإن القوات التي حوصرت في عدن كان بمقدورها الصمود لسنوات بما تمتلكه من عتاد وعديد مقارنة بميدي واليوم الدريهمي المحاصرة تقدم نموذجا اخر.

تشير اهم عناصر التقييم الى أن الروح الايمانية والتخطيط الجيد هو ما شكل الفارق بين ميدي وعدن مقرونا بحسن التدريب والتكيف مع مختلف ظروف القتال بالنسبة الى الافراد ولا يجب ان يكون ذلك منحصرا على القادة بقدر ما هو مطلوب في صفات القائد، لكن توافره لدى الفرد يجعل من النجاح ممكنا في الظروف الصعبة وماقد يرى مستحيلا بحسب بنود التقييم.

الصمود والبناء
خلصت القيادة الثورية في قراءاه اخفاقات نهم وعدن ونجاحات ميدي الى أن بناء الفرد ايمانيا وعسكريا ينبغي ان يصبح مسارا رئيسيا للتحول وتحقيق النصر بالتزامن مع مسارات تطوير الاسلحة الاستراتيجية .

اختارت صنعاء خلال ثلاثة اعوام ونصف ان تتخذ وضع الدفاع والاحتفاظ بالأرض ما امكن ذلك ، حتى يكتمل مسار التحول الذي لا يمكن ان يتم بين ليلة وضحاها بالنسبة الى المسارين التسليحي وبناء العقيدة القتالية الجمعية التي قدمت ايضا نماذج مشرفة في حروب صعدة.

تقدير خاطئ
منذ فبراير 2016م، قدر العالم وليست قيادة تحالف العدوان فقط ان صنعاء باتت تفقد الارض وعاجزة عن استردادها، وتعمل فقط ضمن استراتيجية استنزاف واطالة امد الحرب بما يضاعف خسائر الخصم، وتنتظر تشكل ضغط دولي يوقف الحرب، وعزز ذلك تطور الاحداث لاحقا في العام 2018 احداث الساحل الغربي ، وكان ذلك خطأ استراتيجيا كشفت عنه الايام.

في العامين 2106م و2017 م وضع اهم معالجة لأسباب وعناصر التراجع في عدن والجنوب موضع التطبيق كمسار اساسي وعاجل خاصة بعد فتح العدوان لجبهة نهم المهددة لأمن العاصمة صنعاء.

وانكب الرئيس الشهيد صالح الصماد بتوجيهات ومتابعة حثيثة من القيادة الثورية ، على اعادة بناء الروح الايمانية او العقيدة القتالية للمقاتل اليمني كركيزة اساسية للانخراط في القتال سواء لمن كانوا في السلك العسكري ضمن قوام الجيش والأمن او من اللجان الشعبية التي هبت للدفاع عن الارض في وجه العدوان ، مقرونا ذلك مع تحديث مستمر ومضطرد لبرامج التدريب القتالي للجان الشعبية والتدريب القتالي النوعي ايضا، والاستفادة من كافة الخبرات العسكرية بما يؤهلها لمواجهة مختلف ظروف القتال باتقان واقتدار على مختلف ظروف القتال ، يشمل ذلك الاستفادة من تاريخ الحروب العالمية او التي خاضها الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه واله وقدم القران فيها دروسا حية للأجيال .

وبإعادة النظر الى المقابلة التي اجرتها قناة العربية بشكل مفاجئ آنذاك مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على قناة العربية في 2017م ،كان التحالف ينظر بقلق الى استراتيجية صنعاء لبعث روح جهادية في كل القطاعات على اسس ايمانية صحيحة وليس فقط انصار الله او السلك العسكري ، باعتبار ان الانصار هم كل الشعب اليمنى العائد لهويته الانصارية من زمن الرسول محمد وال بيته الاطهار من بعده .

وبرغم ان بن سلمان في مقابلته تلك وبتوجيه من الاستخبارات الامريكية والصهيونية حاول الايهام بان طول مدة الحرب استراتيجية تخدم اهداف الرياض لا خصومها، وتمكنها من استئصال حركة أنصار الله بروية، بدل تخفيهم اذا ما تحقق النصر سريعا حسب قوله، في محاولة لإخراس الألسن وتململ الداخل السعودي و دول العالم الذي اخذ يحاصره بالأسئلة عن طول مدة الحرب وادعاء حرصه على دماء جنوده وعدم وصول العزاء الى كل بيت سعودي.

جوهر حديث بن سلمان كان يعكس حقيقة عقدة التحالف، وتخوفه مما ستؤول اليه الامور مع مضي الايام وبناء الكتائب العسكرية المؤهلة عسكريا وإيمانا ، ومن هذا المنطلق يمكن فهم اهم الاسباب التي جعلت من الرئيس الشهيد صالح الصماد هدفا عاجلا في ظل استحالة الوصول الى السيد القائد عبد الملك الحوثي ، واعلان قائمة المطلوبين في محاولة للفصل بين القيادة والقاعدة بين القادة وعامة الشعب .

لقد ساهم الالتفاف الشعبي حول شخصية الرئيس الشهيد صالح الصماد بشكل فاق الرئيس ابراهيم الحمدي الذي قتلته السعودية بيد عملائها في الداخل، في تحقيق تقدم مضطرد وملحوظ باتجاه تحقيق الهدف الاساسي لمسار الانتصار وإعادة بناء الروح الجهادية الانصارية للجيش وللشعب اليمني بما يتوافق مع شروط القران لتحقيق الانتصار، رغم العوائق من الشريك السياسي آنذاك والة التحالف الاعلامية والمالية.

وتلك النجاحات على هذا المسار الهام عجل بدفع التحالف الى ابراز بطاقتها في صنعاء بعد فشل عمليات التشويه والتشكيك في ايقاف تقدم هذا المسار الحيوي، وقد ذلك الى احداث ديسمبر الخيانية العام 2017م، ومحاولة اسقاط صنعاء من الداخل.

ومع سقوط مؤامرة الخيانة الخطيرة في صنعاء، اضحى اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصماد مهمته الاساسية، وفي هذا السياق جندت الخلايا في الحديدة والتي كان دائم لتردد عليها لاغتياله، ومنع الفشل كما حدث في ديسمبر وخسارة التحالف لعميله عفاش.

إطلالة حاسمة
شكل وصول قوى العدوان الى ضواحي مدينة الحديدة، وقطع الطريق الرئيسية الواصلة الى صنعاء، حدثا مفصليا ، ورغم ان العملية الهجومية على الحديدة تشابهت في ظروفها وتخطيطها وتوقيتها في شهر رمضان مع العملية العسكرية التي مكنت من احتلال عدن ، الا ان النتائج كانت مختلفة ، وبرز حينها اول تأثير للسلاح الاستراتيجي القائم على بناء الشخصية الايمانية للفرد المقاتل في سبيل الله ، حيث شاركت عدة مجموعات قتالية في صد الهجوم عن الحديدة من التي خضعت للبناء الايماني والتطوير القتالي الفريد.

تطور الاحداث في الساحل الغربي وترافقها مع التهويل الاعلامي من ماكينة التحالف أطفأته اطلالة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في يونيو 2018م وخطابه الذي خصصه لشرح تطور الاوضاع في الساحل الغربي، حيث ابرز الخطاب عوامل القوة التي لاتزال كامنة في الجبال ، واطلق الخطاب صافرة لنزول الاف المقاتلين الشعبيين المتقدين بسلاح الايمان والواثقين من الانتصار الى الحديدة لمواجهة جحافل الغزاة التي بغت ضواحي الحديدة ولديهم من السلاح والتكنولوجيا الاعلى عالميا برا وبحرا وجوا .

لقد كان وراء المشاهد الاسطورية للمدرعات المحصنة تتراجع امام مقاتل يتسلح بسلاحه الفردي، عمل متقن وكثيف في بناء الهوية الايمانية والتدريب للمقاتل على مختلف ظروف المعركة بما يجعله واثقا صلبا في الميدان.

نقطة التعادل
مثل صمود مدينة الحديدة، نقطة التعادل الاستراتيجية الاولى في وجه أكبر هجوم يشنه التحالف وتشارك فيه مختلف قطاعاته البحرية والجوية والبرية بعشرات الاف المرتزقة، مدعومة باخر ما توصلت اليه التكنولوجيا العسكرية والمعلوماتية لدى البشرية

واذهل صمود اليمنيين ليس الاعداء فقط وانما الحلفاء كالسيد حسن نصر الله وهو في قامته الجهادية العالية تمنى ان يشارك مقاتلا في معارك الساحل الغربي تحت راية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في مشهد عكس روحية المجاهدين الربانيين للسيد نصرالله، وعظمة ما صنعه المقاتل اليمني حينما يستعيد روحية اجداده الانصار وتدريب قتالي عال في أن.

ادارة مشتركة
في عمليات البنيان المرصوص وامكن منهم ونصر من الله وقبلهما اسقاط مؤامرة حجور و فتنة التمرد والخيانة بصنعاء، تجلى النجاح الكبير في استخلاص الدروس والعبر من كل محطات المواجهة المؤلمة والمضيئة ، ومن بين تلك الاستخلاصات انشاء ادارة قتالية مشتركة تفعل جميع الاسلحة والطاقات لتحقيق الهدف بتحقيق الافادة القصوى ، تجلى ذلك في مواجهة التمرد بحجور ، وتوسع وتحسن الاداء في العمليات اللاحقة نصر من الله وما تبعها .

وادارة القتال بتناغم في 42 جبهة قاتلت في جميعها صنعاء وصمدت بشكل اسطوري، وشكلت ملاحم في عمر القتال مع تحالف العدوان.

اطلاق تسمية معركة النفس الطويل من قبل السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عنت مسماها، ولم تكن عبارة عاطفية لدغدغة عواطف الجمهور وترويضهم على الصبر، بل لخصت استراتيجية طويلة الامد خلصت اليها صنعاء والقيادة العسكرية الثورية في مواجهة تفوق الالة العسكرية والمالية والاعلامية للتحالف عملت في مسار تحقيق النصر على التحالف، وتقطيع الوقت بانتظار ثمار البناء على الصعيدين بناء المقاتل والسلاح والمزج بينهما.

وهو مسار منفصل عن مسار الصمود الشعبي والذي كانت له ادواته التي تتقاطع حينا مع مسار التطوير القتالي وتنفصل عنه في اماكن اخرى.

……

عمليات نصر من الله والبنيان المرصوص المذهلتين لجميع الأطراف الصديق والعدو على السواء.. لم يبوحا بعد بكل اسرارهما واهمها على الاطلاق، المقاتل الذي بني لينتزع النصر من فم المستحيل، ويهزم بالكلاشينكوف مدفع الدبابة.