مصطلحات الأزمة الاقتصادية.. هل تعرفون ماذا تعني؟
بقلم/ فاطمة سلامة
كثيراً ما يُحكى عن مفهومي الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص. البعض يعتبر أنّ الثانية انعكاس للأولى وإن جاءت بعبارة أكثر تلطيفاً. البعض الآخر يُصر على أنّ الفارق بين المفهومين كبير، رغم أنّ الحد الفاصل بينهما شعرة، كما يُقال. وقد مهّدت الدولة اللبنانية الأرضية القانونية للشراكة بين القطاعين عبر إقرار قانون لها في آب/ أغسطس 2017. البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب أتى على ذكر الشراكة بين القطاعين، داعياً الى تسريع العمل بهذا النهج في مشاريع البنى التحتية لاستقطاب الأموال. تماماً كما حثّ على تعزيز الشراكة في بعض الملفات كالطاقة والنقل البري. الأمر الذي أثار جدلية حول هذا الموضوع، اذ اعتبر البعض أنّ الحكومة تعمل على خصخصة قطاعاتها وبيع ممتلكاتها تحت مسمى الشراكة، فما الفارق بين الخصخصة والشراكة؟ وفي أي إطار يمكن وضع خطوة الحكومة؟.
يجري التمييز بين الخصخصة والشراكة انطلاقاً من أنّ الدولة تعمد في الأولى على التخلي كلياً أو جزئياً عن أصولها لصالح القطاع الخاص وبشكل نهائي عبر البيع، بمعنى تصبح الملكية بيد القطاع الخاص مقابل عائد مالي. أما في الحالة الثانية أي الشراكة، فتتمثّل بعقد يُعقد بين طرف من القطاع العام وآخر من القطاع الخاص، يتعهّد بموجبه الأخير بالقيام بمسؤولياته لجهة عملية البناء والادارة والتشغيل والصيانة وغيرها من الخدمات التي يجري الاتفاق عليها مع الدولة كإنشاء البنى التحتية. وعليه، يُشدّد أكثر من مصدر داخل الحكومة لدى سؤاله عما أدرج في البيان الوزاري على أنّ هناك فارقاً بين الخصخصة والشراكة، ولا يُمكن الحديث عن الخصخصة بالطريقة نفسها التي نتحدّث بها عن الشراكة. فالدولة في الثانية لا تبيع قطاعاتها بل تستفيد من القطاع الخاص لتعزيز قطاعاتها وتحسين خدماتها.
عجاقة: لا نهوض سوى بالشراكة
الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة يعتبر في حديث لموقع “العهد” الإخباري أنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي نوع من أنواع الخصخصة. ولكنه يُشير الى أنّ للخصخصة أشكالاً محمودة وأخرى سيئة، وما علينا الا الاستفادة من الجانب المفيد لهذا النهج. كيف؟. يقول عجاقة إنّ الأشكال المحرّمة في الخصخصة هي بيع موجودات وممتلكات الدولة الى غير رجعة على طريقة الحلول السهلة. هنا تُصبح الخصخصة شرًّا لا يجوز الاقدام عليه. أما الشراكة بين القطاعين العام والخاص فهي أمر محبّذ، لا بل لا يمكن الاستغناء عنه في الحالة اللبنانية. برأي عجاقة، لا حل بدون “التشركة” اذ وصل لبنان الى مرحلة لا يمكن النهوض منها سوى بالشراكة. يستحيل الاعتماد فقط على مالية الدولة في ظل الأوضاع الصعبة وغير المسبوقة التي تعاني منها.
يوضح عجاقة أنّ العالم يشهد العديد من التجارب في هذا السياق. فشركة كهرباء فرنسا (EDF) مثلاً، هي شركة مملوكة من قبل الدولة الفرنسية. الأخيرة طرحت جزءاً من أسهمها في الأسواق للاستفادة من الشق المالي، ولم تترك مجالاً لأحد للدخول الى الادارة. هذا النوع من الشراكة محبّب، فالمهم ـ برأي المتحدّث ـ أن تظل الملكية بأغلبيتها للدولة لتتمكّن من البت في القرارات الاستراتيجية. في الحالة اللبنانية، يقول عجاقة، باستطاعة الدولة مثلاً في قطاع الكهرباء أن تستقدم مستثمرين من القطاع الخاص لبناء معامل جديدة على نفقتهم الخاصة مقابل استفادتهم من الجباية. هذا الأمر لا بد من تطبيقه من وجهة نظر عجاقة للنهوض بالقطاعات في لبنان، شرط أن تحتفظ الدولة بالملكية أقله في القسم الأكبر وبأن يبقى القرار الأساسي والنهائي لها، لا أن تبيع شركة الكهرباء. والكلام ذاته ينطبق على كل قطاعات الدولة.
بو مصلح: الشراكة خدعة
بمقابل ما يقوله عجاقة، توجد وجهة نظر مخالفة تماماً لرأيه يتبناها الخبير الاقتصادي غالب بو مصلح. وفق قناعاته، فإنّ الشراكة هي خدعة واسم آخر للخصخصة جرى تلطيفه بهذه العبارة كي لا يثير الحساسيات والعداء مع الجماهير. ويعرّف بو مصلح الشراكة على أنها تحويل الملكية العامة في القطاعات الاستراتيجية الى احتكارات لدى القطاع الخاص. ويستعرض بو مصلح تجارب عمد فيها لبنان الى خصخصة القطاعات لم تكن نتيجتها سوى المزيد من النهب والسرقة وسوء الخدمات. ففي النقل العام طرحت قضية التشاركية فأزيح القطاع العام من الأماكن المربحة ليحتكر القطاع الخاص النقل في الأماكن الحيوية. وفي الدواء أيضاً جرى احتكار هذا القطاع بشكل رهيب وواضح، ليجني الكارتيل أرباحاً خيالية منه اذ يباع الدواء في بعض الأحيان بـ 10 أضعاف سعره في العالم، وعندما حاول القطاع العام أن يدخل بشراكة مع القطاع الخاص، استورد مكتب الدواء صفقة أدوية بقيت 25 عاماً عالقة في الجمارك، حتى جرى تلفها لاحقاً.
ويلفت بو مصلح لموقعنا الى أنّه وفيما يخص قطاع الكهرباء، فقد جرى تدمير محطات مصافي النفط في الزهراني وطرابلس بعد أن طرحت قضية التشاركية ليحتكر القطاع الخاص قضية الاستيراد ويجني الارباح الخيالية ويُنشئ ما يُسمى “كارتيلا” ويمنع بنفوذه إعادة بناء المصافي لتشغيلها من قبل القطاع العام كما كانت سابقاً. نفس الأمر ينطبق على قطاعي الاتصالات والمياه الذي لم تكن نتيجة التشاركية فيه سوى مزيد من التلوث. ويختم بو مصلح حديثه بالاشارة الى أنّ التشاركية هي مسمى “تلطيفي” للخصخصة والأخيرة هي مزيد من النهب والسرقة.