الخبر وما وراء الخبر

اليمن.. اِسْقاطُهُ الجَريمَةُ المُسْتَحيلةُ تأريخاً!

142

ناصر الحريري – إعلامي وصحفي سوري مقيم في اليمن


 

حاولوا الوصولَ إلى المُحَرَّم في الوطن.. ففَشلوا، وبدأوا يحفرون الأرض ويَدُقُّون اِسْفين الفتنة ليقيموا عليها مستوطناتِهم الخبيثة.

مثلما زَحَفوا من أفغانستان إلى بغداد فَلَوَّثوا ميادينها الجميلة، وملؤوها بالنفايات، مثلما حولوا مياه الفرات إلى حمام يغتسلون بمياهه، ويغسلون ثيابهم فيلوثوه بقذارتهم مثلما يحدث في بلاد الشام من قتلٍ للتأريخ وتصفية لحسابات ضيقة، يحدث في اليمن!.

يبتلي اللهُ اليمنَ بفئةٍ من السياسيين الذين أطلقوا على أنفسهم “مُخَلِّصو اليمنِ من مِحْنَتِه”.. الاصْلاحِيّين ومَنْ والاهُم.. وغيرهم ممن لا يفقهون في السياسة شيئاً، يحملون مشاريعهم الخبيثة في جيوبهم ويلقون قشور الموز تحت أرجل البسطاء.

اليمنُ أيها الجميل بكل لغات البشر، إنهم يحاولون تدنيس ألقك وكبرياءك المرتفع حتى السماء، بحثالة تدعي خوفها على الوطن كما تدعي الاسلام والعروبة، إنهم فئة ضالة تستغلها طغمة حاكمة في ممالك ومشيخات النفط لتزيد من اشتعال النار التي يُطْبخ عليها إنهاك اليمن وإنهائه.

إنهم يمثلون – كأسيادهم – العَدَمَ.. العدم الثقافي والجمالي والقومي وحتى العدم التأريخي، إن لغةَ الحوار تُضايقهم؛ لأنهم لا يستطيعون فهمها، وعبارة الوَحْدةِ تزعجهم لأنهم لا يستطيعون تركيبها، وهم مقتنعون أن كُلّ العصور قبلهم هي عصور وصاية وأن عصرهم فقط هو عصر الاستقلال والاسلام.

يقصفون صَعْدة وما جاورها؛ لأن ثقافة التنوع لا تناسبهم، وينهالون بصواريخهم وحمم نيرانهم على صنعاء لأن ثقافة الوحدة التي ترسخت منذ عقود لا تناسبهم ولا يستطيعون التأقلم معها، ويتجهون إلى الوسط فينهالون ضرباً على كُلّ ما يجدونه مخالفاً لمعتقدهم الجاهلي الذي يستمد همجيته من ثقافة إنهاك الآخر وتلاشيه، يفجرون مساجد اليمن على مرتاديها لأن إسلام اليمن الذي حدثنا عنه رسول الرحمة لا يناسب إسلام تطرفهم ولا إسلامهم الخاص، وأن حضارة وثقافة سبأ وحمير لا تناسبهم أيضاً، ولأن امتداد الأرض يجعلهم عاجزين عن المسير..

يحاولون إحراق الوطن، لأنهم ما اعتادوا إلا حياة الحواري والأزقة المظلمة الضيقة..

إن مخططهم أيها اليمن هو قتل الجمال فيك، وإرغامك على تبعية الذي يستبيح الأرض والسماء والبحر..

أشعلوا حربَ استنزاف تستهدف كُلّ نبيل وجميل فيك، وتستهدف اجهاض كُلّ التنوع الفكري والثقافي وحتى السياسي الذي ما زالَ واقفاً يطرح ظله ويطرح الثمر..

إنهم مجموعة من المرتزقة يجولون في سمائك بأسلحة خبيثة ويطلقون صواريخهم إرضاء لشهوة القتل.

أنا لا أدافع عنك أيها اليمن..- لأن بلدي وهي الشام توأمك في وصية نبي الرحمة – تعاني إرْهَـابهم أيضاً فسفكوا دماء الأبرياء وشردوا البشر وحطموا الحجر، لأنهم لا يريدون أن يروا الأشياء الجميلة والمرتفعة التي لا تتأثر أبداً بإطلاق الرصاص عليها، فأنت منيع تأريخياً وزمنياً، ما يجعل اسقاطك هو الجريمة المستحيلة..

إن ما يحدث ليس بريئاً، ولا حواراً حضارياً يدور على طاولة، لكنه هجمة لئيمة على تأريخ ناصع بكل أصوله وجذوره.

من المؤسف أن يصبح اليمن وهو مرتع الشمس والمحبة مأوىً لهؤلاء، ومركزاً لعصابة تتحرك بغريزة العدوان، وتتحول إلى ديك منفوش الريش بعد أن كانت دجاجاً ذليلاً في بلدانها..

إنهم يكرهون الشمس والينابيع وسنابل القمح وموج البحر والأمطار، ويعيشون على أنقاض العالم وخرائبه ولعل أخطر ما فيهم أنهم يرفعون راية السيادة والاستقلال والاسلام.

إن اغتيال التأريخ ليس سيادة، والعدوان على البشر والحجر وَتحطيم البنى التحتية ونبش قبور الموتى ليس ديمقراطية، وقتل الأبرياء والتشهير بالحياة العامة والخاصة للبشر ليس إسلاماً.

أيها اليمن..

لن يستطيع كُلّ طغاة العالم أن يغيروا ألق التأريخ وعبق العروبة ولا امتداد الأرض.. ولا عزاء لنا بمن سقط فوق ثراك من الأبرياء، لأنها تضحيات لازمتك مذ وجدتَ، فهذا قدرك أن تكبر فوق الجراح ولكن بعد أن تنفض عنكَ غبار المعركة لتعيد ألقَ الشواطئ وصفاء السماء وخضرة الأرض.