فبراير والربيع الكاذب
بقلم || عبدالله علي صبري
لا بأس أن نعترف أن الربيع الذي بشرت به ثورة 11 فبراير لم يأت بعد، لكن هذا لا يعني أيضا أن ننتظر ذاك الربيع إلا ما لا نهاية، ففي حياة الشعوب وتجاربها نجاحات وانتصارات كبيرة، واخفاقات أكبر.. وكما أن البعض يمكنه في حالة التفاؤل أن ينظر إلى نصف الكأس المملوء، فإن البعض يمتلك الشجاعة أيضاً لكي يقول أن نصف الكأس فارغ.
لقد فشلت ثورة الشباب، ولا ضرر من نعيها، فهذه الثورة وما قبلها وما بعدها ليست نهاية التاريخ، ثم إن الثورات وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، بل أن الكثير من الثورات تحولت فيما بعد إلى لعنة على شعوبها التي أرادت للتاريخ أن يتوقف عند ذاك الزمن أو ذاك الزعيم.
لا معنى للبكاء أو التباكي على اللبن المسكوب، فالنتيجة لن تتغير، بل إن هذه الحالة النفسية قد تقود إلى الضد تماما، إذ يسيطر اليأس الجمعي، فيتوقف الحراك من أجل التغيير وتسود لدى الناس أو السواد الأعظم منهم مقولة ليس في الإمكان أبدع مما كان.
بعيدا عن التشاؤم أو التفاؤل، فإن مسار الحياة لا يمكنه أن يتوقف، والشعوب الحية دائما ولادة ومعطاءة، ومن يصم أذنيه أو يغلق عينيه، لا يعني أنه قد عطل حركة التاريخ، حواسه فقط هي التي تعطلت، وأمثال هؤلاء لا يمكن الركون إلى رؤاهم بشأن الحاضر أو المستقبل، ولا وزن لما يهرفون به حين يخرجون من كهوفهم يشتمون ويصرخون ويتوعدون. !!
لقد أمكن لشعبنا أن يخرج على ذلك النحو المدهش في 11 فبراير 2011م، وكاد أن يصل إلى نقطة الخلاص، والبدء في مشوار التغيير الشامل، لكن حدث ما حدث، وانهارت الأحلام المشروعة على نحو دراماتيكي، وتفرقت أيادي الثوار ثم عادت لتشتبك مع بعضا البعض، لا لتبني وتتكامل، بل لتهدم وتتصارع، وصولا إلى العدوان السعودي الأمريكي، الذي أثبت زيف ذاك الربيع ورموزه، حين أصبحت السلطة هي محور كل شيء لديهم، فباعوا الوطن لأجل استعادة ما ضاع منها.
ورغم مرور خمس سنوات على الحرب والحصار وما انطوت عليه من جرائم يشيب لها الولدان، فإن الكثير من رموز فبراير توقف بهم الزمن عند لحظات الشتات التي يعيشونها، ولم يستوعبوا بعد أن الشعب اليمني قد صنع ثورته الجديدة على طريقته، إنها ثورة الصمود والثبات في وجه العدوان، ثورة عنوانها الحرية والكرامة والاستقلال.
لقد خرج شعبنا في نفير ثوري شامل متحديا كل الصعاب التي رافقت العدوان والحرب الشاملة والضارية، وأمكن له بهذا النفير أن ينتصر للأرض وللإنسان، وللهوية وللفطرة.. أما الذين لا يرون في هذا المشهد سوى أنه ” انقلاب حوثي””، فلنفتح أعيينا على الأرضية التي يقفون عليها، لنعرف أن لا قيمة ولا وزن لرأي نشاز يخرج من أفواه قوم ولَوا جوهم نحو البيت الأبيض، وما زالوا يظنون أن حركة الشعوب لا يمكن أن تدور إلا حول أمريكا، وفي خدمة أجندتها.