الخبر وما وراء الخبر

 طرد القوات الأمريكية من العراق.. ما هي الحلول التي ستتبعها بغداد لملء الفراغ؟

36

الوقت التحليلي- في أعقاب الجلسة الطارئة التي عقدها البرلمان العراقي في الخامس من يناير الماضي 2020 وتوصيته على قرار طرد القوات الأجنبية من العراق، أصبحت قضية انسحاب القوات الأمريكية من كل الاراضي العراقية هذه الايام محطّ اهتمام العديد من المراقبين السياسيين وفي هذه الأثناء يرى عدد من المراقبين والأوساط السياسية المحلية العراقية أن بغداد في وقتنا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الوجود الأمريكي ويعتقدون أنه في حال غادرة القوات الامريكية من الاراضي العراقية، فإن بغداد لن تتأثر من ناحية البعد العسكري فحسب، وإنما أيضا سوف تتأثر اوضاعها الامنية والاقتصادية والعمرانية والسياسية وسوف يلحق بها الكثير من الاضرار.

وحجتهم في ذلك، هي أنه بعد ظهور تنظيم “داعش” الارهابي في العراق، لعبت أمريكا دوراً أكثر أهمية في تقديم الدعم المالي والعسكري للحكومة والجيش العراقي أكثر من أي وقت مضى، ومع رحيل هذه القوات فإن العراق سيواجه فراغًا قد يكلف بغداد الكثير والكثير، ومن أبرز المشكلات التي قد تواجه بغداد هي احتمالية ظهور تنظيم “داعش” الارهابي مرة أخرى في عدد من المدن العراقية. ومع ذلك، فإننا في مقالنا هذا سوف نقدم العديد من الادلة والبراهين التي تثبت بأن رحيل القوات الأمريكية من الاراضي العراقية وقطع العلاقات الدبلوماسية بين بغداد وواشنطن لن يخلق مشكلات كبيرة للحكومة العراقية فحسب، بل يمكن أيضا أن يكون تلك الخطوة تأثير إيجابي على مسير التنمية في البلاد على المدى القريب والبعيد وفي هذا الصدد، يمكن مناقشة وتسليط الضوء أكثر على أهم الحلول العراقية لملء الفراغ عقب خروج القوات الأمريكية من كل المدن العراقية وهي كالتالي.

عبور العراق من حالة التبعية العسكرية والأمنية لأمريكا

إن الشاغل الأول والأهم للمعارضين على رحيل قوات أمريكا من الاراضي العراقية، هو عدم قدرة الجيش العراقي على مواجهة التهديدات الأمنية ومكافحتها ولا سيما إذا ما ظهر تنظيم “داعش” الارهابي وانتشر في عدد من المحافظات العراقية. وفي هذا المستوى من المهم ملاحظة بعض النقاط المهمة والتي هي: أولاً، قامت القوات الامريكية خلال المواجهات العسكرية مع تنظيم “داعش” الارهابي بتقديم الدعم الجوي للجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي الذي قدم الغالي والرخيص للقضاء كليا على ذلك التنظيم الارهابي وإنهاء عهد خلافة “أبو بكر البغدادي”. ثانيا، تجدر الإشارة إلى أن الدعم الأمريكي للجيش العراقي لم يكن إيجابياً على المدى الطويل فحسب، بل إنه أدى أيضا إلى إفلاس خزينة الجيش العراقي وهزيمته في عدد من جبهات القتال. وبمعنى آخر يمكن القول أن المساعدات الأمريكية وما يسمى بالتحالف الدولي ضد “داعش” وحلف الناتو لم تبذل الكثير من الجهود للقضاء على جميع التهديدات الارهابية وإنما استغلتها لمصلحة تحقيق بعض اطماعها في المنطقة وهنا تؤكد العديد من التقارير بأن تلك القوات الغربية لم تقم خلال السنوات بتدريب الجيش العراقي ليتمكن من حماية نفسه بنفسه ولم تقدم له المعدات العسكرية الضرورية ليتمكن من القضاء من الفلول الارهابية.

ثالثًا: في الوضع الحالي هناك العديد من الحكومات الغربية والإقليمية المستعدة لملء الفراغ الذي سيُحدثه خروج القوات الأمريكية من العراق وفي هذا السياق، أعلنت الصين أنه إذا أنهت أمريكا والدول الغربية وجودها في العراق، فإنها سوف تكون على استعداد للتعاون بشكل مكثف في تدريب وتجهيز القوات العراقية وأيضا قالت روسيا إنها مستعدة لبيع نظام الدفاع الصاروخي “إس 400” لبغداد ومستعده أيضًا تجهيز الأسطول الجوي العراقي باحداث المقاتلات الحربية والمعدات العسكرية وهذا يدل على أن الفراغ الذي سيخلقه الانسحاب الأمريكي من العراق لن يكون خطيراً. رابعًا، كانت فتوى “آية الله السيستاني” والتعاون الإيراني تحت قيادة الشهيد “قاسم سليماني”، هي التي أدت إلى انتصار قوات الجيش والحشد الشعبي العراقي منذ عام 2014 وحتى الان على تنظيم “داعش” الارهابي، وليس الأمريكيين وحول هذا السياق، تؤكد العديد من التقارير بأنه عندما كان تنظيم “داعش” الارهابي على بعد 10 كيلومترات من العاصمة العراقية بغداد وكان يتجهز لاحتلالها والسيطرة عليها، كانت طهران هي العاصمة الوحيدة التي هرعت بكل قوتها لمساعدة العراق وبالفعل تمكنت القوات الإيرانية والعراقية من القضاء على فلول ذلك التنظيم الارهابي ولهذا فإنه يمكن للعراقيين في المستقبل أن يكونوا واثقين من دعم إيران الشامل لهم وأن طهران قادره على تحمل وطأة أي تهديد يلم بالعراق وأن الاعتماد على الأمريكيين والدول الغربية الأخرى على المدى الطويل، سوف يخلق لهم الكثير من التحديات والمشاكل.

اعتماد العراق المالي والاقتصادي على أمريكا

هناك حجة أخرى للمعارضين على فكرة خروج القوات الامريكية من العراق، تتمثل في أن ذلك الانسحاب سوف يُنهي من ناحية التعاون المالي والاقتصادي والمساعدات التي تقدمها واشنطن لبغداد، ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن يفرض “ترامب” عقوبات اقتصادية قاسية على العراق، الامر الذي قد يخلق المزيد من المشاكل لحكومة بغداد. في هذا الصدد، من الضروري أن لا نضخم ونبالغ في مقدار المساعدات المالية والاقتصادية التي قدمتها الولايات المتحدة وغيرها من المؤسسات المالية الغربية للعراق، وذلك لأن تلك المساعدات لم تساعد العراق قط وإنما عملت خلال السنوات الماضية على زيادة الديون الخارجية الكبيرة على الحكومة العراقية. وفي الختام تجدر الاشارة إلى أنه إذا قررت الولايات المتحدة الخروج من العراق ومقاطعتها دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فهذا يعني أن واشنطن و”ترامب” ليسا أصدقاء وحلفاء للعراقيين ولكن أيضًا يمكن اعتبارهما أعداء للبلاد وذلك لأنهما خلال السنوات الماضية كشفا عن وجههما القبيح في نهب ثروات أبناء الشعب العراقي ولهذا لا ينبغي النظر إلى هذه القضية على أنها أزمة فحسب، بل يمكن اعتبارها أيضا بمثابة الدافع القوي الذي سوف يشجع العراقيين أكثر على طرد القوات الامريكية من الاراضي العراقية.