الخبر وما وراء الخبر

كيف بَنَت ايران بعد الثورة استراتيجية مواجهة الأعداء؟

25

بقلم/ شارل ابي نادر/ العهد الاخباري

صحيح أن الثورة الاسلامية في ايران انطلقت على أسس ومفاهيم دينية ثقافية اقتصادية اجتماعية وطنية وقومية، بحيث لم يكن من المفترض أن يعتبرها أعداء ايران (بعد الثورة) أنها موجهة ضدهم أو تستهدفهم، لأنها بالأساس ثورة تعنى بالانسان وبعلاقته بدولته وبموقعه في ادارة السلطة، مع احترام القوانين الدولية ومفاهيم سيادة الدول وعلاقاتها مع الخارج، ولكن، رأى هؤلاء الأعداء، أن الثورة قد قيّدت من تسلطهم وقضت على نفوذهم داخل ايران بشكل كامل، وعلى الاقل، اعتبروا (الاعداء)، ان الثورة ضربت مصالحَهم، والتي طالما دأبوا على تحقيقها من خلال علاقتهم بالنظام المخلوع الذي كان مُرتهنًا لهم، هذا بالاضافة للسبب الرئيس والذي تصدر المشهد لاحقا في الاشتباك الواسع ضد ايران وهو: موقفها الثابت والحاسم مع الحقوق العربية والاسلامية في فلسطين المحتلة بمواجهة الكيان الصهيوني.

هؤلاء الأعداء، أعداء ايران بعد الثورة، بنوا استراتيجيتهم على معادلة استهداف الجمهورية الاسلامية الايرانية في كافة المجالات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. وقد تبيَّن أن الثورة تحمل بمفاهيمها وبمنظومتها الادارية، عناصر حماية نفسها وحماية الدولة، وذلك من خلال استراتيجية شاملة، اعتمدتها الجمهورية الاسلامية الايرانية لمواجهة الاعداء، وذلك في كافة المجالات العلمية، الثقافية، الديبلوماسية، الاقتصادية والعسكرية. وحيث تُعتبر الناحية العسكرية هي الأكثر حساسية أو فعالية في هذه المواجهة، لا بد من الاضاءة على هذه الناحية وعلى ما يرتبط بها ويُدَعِّمُها.

استنادا الى الفارق في القدرات العسكرية بين ايران وبين الدول التي اختارت أن تستهدف الجمهورية الاسلامية في ايران، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية وبعض الدول الغربية والكيان الصهيوني، انطلقت طهران في بناء منظومة ردع، تستطيع من خلالها فرض توازن عسكري استراتيجي، يمنع استهدافها بسهولة ويخلق لها هامشاً واسعا من الأمان والحماية، وبالاضافة الى امتلاكها وتطويرها طائفة واسعة من الاسلحة النوعية كالطيران المسير وصواريخ الدفاع الجوي، وقدرات الحرب السيبرانية، كان عماد هذه المنظومة (منظومة الردع): الصواريخ الباليستية الاستراتيجية والزوارق البحرية السريعة.

الصواريخ الباليستية: وضعت ايران وبهدف امتلاك قدرات باليستية نوعية، برنامجًا طويلًا من التطوير والتحديث، مستندًا الى تجارب ومناورات صاروخية، لم توقفها أو تخففها بالرغم من الاعتراض الغربي عليها. وحيث اعتبرت أن هذه التجارب هي من حقها السيادي، اعتمدت عليها تقنيا وفنيا للوصول الى امتلاك منظومة كاملة لاغلب النماذج العالمية التي تعتمدها الدول المتطرة، من الصواريخ القريبة المدى الى المتوسطة فالبعيدة، مع قدرة على حمل ونقل الحشوات المتفجرة التقليدية او النووية، كما عملت على تحديث أنظمة توجيه الصواريخ، لتمتلك أحدثها وأكثرها فعالية في مواجهة أكثر منظومات الدفاع الجوي العالمية تطورًا.

اعتمدت أيضًا في مناورة الصواريخ الباليستية على معادلة امتلاك العدد الكبير من الصورايخ والقواعد، وعلى معادلة نشر وتوزيع قواعدها في كل أنحاء البلاد، مع تحصينها تحت الأرض وفي أنفاق وملاجىء آمنة وعصية على الصواريخ والقاذفات الاستراتيجية العدوة، معتبرة في ذلك أنها في أية مواجهة تتطلب اطلاق الصواريخ الباليستية، يجب اطلاقها بكثافة، إذ مهما كانت منظومة دفاع العدو قادرة على اسقاطها، سوف تنجح نسبة معينة منها في الوصول الى أهدافها، الأمر الذي سيحقق نسبة غير بسيطة من الردع وبالتالي من الحماية، وساعدها في إنجاح هذه المعادلة، الوجود الواسع في محيطها للكثير من القواعد العسكرية الاميركية والغربية ولمجموعة كبيرة من مواقع المصالح الغربية المرتبطة بتلك الدول المعادية.

الزوارق البحرية السريعة: تقوم هذه المعادلة على مناورة بسيطة لا تحمل أية تعقيدات تقنية أو قدرات نوعية متميزة. فقد صنّعت عددا كبيرا جدا من الزوارق البحرية السريعة، مثل (بليد رانر) – (بافار-2) -ذو الفقار – طارق وعاشوراء، وهذه الزوارق تماثل تقريباً بمميزاتها الزورق البحري الصيني المشهور (سي 14)، وقد تجاوز عددها ربما عدة آلاف، جهَّزتها بصورايخ كوثر وغيرها المضادة للدروع البحرية وللسفن والبوارج وحاملات الطائرات.

وفي هذا الخصوص، أشارت العديد من وسائل الاعلام العالمية المتخصصة، الى أن ايران تعتمد بمواجهة حاملات الطائرات الاميركية في الخليج على تكتيك الحرب غير المتكافئة، والتي تعني استخدام تكتيكات وأساليب غير معتادة لمواجهة الفارق في القدرات العسكرية مع الاميركيين، من أهم هذه التكتيكات “خطة النحل”، والتي تقوم على توظيف أسراب القوارب السريعة الصغيرة، المجهزة بالصورايخ والمحمَّلة بالعبوات الناسفة الموجهة، بحيث تهاجم السفن وحاملات الطائرات بشكل أشبه بالهجوم الذي لا يمكن إيقافه.

بالاضافة لاستراتيجية الردع بالصواريخ الباليستية وبالسيطرة على واجهتها الساحلية بالكامل من خلال قدراتها البحرية التقليدية او الخاصة، اتبعت ايران استراتيجية المواجهة الواسعة عبر محور المقاومة، انطلاقا من توسيع وتدعيم تحالفاتها مع جيوش واحزاب مُقاوِمة، تملك تماساً جغرافياً مباشراً مع الكيان الصهيوني، معتبرة بأن الضربة المؤلمة للعدو في أية مواجهة سوف تكون عبر استهداف الكيان الصهيوني، والذي يُعتبر بالنسبة لعمقه الضيق جغرافيًا، ولعدم قدرته على تحمل الخسائر المدنية الحتمية في اية مواجهة، يعتبر النقطة الأضعف أو الثغرة الأكثر هشاشة في المحور المعادي لايران.

انطلاقا من هذه المناورة، والتي تقوم بأغلب عناصرها على القدرات النوعية والصورايخ الباليستية وعلى تكتيكات خاصة غير تقليدية، بالاضافة الى تركيزها عند أية مواجهة على القواعد المعادية المنتشرة في محيطها، وعلى “إسرائيل” التي تُعتبر النقطة الأكثر حساسية وهشاشة في نفس الوقت، بَنَت الجمهورية الاسلامية الايرانية استراتيجية مواجهة الاعداء عسكرياً.