الخبر وما وراء الخبر

 >> ثقافة الجهاد والاستشهاد: مشروع حياة أبدية وهوية يمنية بامتياز

34

شعب ترسخ إيمانا, ووعيا, وممارسة بثقافة الشِّهَـادَة والاستعداد العالي للتضحية؛ ثقافة البقاء التي تحمي الأُمَّــة وتعتزُّ بها وتصمُدُ …ثقافة العطاء التي هي سر الصمود الأسطوري للشعب اليمني وانتصاراته في وجه هذا العدوان التي ترجمها الشعب على أرض الواقع فكسروا بإرادتهم وصمودهم عنجهية وغرور المعتدين.

للعام الخامس على التوالي وشعبنا اليمني الصامد يعيش هذه الأيام الذكرى السنوية للشهيد, كما في الأعوام السابقة على واقع الشهادة في سبيل الله منهجا قرآنياً ومساراً إيمانياً ثورياً يجسده العطاء والبذل والتسابق نحو ساحات وميادين الاستشهاد دفاعاً عن العقيدة والوطن والايمان والشرف وقيم ثورته القرآنية، شعب يحمل في وعيه الإيماني المجسد بواقع الفعل والممارسة ثقافة ومنهجية قوله سبحانه وتعالى (ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).

تأتي ذكرى الشهيد السنوية هذا العام مع تطورات وأحداث كثيرة كما تحدث عن ذلك قائد الثورة، في خطابه الأخير بهذه المناسبة.

*تجارة إلهية رابحة*

عطاء قابله الله بعطاء, وتجارة رابحة ليست كباقي التجارات الموجودة على هذه الارض, هذه التجارة أصحابها رابحون في الدنيا والاخرة, وقد دعاء الله في كتابه العزيز المؤمنين إلى هذه التجارة التي ستنجيهم في الحياة الدنيا والاخرة , فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

دعوة للجهاد بأسلوب يبيّن حقيقته، ويشير إلى نتيجته العظيمة, فهي معاملة تجاريّة من أروع المعاملات، طرفها الأوّل الله تعالى ، و الطرف الثاني هم المؤمنون بالله واليوم الآخر، الثمَّن: الجنّة الخالدة، الثمن، أنفس المؤمنين وأموالهم، ثمَّ يشير تعالى إلى نتيجة هذه المعاملة: “ذلك هو الفوز العظيم”, كما أكَّد القرآن الكريم على فضل الشهداء ومكانتهم وأجرهم ونورهم، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

*منهج حياة , ووعي إيماني*

يدرك اليمنيون اليوم بإيمانهم وبواقعهم الحي أن الجهاد في سبيل الله منهج للحياة الأبدية الخالدة، ومسار الى الحياة الكريمة والعزيزة التي أرادها الله لعباده أن يعيشوها وأن يحيوها في الدنيا قبل الآخرة، كما يدركون أيضا بأن الجهاد في سبيل الله مسار إيماني تفضل الله به برحمته على عباده؛ ليحظوا بالحياة الأرقى والأبدية في الآخرة, ولذلك استقبال اليمنيون لهذه المناسبة العظيمة, واحياؤهم لها لهذا العام هو استقبال شعب يحمل في وعيه الإيماني المجسد بواقع الفعل والممارسة ثقافة ومنهجية قول الله تعالى (يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).

شعب يؤكد بعطائه وبشهدائه وبمسارعته نحو ميادين الجهاد في سبيل الله بأن الشهادة في سبيل الله بحد ذاتها حياة فضلا عن كون عشاقها هم من يصنعون لشعوبهم وأمتهم الحياة الكريمة ويعبدون بدمائهم طريق الحياة الكريمة العزيزة والقويمة لعباد الله المتحققة بهدى الله وبوعد الله تحت رعايته وبمقتضى رحمته وعدله وفضله الواسع في الدنيا والآخرة.

*القائد والمشروع*

منذ أن أعلن الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه – انطلاقة المشروع القرآني, ورفع شعار الصرخة في جبل مران بمحافظة صعدة؛ حتي توالت المؤامرات وشنت حروب وحشية وظالمة وغاشمة خدمة لأمريكا واسرائيل, سقط فيها شهداء عظماء خلال هذه الحروب, بعد أن احست ـ امريكا ـ واسرائيل ـ بالخطر الذي سيواجههم من انتشار هذا المشروع.

لقد كانت وما زالت نعمة الله وفضله ورحمته كبيرة وواسعة على اليمن وشعبه حينما حماه الله وحصنه بانطلاقة المشروع القرآني الثقافي التوعوي للشهيد القائد السيد/ حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، والذي ركز فيه على الاستهداء بالقران الكريم. فأبصر به وسمع، ونطق به وتحرك، مستنيرا بهداه وقدمه للشعب اليمني ولشعوب الأمة منهجا ومسارا ومنطلقا عمليا لتحصينها ولتحريكها بما يجعلها قادرة على مواجهة الخطر الكبير، والتحدي غير المسبوق والشامل عليها وعلى دينها وعلى وجودها، مبينا للأمة عامة وللشعب اليمني خاصة بأنه ليس هناك مخرج للأمة إلا الله وهداه القرآني، فهو من يحصن الأمة ويحركها في مواجهة تضليل بهذا المستوى؛ لذلك كان التحرك والتآمر الحرب على المشروع وقيادته وأنصاره ومجتمعه حربا كبيرة وشرسة وشاملة وعالمية، فكانت تلك الحروب والمؤامرات التي انتهت باستشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي.

استطاع الشهيد القائد بفضل الله ان يخلق في نفوس الناس حالة من الوعي, ومن العمل الجهادي وان ينتشلهم من واقع الركود الى واقع الحركة المثمرة, واستطاع بفضل الثقافة القرآنية التي تدعوا الى البذل والعطاء, أن يجعل المجتمع يخرج من حالة البخل والخوف إلى حالة التضحيات والانفاق والعطاء والدليل الواقع الذي نعيشه اليوم كشعب يمني في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي فهذا الصمود الأسطوري وهذا الوعي والبصيرة التي يتمتع بها شعبنا لم تأتي من فراغ بل جاءت نتيجة وعيه ونتيجة ثقافة قرانيه امن الناس بها في قلوبهم وعملوا بها في واقعهم.

*قوة الإيمان تتغلب على سلاح العدوان*

ما أن بدء العدوان الأمريكي السعودي في ارتكاب المجازر الوحشية بحق أبناء اليمن دون استثناء, وأمعن في تدمير البنية التحتية لشعب اليمني , وفرض حصار برياً وبحرياً وجوياً , وتضيق الحناق على المواطن اقتصاديا , وانكشف المشروع الاستعماري الذي يستهدف اليمن , حتي هب المومنيين إلى ميادين الجهاد والفداء لدفاع عن دينهم ووطنهم والاخذ بحق الأطفال والنساء الذين قتلتهم نيران العدوان وغارته.

هؤلاء الشهداء العظماء كما يقول السيد القائد ” لم يقفوا مكتوفي الأيدي يتفرَّجون على واقع الظلم والإجرام والفساد من حولهم, بل سعوا وتحركوا لإقَـامَة الحَـقّ ولإقامة العدل الذين يدافعون عن المستضعفين، هؤلاء الشُّـهَدَاءُ إنما قدّموا حياتَهم وهم منشَدُّون نحوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً، وهم يُدرِكون مسئوليتَهم تجاهَ الآخرين، وثانياً إنما انطلقوا بقيم عظيمةٍ وعزيزة إنْسَـانية عالية لديهم من المشاعر الإنْسَـانية والأحاسيس الإنْسَـانية ما جعلتهم يتألمون حينما يرَون الظلمَ حينما يشاهدون الطغيانَ”.

هؤلاء المجاهدون ليسوا كغيرهم من المقاتلين في بلد في العالم , انهم اناس تسلحوا بسلاح الايمان وسلاح الحديد , أنطلق المجاهدون إلى ميادين الجهاد سوء في الجبهات الداخلية والخارجية , متزودين بالثقافة القرآنية, ومتسلحين بسلاح الايمان وسلاح الحديد, متوكلين على الله ومستمدين قوتهم منه عز وجل وبأن الله أكبر من كل قوة في هذا الكون , مجاهدين باعوا من الله انفسهم بأن لهم الجنة مقابل التضحية بالنفس والشهادة في سبيل الله تعالي, وهو ما جعلهم يحققون ما كان يعتبر مستحيل في السابق , وما هو مستحيل الان عن اغلب جيوش العالم المزودة بالمعدات الحديثة.

*عزة وكرامة*

جسد شعب الإيمان والحكمة اليوم بمسار مشروعه القرآني وحصد حصيلة فهمه الحقيقي للإسلام, ومنهجه الجهادي بصمود أبهر المراقبين ودحر أكثر الجيوش العربية تسلحاً بالمعدات الأمريكية الغربية الفتاكة المتطورة والمحرمة دولياً, رغم إمكانياته العسكرية الضئيلة حتى أصبح على درجة كبيره من اليقين الواعي بأن جهاده واستشهاد أبنائه في سبيل الله وحده وأن مسيرته الجهادية في ظل المشروع القرآني غايتها أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يرتفع الظلم ويتحقق العدل في ضمائر الناس وأخلاقهم وسلوكهم، كما في أوضاعهم وتشريعهم ونظامهم على السواء.

وبتلك الدماء الزكية الطاهرة تحقق لليمنيين العزة والكرامة, وكسرو بتضحياتهم غطرسة الظالمين ومن معهم من شذاذ الافاق, واسقطوا المشروع الأمريكي في اليمن والمنطقة العربية ككل, ونالوا ما يتمناه كل مؤمن صادق وهي الشهادة في سبيل الله , وأن يكونوا أحياء عند ربهم يرزقون في جنة الله خلدون فيها في مقابل تقديم أرواحهم الطاهرة.

*أهمية الذكرى*

إن في إحياء هذه المناسبة تخليد للشهداء, وتضحياتهم وتكريس لثقافة الاستشهاد التي نجح الأعداء في تغييبها عن الأمة عقوداً من الزمن أهمية أن تكون ثقافة الشهادة حاضرة في وعي الأمة، وأن غيابها يعني افتقاد الأمة لجانب إيماني مهم تغيب معه كل معاني الثقة بالله ونصره والتوكل عليه, وكما يدعو السيد القائد في هذه الذِّكْـرَى إلى أن نسعى لتعزيزِ روح الاستعداد العالي للتضحية والإصرار على الحياة الكريمة أَوْ الشِّهَـادَة بكرامة.

*مسك الختام*

في ذكرى الشهيد، يجب أن نستذكر مناقبه، وأن نربّي الأجيال على أن يكونوا مثله، وأن نتذكّر تضحياته وشجاعته، ومكانته عند رب العالمين، فالله تعالى يغفر له جميع ذنوبه في أول دفقةٍ من دمه، ويرى مقعده من جنة الفردوس، فالشهيد في أعلى مراتب الجنة، مع الأنبياء والأولياء والصالحين، الشهادة هي أعلى مراتب الحياة بعد الموت، وهو سببٌ لفخر أيّ أسرةٍ تقدم شهيداً، وفخرٌ لوطنه، وأصدقائه، وأحبته، ، فهو على كل حالٍ رمز الشرف والتضحية، فالشهادة كرامةٌ وفضلٌ لا يؤتيه الله تعالى إلا لمن يصطفي من عباده.