الخبر وما وراء الخبر

 دروس من هدي القرآن الكريم

36

معرفة اللّٰه-وعده ووعيده
الدرس الرابع عشر
( 4 )
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 6/2/2002م
اليمن – صعدة

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد.
السلام عليكم ـ أيها الإخوة ـ ورحمة الله وبركاته.
ثم يقول سبحانه وتعالى في آية أخرى بعد أن طلب نبي الله موسى من قومه أن يدخلوا القرية التي كتب الله لهم أن يدخلوها ـ القصة مهمة جداً ـ: {يَا قَومِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}(المائدة: من الآية24) أليست هذه معصية؟ رفضوا! ما الذي حصل من عقوبة في الدنيا؟{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: من الآية24) {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ}(المائدة: من الآية26) بعد هذا جاء بالعقوبة عليهم في الدنيا:{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:26).
أليس هذا وعيداً في الدنيا حصل لبني إسرائيل؟ تاهوا أربعين سنة في صحراء [سينا] لا يبنون مساكن ولا يزرعون.. بالآلاف تائهين مثلما نحن، نحن الآن في حالة تيه، لكن تيهنا تيه فكري، تيه ثقافي نرى المشاكل، ونرى المصائب من كل جهة ولا ندري ماذا نصنع، ويصل الحال بنا في حالة تيهنا أنه متى ما أحد قال لنا: هذا حل أو قولوا هكذا.. سخرنا منه، ماذا سيجدي هذا؟!. لا.. دعنا هكذا. دعنا نتيه. ألسنا في حالة تيه؟.
حتى تتأكد أننا في حالة تيه ـ كلنا نحن المسلمين ـ انظر إلى وسائل الإعلام في التلفزيون تتحدث عما يعمل الأمريكان وعما يعمل اليهود في كل منطقة وعما يعمل النصارى، ثم انظر هل هناك حديث عن حل، أو حديث عن موقف إسلامي أو موقف عربي؟ لا.. تائهين، فقط يهمنا أن نسمع، أن يقال حتى كلمة واحدة قولوها قد ربما تزعج أولئك قد تزعجهم أو تقلقهم قليلا، يكون موقفا لا بأس لا بأس أقل قليل [ماذا يعمل هذا؟.. لا. دعنا هكذا نتلذذ بالتيه. دعنا هكذا رضينا بهذه الحالة.. ملطام هنا وملطام هنا. وإذا أحد انطلق قلنا له: اسكت. وإذا أحد يريد أن ينبهنا على أن يكون لنا موقف أو أن يقول شيئا أن نصرخ في وجه هؤلاء الأعداء لنزعجهم لنقلقهم. قالوا: لا.. اسكت.. دعنا].
هكذا التيه، بنو إسرائيل تاهوا أربعين سنة؛ لأنهم امتنعوا عن أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم في ذلك الزمان، بل قالوا تلك العبارة القليلة الأدب:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
ولاحظوا.. كيف أنه لم يكن هناك إلا رجلين إضافة إلى نبي الله موسى وهارون دفعوا بهم إلى أن يشجعونهم لدخول هذه الأرض التي كتب الله لهم، رجلين فقط، الأغلبية كلهم ليسوا حول هذا الموضوع، لكن ألم يكن كلام أولئك الرجلين كلاما كان مهمًّا عند الله سبحانه وتعالى فسطره في كتابه وخلد ذكره. رجلين, وحتى رجل واحد ألم يسطر كلام رجل واحد مؤمن آل فرعون؟ ويأتي بصفحة كاملة لمؤمن آل فرعون في [سورة غافر] لأنه لا عبرة بالمجاميع التي لا تقول شيئاً مهما كانت ثقافتهم مهما كانت مكانتهم، مهما كانت قدراتهم، وأن رجلاً واحداً ينطلق ليرشد الأمة له قيمته العظيمة عند الله، وهو حجة على الأمة.
لسنا بحاجة إلى أن ننتظر إجماعاً كما قد يقول البعض ينتظر العلماء كلهم أن يقولوا، والعلماء كلهم أن يقفوا والعلماء كلهم أن يتحركوا. أليس هذا هو ما يدور عند البعض؟ المهم هو: أن يكون هناك من يقول ولو رجل واحد، كمؤمن آل فرعون أن يكون هناك من يقول ولو رجلان فقط كما حصل لقوم موسى هنا: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} يخافون الله ويخافون عقوبته، عقوبة عدم الاستجابة والتفريط في الاستجابة لنبي الله.{أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا} أنعم عليهما بالإيمان، بالوعي، بالفهم، بالتقوى، بالاهتداء.
وضعوا لهم خطة:{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} لأنه كما في الأثر (ما غزي قوم في عقر دورهم إلا ذلوا) اهجموا عليهم الباب فإذا دخلتموه فهم سينهزمون نفسياً وسيضعفون ويتفرقون وستغلبونهم. أليسوا هنا وجهوا لخطة حكيمة؟
نبي الله موسى أمرهم بأن يدخلوا هذه الأرض، وهذان الرجلان تحدثا عن خطة عندما وجدوهم يتهربون من الدخول {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} توكلوا على الله وادخلوا وستغلبون.. ألم يذكر الله كلام الرجلين كما ذكر كلام موسى، ألم يسطر كلام الرجلين هنا مع كلام موسى، وكلام مؤمن آل فرعون مع كلام موسى في المقام الآخر أيضاً؟ لأن الكلمة لها أهميتها، الكلمة التي توجه، الكلمة التي ترشد، الكلمة التي تضع خططا عملية، للحفاظ على الأمة ولبناء الأمة، ولتكون الأمة ملتزمة بدينها لها أهميتها.
ألم يضرب الله مثلا للكلمة الطيبة{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}(إبراهيم: من الآية25)؟ وإن لم تكن إلا من رجل واحد لا تنتظر الجميع أن يقولوا، لا تنتظر الكل أن يقولوا من العلماء، أو من المثقفين، لا تنتظر للحكام للزعماء جميعاً أن يقفوا. انظر إلى من يتحرك، انظر إلى من يقف فتحرك معه وقف معه، ألم يسطر كلام الرجلين على أساس أنه كلام مطلوب من بني إسرائيل أن يتجهوا على أساسه وأن يعملوا به؟ لو كانت خطة خاطئة لما سطرت ولما دونت، {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} هذه خطة عملية عسكرية {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
هذه خطة صحيحة سطرت؛ لأنه أصبح مطلوباً من بني إسرائيل أن يسيروا عليها؛ فكانت لها قيمتها وإن لم تصدر من أعيان ونقباء بني إسرائيل جميعاً، وإنما أتت من رجلين. وقد يكونا رجلين من أوسط الناس من أطرف الناس، لم يذكر أنهما كانا من الملأ, كما يقول عن الملأ من كبار الناس، أو من أعيان الناس أو من نقباء بني إسرائيل رجلين لكن رجلين فاهمين، أنعم الله عليهما بالإيمان أنعم عليهما بالهدى.
الله كأنه يقول لنا: لو أنهم نفذوا كلام هذين الرجلين لما تاهوا أربعين سنة. ألم يتيهوا أربعين سنة عندما امتنعوا عن تنفيذ طلب نبي الله موسى أن يدخلوا وعن الدخول بعد وضع الخطة من قبل الرجلين، فتاهوا أربعين سنة؟ وكأن هذا يقول للكثير من الناس الذين يقولون: [سننتظر للعلماء جميعاً أن يقولوا أو ننتظر زعماء العرب جميعا حتى يتحركوا، أو المشايخ جميعاً حتى يقولوا] انظر إلى أي رجل أو رجلين يقولا كلاماً صحيحاً يؤدي إلى موقف صحيح وتأكد بأنه مطلب من الله كما كان هنا كلام الرجلين مطلب لله من بني إسرائيل أن يسيروا عليه وإلا لما سطره في كتابه مع كلام نبيه موسى.
وهذه قضية مهمة؛ لأن الكثير قد يدخل في نفسه ريب وشك نحن هنا نقول: [الموت لأمريكا والموت لإسرائيل لكن هناك مدينة علمية هناك مجاميع من العلماء لا يتكلمون بها. هل كان هذان الرجلان ـ اللذان حكى الله عنهما من بني إسرائيل ـ هل كانا قمة بني إسرائيل؟ أو أن هناك الباقي الكثير ممن هم رافضون وممن هم ساكتون ألم يكن في بني إسرائيل علماء؟ على أقل تقدير ممن يسمعون موسى وهو يتكلم وهو يرشد وهو يوجه فيعلمون ما يقول.. ألم يكن فيهم علماء ووجهاء؟ لكنهم كانوا ساكتين أو كان موقفهم كموقف الآخرين{لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}.
هل كان مقامهم بالشكل الذي لم يلحظه الله؟ فيقول: [ما دام قد جلس أعيان بني إسرائيل وسكتوا أو كان هذا هو رأيهم فما قيمة كلام الرجلين, لا شيء]. لا.. اعتدَّ بكلام الرجلين وجعل له قيمته، وجعله كلاماً عظيماً، وجعل أولئك لا شيء، الذين قعدوا من علمائهم من وجهائهم، من عبادهم، رجلين فقط والباقي ماذا؟ إما أن يكونوا ساكتين أو يكونوا ممن يقولون: {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}؛ لنعرف أنه في كل زمان هل سيكون الله مع أولئك الذين يسكتون من علماء وعباد ووجهاء وزعماء؟ أو أنه سيكون مع رجل أو رجلين من هنا، أو هناك ينطلقون ليضعوا خططاً عملية للأمة تسير عليها، وخططاً لتوعية الأمة ولإرشاد الأمة.
أنت عندما تقول: [لو كان هذا عملا صحيحا لكان العلماء في المقدمة] أنت في ذهنيتك تتصور وكأن الله هو مع المجاميع الأخرى الجالسة والساكتة أليس كذلك؟ تتخيل وكأنه هو مع أولئك, وهذا هو شاذ هناك.
رجلان الله كان معهما وأثنى عليهما، وجعل الخطة التي قالوها خطة حكيمة مطلوبة من بني إسرائيل ولم يعتد بالعلماء، ولا بالأعيان، ولا بالعباد، ولا بالوجهاء الآخرين من بني إسرائيل.. هل اعتد بهم؟ لا.. بل تاهوا كما تاه الآخرون، وتحملوا أوزار قعودهم وسكوتهم، سواء كانوا هم ممن قال:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} الكلمة القبيحة هذه.. أو قالها آخرون فمشت.
إذا ما جاءت كلمة سيئة من أطراف الناس وسكت أولئك الذين يجب عليهم أن يقفوا ضدها فكأنها هي كلمة تعبر عن موقف المجتمع كله؛ لأنه هاهنا قال يحكي عن بني إسرائيل {قالوا} قالوا.. وكم تحت [الواو] في كلمة {قالوا} تفهم وكأنه ما عدا الرجلين.
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا} فهل تتوقع بأن الذين قالوا هذه العبارة هم من علماء بني إسرائيل وعباد بني إسرائيل، قد لا يكون البعض ممن قال هذه العبارة، قد يتحاشى عالم من علمائهم، أو عابد من عبادهم أن يقول هذه العبارة، لكنها قيلت ونحن علماء وعباد ووجهاء وأعيان سكتنا، فكانت هي الموقف الذي يعبر عن الجميع.
ففي هذه النقطة عبرة لنا نحن.. لا ننتظر للعلماء أن يتحركوا كلهم، لا ننتظر للزعماء أن يتحركوا كلهم، لا ننتظر للمشايخ أن يتحركوا كلهم، لا ننتظر للأمة أن تتحرك كلها، تحرك بحركة رجل أو رجلين يقف مواقف صحيحة وستلمس أنت أن ذلك موقفاً صحيحاً، وأقل ما يمكن أن تلمسه: أن هذا الموقف له جدوائيته وينفع فيكفي هذا. شيء أفضل من لاشيء أليس كذلك؟.
ثم إذا ما عرفنا بأنه يقال: إن عملاً كهذا خطير، إذًا فاعرف أنه عمل خطير أيضاً يعني: عظيم له قيمته.
إذا قيل لك بأن هذا عمل خطير عليكم، ماذا يعني هذا؟ أليس ذلك يعني: أن عملك له قيمته وله أثره البالغ على أعداء الله؟ إذاً هو ما تريده. أو أننا نريد أن نبحث عن أعمال لا تضر بالآخرين!. هل هذا معقول؟ كيف بإمكانك أن تقف في مواجهة أعداء الله وبأعمال لا تكون خطيرة ولا تضر بآخرين! ما هو العمل هذا؟ ربما النوم، النوم هو لن يضر بالآخرين لكن سيضر بك.. أليس كذلك؟
إذا ما انطلقنا في عمل معين، فقيل لنا: هذا عمل خطير، فجلسنا، انطلقنا في عمل آخر، فقيل: هذا خطير، جلسنا، أي أننا نريد أن نبحث عن عمل نقف معه ضد أعداء الله لكن لا نريد أن يكون خطيرا علينا، فإذا لم يكن خطيرا علينا يعني أنه ليس شديد النكاية بأعداء الله.. أليس كذلك؟
فهذا يسمى جهاد ماذا يمكن أن نسميه؟ جهاد من نوع لين، أو جهاد انتساب كطلاب الجامعة، يدرس في الجامعة عن بعد، متى ما قيل لك: عملك هذا خطير فإنه شهادة أن عملك هذا مؤثر ضد أعداء الله.
فإذا كنت مجاهداً ويهمك أن تبحث عن الأعمال التي ترضي الله، والتي تكون مؤثرة ضد أعداء الله فإنه متى ما قيل لك: إن عملك هذا خطير، فهو شهادة أنك على النهج الصحيح في مواجهة أعداء الله، وهو شاهد أيضاً على أن عليك أن تبحث أكثر وأكثر عـن ما يشكل أكثر خطورة عليهم، وإن كـان أيضاً أكثر خطورة عليك؛ لأنه أحياناً ـ وهذا هو ما نجهله جميعاً ـ ننظر إلى الخطورة التي تحدث من وراء ذلك العمل من جانب الآخرين، ولكننا لا ننظر إلى خطورة القعود وما توعد الله على القعود وعلى السكوت من عقوبات أقلها الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، لا نخاف من ذلك أليست هذه هي الخطورة البالغة التي يجب أن نخافها؟ أليس هذا هو الخطر الحقيقي الذي يجب أن نخافه؟ فحينئذ قارن بين سكوتك وبين عملك أيهما سيكون أخطر عليك من جانب من؟ الخطورة من جانبه أشد والعقوبة من جانبه أعظم وهو الله. هل سكوتي أو انطلاقي في العمل أيهما أخطر علي؟ من جانب الله سبحانه وتعالى؟ ستجد أن السكوت هو الذي يشكل خطرا عظيما عليك.
نظرة خاطئة، نظرة لا تلتفت إلى جانب الوعيد لا في الدنيا ولا في الآخرة، متى ما انطلق الناس في عمل فقيل لهم: هذا خطير، اتجهت أذهانهم وأنظارهم إلى ذلك الخطر المحتمل من جانب جهة داخلية، أو خارجية وجعلوه كل شيء وارتعدت فرائصهم، واضطربت قلوبهم.
إذا كان الناس على هذا النحو فسيكونون هم ممن قال الله عنهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ}(العنكبوت: من الآية10) {آمنا} لكن إذا الدنيا سلامات {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}(العنكبوت: من الآية10) وجعلها نكالا لما بين يديها وما خلفها، ثم لا يعد يرفع له رأساً، ولا يعد يرفع له يداً ولا تنطلق من فمه كلمة. [ألم نقل لكم أن هذا عمل خطير, ألم نقل لكم اتركوا هذا العمل.. ما رضيتم؟] أليس هكذا يقول الناس؟.
أنت قل للآخرين قل لهم ما قال الله في كتابه من وعيد لمن يقعدون لمن يتخاذلون، لمن يسكتون وما وعدهم به من أجر عظيم، ومن جزاء حسن في الدنيا وفي الآخرة، إذا ما انطلقوا يعملون ذلك الجزاء العظيم الذي يجعل كل خطر من جانب الآخرين لا شيء، كلم الناس بهذا، ذكر الناس بهذا، الذي يقول لك: عملك هذا خطير، قل له: لكن أنت سكوتك أيضاً هو خطير، وتعال نجلس معا أنا وأنت، نعرض سكوتك ونعرض عملي على كتاب اللهن، فننظر أيهما أشد خطراً، وحينها سنسلِّم أنا وأنت، ونحن مستعدون إلى أن نقف، إلى أن نمتنع، إذا كان عملي هو أكثر خطرا عليّ من جانب الله سألتزم بكلامك، وإن كان سكوتك هو الأكثر خطرا فإنه يجب عليك أن تتحرك بحركتي، لماذا لا تقول للآخرين هكذا؟ من يقولون: (اسكتوا كلامكم خطير، عملكم هذا خطير). لماذا لا تقول لهم هذا؟ نحن ننسى.
ألم أقل قبل يومين في شرح كلام زين العابدين: ((وبلغ بإيماني أكمل الإيمان)) أننا بحاجة إلى أن نكون جنودا لله، نعي كيف نتحدث مع الآخرين، نعي كيف نخاطب الآخرين. من هو ذلك الذي قد يقول مثل هذا الكلام إذا ما انطلق شخص آخر ليثبطه عن عمل ـ قد يكون القليل منا ـ ونحن ما تزال أعمالنا بسيطة، فإذا ما انطلق أحد يثبطه عن عمل تاه بفكره وسكت، من سيقول لك عملك هذا خطير قل له: سكوتك أنت أيضا خطير عليك أمام الله.
الخطورة البالغة هي في سكوتك؛ خطورة عليك وخطورة على الأمة وخطورة على الدين. لكن عملي قد يكون فيه خطورة على شخصي فقط وهو بناء للأمة وهو نصر للدين. فأيهما أشد خطورة ذلك الذي هو ضرب للدين وللأمة وللإنسان نفسه، أم هذا الذي قد يكون لشخصك لكنه نصر للأمة، ونصر للدين، وفوز لك في الدنيا والآخرة؟.
يجب أن نصل نحن في وعينا إلى أن نعرف كيف نتحدث مع الآخرين عندما ينطلقون ليثبطونا عن أي عمل، وما زالت أعمال الناس بسيطة، لنكون جنداً من جنود الله لا يستطيع أحد أن يوقفنا أبداً لا بتضليله، ولا بإرجافه، ولا بأي أسلوب كان.
كلام الرجلين ـ{قَالَ رَجُلانِ} ـ يدل على أن المجاميع الأخرى كانت متخاذلة أليس كذلك؟ أنها كانت متخاذلة. لم يقل هنا حتى قال عالمان أو قال كبيران، بل{قَالَ رَجُلانِ} وأنت انظر كما قلت سابقا ستجد إذ كنت تفترض أن هناك مجاميع من العلماء والعباد داخل بني إسرائيل.. أين هم؟ أليسوا في ذلك الجانب الآخر المتخاذل؟ خذ عبرة من هذا، خذ عبرة من هذا أنه هكذا في كل زمان، والتاريخ يشهد أنه في كل زمان ليس العلماء جميعا يتحركون، ولا الوجهاء جميعا يتحركون، ولا المؤمنون جميعا يتحركون، ولا كل من يمتلك فما ينطق ويتحدث.. هذا هو الشيء المعروف من خلال القرآن الكريم ومن خلال التاريخ، تاريخ الأمة.