إستراتيجيات التفكيك والتجزئة والتقسيم الوطن-العربي
بقلم / د.ساسين عساف
* رسائل صهيونية لتقسيم لبنان والمنطقة.
إنّ خطّة تجزئة الوطن العربي هي قديمة ومتجذّرة في التفكير الإستراتيجي الاستعماري الصهيوني. يقول بن غوريون:
“… إنّ عظمة إسرائيل ليست في قنبلتها الذرّية ولا ترسانتها المسلّحة، ولكن عظمة إسرائيل تكمن في انهيار دول ثلاث هي مصر والعراق وسوريا…
“… ليست العبرة في قيام إسرائيل بل في الحفاظ على وجودها وبقائها وهذا لن يتحقّق إلاّ بتفتيت سوريا ومصر والعراق..”
شهادة بن غوريون تشكّل الركن الثابت في استراتيجية الكيان الصهيوني وسياساته. فالصحافي الهندي كرانجيا نشر وثيقة سلّمه إيّاها الرئيس عبد الناصر وفيها مخطّطات تقسيمية للدول العربية، في كتابه “خنجر إسرائيل” الذي وضعه في العام 1957.
مخطّط تقسيم لبنان بانت خيوطه الأولى في رسالة دافيد بن غوريون الى موشي شاريت في 1954/2/27 ورسالة موشي شاريت الى بن غوريون في 1954/3/18 وفي رسالة ساسون الى موشي شاريت في 1954/3/25.
موشي شاريت في ردّه على بن غوريون حسب أنّ الأمر “قد يتحقّق في إثر سلسلة من الهزات تضرب الشرق الأوسط وتسقط الأنماط السائدة لتخرج منها قوالب جديدة..”
أما ساسون فرأى انّ تفكيك الكيان اللبناني من شأنه أن يخلخل كيانات الدول العربية ويحبط خطط وحدتها ويعرضها أمام العالم دولاً متنازعة تحاول الواحدة منها ابتلاع جارتها..
* “إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات”، أوديد يينون
وضعها أوديد يينون ونشرها في مجلّة “كيوفونيم” (اتجاهات) العبرية وهي مجلّة تصدرها المنظّمة الصهيونية العالمية. ترجمها من العبرية الى الإنكليزية إسرائيل شاهاك ونشرتها مجلّة “الثقافة العالمية” غداة الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وصفها شاهاك بأنّها ” تظهر بوضوح وبشكل تفصيلي مشروع النظام الصهيوني المتعلّق بالشرق الأوسط والقاضي بتقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة وذلك بعد تفكيك كلّ الدول العربية بصيغتها الحالية”. ويقول شاهاك: “هذه النظرية تحكم الإستراتيجية الصهيونية بشكل دائم..” وهي فكرة تتردّد مراراً في التفكير الإستراتيجي الصهيوني وأساسها يقوم على أنّ الكيانات العربية هشّة يسهل هدمها بسبب خليط الأقليات الإثنية والدينية المتعادية..
انّ “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات” تقوم على رؤية واضعها إلى الواقع العربي عموماً وإلى لبنان سوريا والعراق خصوصاً.. فهو وفق رؤياه واقع تتنازعه الانقسامات الطائفية التي تجعله قابلاً للتفكيك والتجزئة.
جاء في هذه الوثيقة الصهيونية ما يلي:
“… انّ تفتيت لبنان (…) يعدّ بمثابة سابقة للعالم العربي برمّته بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية (…) انّ تفتيت سوريا والعراق إلى مناطق عرقية أو دينية قائمة بذاتها (…) يعدّ الهدف الرئيس لإسرائيل على الجبهة الشرقية على المدى الطويل. غير أنّ تفتيت القوّة العسكرية لهاتين الدولتين يعدّ الهدف الأساس على المدى القصير..
سوريا سيكون مآلها التمزّق وذلك وفقاً لتركيبتها العرقية حيث ستقوم فيها عدّة دويلات.
والعراق الغني بالنفط من ناحية والممزّق داخلياّ من ناحية أخرى يعدّ مرشّحاً مضموناً للأهداف الإسرائيلية. وعليه فانّ تمزيق العراق يعدّ أكثر أهمّية بالنسبة إلينا من سوريا حيث أنّ العراق أقوى من سوريا. والحالة هذه فانّ قوّة العراق هي التي تشكّل على المدى القصير أكبر تهديد لإسرائيل. فأيّة حرب بين العراق وسوريا أو بين العراق و إيران من شأنها أن تؤدّي في نهاية المطاف إلى تمزيق العراق وإلى انهياره داخلياً.
إنّ أيّ مواجهة داخل الدول العربية من شأنه أن يساعدنا على المدى القصير ويؤدّي إلى تقصير الطريق لتحقيق الهدف الأسمى المتمثّل في احتدام الخلافات الطائفية داخل العراق كما هو الحال في كلّ من سوريا ولبنان.
إنّ التجزئة إلى مناطق عديدة على أسس عرقية دينية تماماً كما كان الحال في سوريا أيام الدولة العثمانية تعدّ ممكنة في العراق.
من ناحية أخرى فانّ شبه الجزيرة العربية برمّتها تعدّ مرشّحاً طبيعياً للتمزيق تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية. وهذا الأمر لا مفرّ منه خصوصاً في المملكة العربية السعودية سواء ظلّت قوّتها الاقتصادية سليمة أو أنّها نقصت على المدى الطويل فالانشقاقات والانحلالات الداخلية تبدو واضحة وطبيعية المسار وذلك في ضوء البنية السياسية الحالية..”
أمّا بشان السودان ومصر فترى الوثيقة الصهيونية أنّ تفتيتهما إمكان سهل.
إقامة الدويلات الدينية والعرقية فكرة إستراتيجية في التخطيط الصهيوني لمستقبل الوطن العربي فتجزئة المجزّأ أي الدول المحيطة بالكيان الصهيوني إلى دويلات متناحرة هو الحلّ التاريخي الوحيد والجذري لضمان أمن هذا الكيان فيكون له الاستقرار والتوسّع والسيطرة ويكون لها أي لتلك الدويلات الفتن واستنزاف الثروة والتخلّف والهامشية أو التبعية.
لهذه الفكرة الإستراتيجية قوّة إسناد نظري تاريخي تلقّته من سياسة الاستعمار